أخــبـار مـحـلـيـة

“العنصرية” ضد السياح العرب في تركيا.. ظاهرة ممنهجة أم حوادث فردية؟

يشهد هذا الصيف انتشارا كبيرا لمقاطع مصورة يتداولها رواد منصات التواصل الاجتماعي، تظهر حدوث اعتداءات لفظية وجسدية بحق بعض السياح العرب في تركيا، مما دفع عددا كبيرا من الناشطين لاعتبار أنها “ظاهرة ممنهجة تعكس عنصرية”، وإطلاق حملات إلكترونية لمقاطعة السياحة في “بلاد الأناضول”، بينما يصر آخرون على أن تلك الوقائع “ليست إلا حوادث فردية” يمكن أن تقع فصولها في أي بقعة من العالم.

بالأرقام.. بيانات سياحية تركية

ووفقا لبيانات وزارة السياحة التركية، فإن البلاد كانت قد استقبلت 23 مليوناً و30 ألفا و209 سائحين أجانب، في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022، فيما احتل الألمان المرتبة الأولى في قائمة السياح الأجانب.

وأوضحت البيانات أن عدد الزوار الأجانب بين يناير ويوليو 2022، حقق نموا بنسبة 128.28 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021.

وعلى الصعيد العربي، حل العراق، وفقا لبيانات الوزارة، في المرتبة الأولى من حيث إجمالي زوار تركيا  في تلك الفترة. وزار البلاد 660 ألفا من العراق، و279 ألفا من الكويت، ومن ثم الأردن بـ272.676 ألف زائر.

وفي تصريحات صحفية أدلى بها السفير التركي في السعودية، فاتح أولوصوي، في يونيو الماضي، أكد أن أرقام السائحين السعوديين “شهدت نمواً”، حيث وصلت إلى ما يقارب 500 ألف سائح خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر من العام المنصرم.

وبحسب المسؤول في وكالة غرب البحر الأبيض للتنمية، عثمان أرول ساري دره، فإن “السياح العرب ينفقون مبالغ تصل إلى 4 آلاف دولار لكل سائح خلال زيارتهم إلى تركيا”، بينما “ينفق السياح الروس حوالي 800 دولار فقط” خلال رحلاتهم السياحية.

فيديوهات مثيرة للجدل

ورغم الثقل المادي الذي يشكله السائح العربي في تركيا، لاسيما القادمين من دول الخليج، فقد انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة يقول متداولوها إنها “تكشف مدى العنصرية” التي يتعرض لها العديد من السياح القادمين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ومن أحدث تلك المقاطع المصورة التي جرى تداولها، ما يكشف، بحسب ناشريها، عن وقوع اعتداء من قبل بعض العمال في مطعم بإسطنبول بحق سياح خليجيين.

وبحسب الفيديو، فإن شجارا عنيفا وقع بين عمال المطعم والسياح بسبب خلاف على الفاتورة، التي قال الزوار إنها “مبالغ فيها ولا تعكس الأسعار الحقيقية لما طلبوه” من طعام وشراب، بيد أن بعض المغردين الأتراك باللغة العربية، نفوا أن يكون الشجار بين عرب وأتراك.

وقبل ذلك، انتشر مقطع مصور لسيدة خليجية وهي تصرخ: “أغلقوا السياحة وتحدثوا إلى (الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان”.

وبدا على وجه تلك السيدة الغضب وهي تلمح إلى “العنصرية” الموجهة ضد السياح العرب، مطالبة بـ”عدم استقبالهم بالأساس ما دام ليس مرغوبا فيهم”.

ورغم أن البعض اعتبر أن تلك السائحة الخليجية “بالغت” بردة فعلها تجاه “امرأة محلية حاولت تجاوزها في الطابور في أحد المطاعم”، وفق الرواية التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بيد أن آخرين عدوا ذلك “تصرفا طبيعيا” جراء تراكمات أصبحت تستهدف الزوار العرب في العديد من المرافق السياحية في تركيا.

وفي نفس السياق، أثار فيديو  اعتداء العديد من الأتراك على شاب يمني أعزل، قيل إنه كان “يدافع عن شقيقه”، الكثير من الغضب والاستياء لدى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في دول عربية.

وكان موقع “ارفع صوتك” قد تواصل على مدى أسبوعين مع عدد من المكاتب السياحية التي يعمل فيها أو يديرها سوريون أو عرب في إسطنبول، وقالوا إن أعداد السياح العرب “قلت بشكل واضح وملموس في هذا الموسم، الذي كان يُفترض أن يكون فرصة لتعويض فترة الركود السابقة”.

وقال، محمد.س،  الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملاً، وهو أحد أصحاب الشركات السياحية في منطقة تقسيم الشهيرة وسط إسطنبول: “هناك فرق واضح بين أعداد السياح في موسم الصيف الماضي والموسم الحالي، فقدنا كثيراً من الزبائن الذين ألغوا حجوزات الفنادق والسفر، وغيّروا وجهتم إلى مناطق سياحية في دول ثانية”.

وتابع: “قالوا لنا بصريح العبارة إنهم لم يعودوا يرغبون في مواجهة تصرفات عنصرية، فهم في إجازة للاستجمام والراحة وليس لمواجهة المشاكل”.

من جانبه، طالب الممثل والفنان الكويتي، عبد الله الطليحي، عبر حسابه الرسمي على منصات التواصل الاجتماعي، بعدم السفر إلى تركيا بسبب “العنصرية المتزايدة” و”حوادث الاحتيال والنصب” التي يتعرض لها السائحون العرب هناك.

وقال في تسجيل مصور: “السياح الكويتيون والسعوديون يذهبون إلى تركيا بكثرة ولا أعرف السبب وراء ذلك، فهي ليست رخيصة، وإذا كنتم تبحثون عن طبيعة جميلة فاذهبوا إلى أذربيجان أو جورجيا أو البوسنة”.

وأضاف: “في تركيا تجلس في مطعم وتكون فاتورتك على سبيل المثال ما يعادل 100 دينار كويتي، فتجدها قد أصبحت 400 دينار ويجب أن تدفعها رغما عنك، وإذا كنت سائحا خليجيا ودخلت محل ملابس ولم تشتر تتعرض للاعتداءات والإهانات والشتم، وفي حال ذهبت في مشوار بسيارة أجرة فإن السائق سيستغلك بأي شكل لأنك عربي وكأنه وبينك ثأر قديم”.

وفي المقابل، انتشر باللغة العربية وسم (هاشتاغ) “الأتراك ليسوا عنصريين”، وذلك بدعم مغردين أتراك وعرب يؤكدون أن “الغالبية الساحقة من الشعب التركي ليسوا عنصريين أو كارهين للعنصر العربي”.

وقال بعضهم إنهم “زاروا تركيا مرات عديدة وفي أعوام مختلفة، دون أي يتعرضوا إلى أي إساءات لفظية أو جسدية، بل العكس وجدوا كل الود والاحترام والتقدير” على حد تعبيرهم.

 

“فتّش عن الاقتصاد”

ومع الاطلاع على هذه المستجدات، يفرض سؤال نفسه بقوة.. هل ما يحدث في تركيا عبارة عن “حواث فردية، أم ظاهرة عنصرية مستفحلة؟”.

في معرض إجابته على هذا السؤال، يقول الصحفي والكاتب الإعلامي التركي، هشام جوناي، في حديثه إلى موقع “الحرة”: “لا أعتقد أن العنصرية هي ظاهرة ممنهجة تقف وراءها أي جهة داخلية أو خارجية، لكن هذا لا يمنع الحديث عن وجود وقائع عنف لفظي وجسدي تشهدها البلاد، لكنها للأمانة لا تستهدف فقط السياح العرب، بل تصيب بسهامها أيضا الكثير من أبناء الجالية التركية في ألمانيا وأوروبا، الذين يأتون إلى بلدهم الأم لقضاء إجازتهم السنوية”.

ويتابع: “ربما الأتراك الذين يعيشون بأوروبا يعانون من العنصرية (بتركيا) بسبب مواقفهم الداعمة للحكومة بقيادة إردوغان، خاصة أن أصواتهم تكون مؤثرة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهناك أيضا معاملة سيئة من متطرفين أتراك تجاه العرب، لاسيما الخليجيين الذين اقتنوا عقارات في البلاد، بالإضافة إلى العرب الذين حصلوا على الجنسية وساهموا بالتصويت بكثرة في الاستحقاقات الانتخابية”.

وشدد جوناي على أن “بعض الأتراك الفقراء يمارسون العنصرية جراء الغبن الذين يشعرون به من وجهة نظرهم، باعتبار أنهم يرون التركي المقيم في أوروبا أو السائح الخليجي الذي يستبدل ألف دولار أميركي بـ 27 ألف ليرة، وهذا مبلغ كبير يماثل 3 أضعاف ما قد يجنيه الواحد منهم في شهر”.

وختم حديثه بالقول: “بناء على ذلك يجب أن نقرأ وجود تصرفات متطرفة تجاه العرب أو الأتراك المقيمين في أوروبا من وجهة نظر اقتصادية، إذ أن الأوضاع المعيشية تؤثر سلبا على الكثيرين، وتدفعهم إلى تلك التصرفات غير المقبولة على جميع الأصعدة، خاصة أن السائح أتى لينعم بوقت جميل وعطلة مريحة”.

وبدوره، يتفق الناشط الحقوقي المهتم بأوضاع الاجانب واللاجئين في تركيا، طه الغازي، في حديثه إلى موقع “الحرة”، مع جوناي بشأن العامل الاقتصادي.

ويقول: “العامل الاقتصادي لعب دورا مهما في تزايد أعمال العنف تجاه العائلات العرببية، التي ينظر إليها نظرة سلبية في بعض مراكز التسوق أو أماكن الاستجمام والترفيه، نظرا للتفاوت الكبير في المستوى المادي بين المواطن التركي ونسبة كبيرة من السياح العرب، خاصة الخليجيين منهم”.

وعلى نفس المنوال، اعتبر المحلل والكاتب السياسي الكويتي، فهد الشيلمي، أن “تدهور الأوضاع الاقتصادية في تركيا وغلاء المعيشة، جعل فئات من الطبقات الفقيرة، لاسيما ممن يتعاملون مع السياح مثل السائقين وعمال المحال والمطاعم، ينظرون بعين الحقد والحسد للزائر العربي”.

من جانبه، يرى الكاتب الصحفي المختص بالشؤون التركية والإقليمية، فراس رضوان أوغلو، أن تلك الظاهرة “تعود إلى توجّه بعض الأحزاب المعارضة في تركيا التي تميل إلى الثقافة الغربية، وتعتبر أي تقارب مع كل ما هو عربي عودة إلى التخلّف، بمنطق أن العرب يُعيدون إلى أذهان هؤلاء العنصريين فكرة الإسلام السياسي الذي قامت عليه الخلافة العثمانية”.

ويوضح أوغلو لـ”ارفع صوتك”: “تركيا مع الأسف لا يوجد فيها قانون يحاسب هؤلاء العنصريين على ممارساتهم، ويجب أن تتصرف الحكومة التركية بوضع قانون رادع”.

“أحداث فردية”

في المقابل، يرى الغازي في حديثه لموقع “الحرة”، أن “حوادث العنصرية تجاه الاجئين السوريين والجالية العربية من مقيمين أو سياح، كانت بالفعل “وقائع فردية نادرة” قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي شهدتها البلاد في مايو الماضي.

ويضيف: “لكن بعد الانتخابات وعقب الخطة التي أعلن وزير الداخلية التركية، علي يرلي قايا، لضبط واعتقال المهاجرين غير الشرعيين، فإن تلك الاعتدءات الللفظية والجسدية ضد السياح العرب زادت بصورة جلية”.

ويعزو الغازي تلك الاعتداءات إلى عدة نقاط، موضحا: “بالإضافة إلى العامل الاقتصادي، فإن هناك موروثا ثقافيا واجتماعيا يحض على كره العرب، عاد إلى الظهور من جديد بالتزامن مع الحملة على اللاجئين السوريين”.

ويتفق في هذه الزاوية الباحث الكويتي الشليمي، لافتا إلى “العنصرية تجاه اللاجئين السوريين زادت من كراهية العرب”، موضحا: “لذلك لن تجد هناك مشاكل يتعرض لها السائح القادم من السنغال على سبيل المثال”.

ويستطرد: “حالة العداء لدى العرب كانت منتشرة لدى فئة من المجتمع التركي في العقود المنصرمة، لكنها عادت بقوة بعد حملات التحريض على اللاجئين السوريين وما تبع ذلك من اعتداءات على العرب الآخرين”.

من جانبه، شدد الغازي على أن الاعتداءات زادت على السياح العرب، “مع توجه إردوغان عقب الانتخابات إلى تعزيز علاقاته مع دول الخليج العربي”، موضحا: “هذا يعد عاملا مؤثرا في رفع نسبة تلك الهجمات لدى الأطراف الكارهة للعنصر العربي”.

وفي نفس السياق، يرى الباحث في مركز تحليل السياسات، محمد علوش، أن “ظاهرة العنصرية تجاه السياح العرب في تركيا، لا بد أن تلقي ظلالاً سلبية على حركة السياحة هناك”.

ويضيف في تصريحات سابقة لـ”ارفع صوتك”: “على الحكومة التركية أن تضع علاجاً لمنع تفاقم الظاهرة، التي ستؤثر سلباً على القطاع السياحي، وعلى العلاقات الرسمية التركية العربية”.

كما ينوه إلى أن “البلاد مقبلة على انتخابات البلدية في مارس من العام المقبل، مما يفسر سعي المعارضة إلى استغلال هذه الملفات مجددا، وسط ظهور تيار عنصري في تركيا على غرار جميع دول العالم، ينادي بعناوين قومية ترفض الأجانب حتى لو كانوا في عداد السياح”.

“إجراءات حكومية حاسمة.. وسلاح المقاطعة”

وعن أهم الحلول التي يمكن من خلالها مواجهة تلك الظاهرة، يقول الشليمي: “التهديد بسلاح مقاطعة السياحة في تركيا هو سلاح جيد، لكن الأهم هو أن تتخذ السلطات إجراءات حاسمة لمواجهة تلك الظاهرة العنصرية، حتى لا تهتز علاقات تركيا السياسة والاقتصادية مع الدول العربية”.

وينوه إلى “ضرورة أن تتحرك البعثات الدبلوماسية العربية لحماية رعاياها هناك، بغية منع وقوع المزيد من حوداث التنمر والعنصرية من قبل المتطرفين والكارهين”.

ويطالب الشليمي عبر تصريحاته لموقع “الحرة”، بـ”ضرورة توفير الأمان من قبل الأجهزة الأمنية لجميع السياح الذين أتوا لقضاء وقت جميل بسلام وطمأننية”.

ويختتم حديثه بالقول: “يجب توعية العمال في قطاع السياحة والضيافة والمتاجر بضرورة حماية السياح من أي محاولات اعتداء قد يقدم عليها أتراك عاديون تجاه ضيوفهم، فهم بذلك يحافظون على مصدر رزقهم وعيشهم”.

وبشأن وجود تقاعس من الحكومة التركية بشأن مواجهة تلك “الحوادث العنصرية”، يقول الباحث في العلاقات الدولية والشؤون التركية، مهند حافظ أوغلو، لموقع “الحرة”: “لن نشهد مثل هذه الأمور لاحقا إذا ما كانت هناك حلول حقيقية فيما يتعلق على الأقل في الجانب الاقتصادي، من قبل الحكومه التركية”.

ويشدد حافظ أوغلو على ضرورة “محاسبة العنصريين سواء كانوا مواطنين أو حتى ممن هم في سلك الدولة ممن أساؤوا لصورة المجتمع التركي”، منوها إلى أن تلك الحوادث العنصرية “لن تتكرر، بسبب امتعاض الكثير من الجاليات العربية، واجتماع بعض القناصل العرب مع وزير الداخلية التركي، مما يؤكد رفع مستوى النبرة من قبل البعثات الدبلوماسية العربية ضد هذه التصرفات”.

ويتابع: “أعتقد جازما أن وزارةالداخلية التركية ستقوم بواجبها لمكافحة تلك الظواهر”.

تجدر الإشارة إلى أن موقع “الحرة” تواصل مع دائرة الاتصال في الحكومة التركية للحصول على تعقيب رسمي، دون أن يتلقى أي رد حتى الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى