أخبار الهجرة و اللجوء حول العالمالجاليات في تركيا

اللغة التركية والمرض يتحالفان ضد اللاجئين في تركيا

يصطف مئات من الأمهات السوريات كل مساء على رصيف في منطقة فاتح بإسطنبول؛ يفيض الرصيف بأعدادهن الغفيرة التي تسد الشارع وتتسبب بالازدحام .
تحمل الأمهات أطفالهن أملاً في رؤية طبيب داخل إحدى العيادات القليلة التي توفر لهن الرعاية الطبية بتكلفة منخفضة مع إمكانية التخاطب باللغة العربية مع الأطباء .. وفقا لتقرير نشره موقع Vocativ .

كل مساء منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015 تتحول عيادة الفاتح الجامعية في مؤسسة بيزمياليم إلى مركز مراجعات طبية للسوريين به 7 أطباء سوريين وبضع ممرضات يرون يومياً ما لا يقل عن 300 مريض.

أزمة اللغة

لا خدمات في المركز سوى الأساسيات من اختبارات الدم والأشعة والمشورة الطبية والوصفات؛ ولذلك يقول الأطباء والمرضى أنهم بحاجة إلى المزيد من هذه العيادات وإلى المزيد من الموارد لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين في تركيا الذين يبلغ عددهم نحو 3 ملايين شخص.

وللحصول على خدمة الرعاية الصحية من المؤسسات التركية الحكومية يطلب من السوريين إبراز هوية تركية تثبت أنهم لاجئون مسجلون لدى السلطات التركية وأنهم بذلك أهلٌ للحصول على الحماية المؤقتة في تركيا.

نظرياً اللاجئون السوريون الحاصلون على هوية اللجوء تلك لهم حق الحصول على الرعاية الصحية المجانية في المشافي التركية الحكومية، لكن هذه تعج وتطفح بمن فيها عادة ، كما تفتقد أطباء أو طواقم يجيدون العربية أو الإنكليزية، ما يصعّب كثيراً التواصل مع المرضى.

 

أين قيادات اللاجئين السوريين؟

يقول زكريا سلان طبيب الأطفال الذي أتى إلى تركيا من دمشق قبل عامين “أرى 50 مريضاً في 4 ساعات، أما بالمقارنة مع طبيب تركي فقد يرى 50 مريضاً في 8 ساعات. إننا بحاجة إلى عيادات أكثر مثل هذه، لكن إحدى المشكلات هي أننا الأطباء السوريين لا نحصل على تراخيص طبية لمزاولة المهنة هنا.”

فلمزاولة الطب في تركيا يخضع الأطباء الذين تلقوا تعليمهم خارج البلاد إلى سلسلة من الاختبارات ليحصلوا على ترخيص، لكن وزارة الصحة التركية حالياً تنفذ سياسة عدم منح الأطباء السوريين هذا الترخيص.

ويشرح سلان ذلك قائلاً “يحتاج المسؤولون الأتراك عادة إلى هيئة رسمية في البلد الذي يأتي الطبيب منه من أجل المصادقة على شهادته وخبرته، لكن بالنسبة لسوريا فقد اختفت هذه العلاقة منذ بدء الحرب، وقادتنا السوريون (قادة اللاجئين السوريين في تركيا) لا يبدو أنهم يكترثون بحل هذه المشكلة ولا يحاولون التعاون مع السلطات التركية لتطوير نظام ما. إن تمكنا من حل مشكلة ترخيص الأطباء السوريين فستنحل كل المشاكل الأخرى كذلك.”

ونظراً لأن عيادة بيزمياليم هي مركز مساعدات إنساني فلا يستطيع الأطباء فيه تحويل المرضى إلى المشافي التركية، كما أن الوصفات المكتوبة لا تقبل إلا في بضع صيدليات قريبة تتغافل عن قوانين وجود الترخيص لكتابة الوصفة.

ولتلبية الاحتياج المتزايد للرعاية الصحية تتنامى أعداد العيادات الخاصة في إسطنبول حيث تجد الأطباء السوريين من غير حملة التراخيص يقدمون الرعاية الطبية؛ ففي عيادة نور القريبة تقرأ على جدول مناوبات الأطباء على الحائط أسماء وأيام دوام الأطباء المتخصصين في العظام والنسائية وطب الأسنان والعيون والأعصاب وغيرها من التخصصات.

يفد على هذه العيادة حوالي 200 مريض يومياً وبها أكثر من 27 طبيباً سورياً متوفراً. كما توجد داخل العيادة صيدلية مليئة بالأدوية الأساسية لكي لا يضطر المرضى إلى الذهاب إلى صيدلية تركية إلا إن دعت الحاجة إلى بضعة عقاقير مشددة الرقابة. ويدفع المرضى ما لا يزيد عن 15 ليرة تركية (3 دولارت أميركية) لقاء مراجعة طبيب، كذلك أجور الاختبارات الطبية زهيدة أيضاً.

 

المشافي التركية لا تكترث

 

وينتظر محمد (26 عاماً) دوره لمراجعة طبيب أطفال من أجل طفله ذي الـ8 سنوات الذي يعاني الحمى منذ أيام. لم يصرح باسمه الكامل لأنه ما زال لديه أقرباء في سوريا، لكنه قال “أتيت هنا لأن العيادة رخيصة ولأنه حسب تجربتي فإن المشافي التركية لا تكترث إن كنت سوري الجنسية، فهم ينظرون إليك على أنك لاجئ، ولست شخصاً”.

أطباء الأسنان السوريون لم يتمكنوا بدورهم من الحصول على ترخيص لمزاولة مهنتهم في تركيا، مما دفع ملايين اللاجئين الجدد لرحلة من الكفاح بحثاً عن رعاية مناسبة.

ازدياد الوضع سوءاً دفع بعض السوريين إلى العودة لمناطق الحرب مجدداً، بحثاً عن الرعاية الطبية، كما وصف محمد، الذي استشهد على هذا الوضع بحالة شقيقه البالغ من العمر 21 عاماً والذي توجه لأحد أطباء الأسنان الأتراك في أغسطس 2015 لخلع أحد أسنانه، إلا أن خده وعينيه انتفخا وتورما في اليوم التالي، “ذهب لطوارئ أحد المستشفيات التركية، إلا أن الطبيب أعطاه حقنة ما دون أن يفحصه، ودون أن يشرح له ماذا حدث”، لكن الورم ازداد سوءاً خلال الأيام العشرة التالية، والتي زار خلالها شقيقه غرفتي طوارئ حكوميتين، إلا أنه لم يتلق الاهتمام المناسب لذا قرر في النهاية العودة لإحدى المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار في حلب، لزيارة طبيب هناك.

وأضاف محمد “أقنع بعض حراس الحدود الأتراك عند معبر باب الهوى بالسماح له بالعبور، واستغرقت رحلة البحث عن طبيب في حلب شهراً من الزمن، لكنه وجد واحداً ليعود إلى تركيا بعد ذلك”.

واستطرد محمد قائلاً “لقد اضطر أخي للعودة إلى حلب لفحص عدوى أسنانه على الرغم من بساطة الأمر”.

 

لايحاولون الترجمة

 

ss

يرى حسن طبيب التخدير السابق، والجلدية الحالي في عيادة نور يقول “تحتاج في المستشفى التركي لتحقيق هوية، وحتى إن امتلكت واحداً فستبقى الترجمة هي العائق الأساسي، وفي بعض الأحيان فهم لا يحاولون الترجمة”.

وأضاف “هناك انفصال كبير بين المرضى السوريين والأطباء الأتراك، فالسوريون يذهبون للمستشفيات التركية لمعالجة بعض الأمراض البسيطة، لكنهم لا يتلقون العلاج أو الاهتمام المناسبين، مما يفاقم الأمراض التي يعانون منها على الرغم من بساطة بعضها”.

ويقدم د. سلان، طبيب الأطفال السوري بعيادة بيزماليم، مثالاً على تأزم الوضع بحالة أحمد أحد الأطفال السوريين الذين عالجهم مؤخراً والذي كان يبلغ سبعة أشهر من العمر. فقد جاءت أسرة الطفل لاستشارة سلان حينما عانى طفلهم من مشاكل في التنفس، “كانت المشكلة شديدة الوضوح، عانى الطفل من سوء التغذية بسبب وجود مشكلة في التمثيل الغذائي منذ ولادته، كما عانى من تضخم الكبد”.

فقر الأسرة لم يسمح لها باصطحاب أحمد لإحدى العيادات الخاصة، لذا نصحهم سلان بالتوجه لإحدى غرف الطوارئ بالمستشفيات الحكومية التركية، لكن أطباء غرفة الطوارئ نصحوا العائلة بإعطاء الطفل مزيداً من الحليب، وهو ما دفع والد الطفل للعودة لسلان فأخبره بحاجة الطفل للجلوكوز والأكسجين والمتابعة المستمرة. قائلاً “لا أملك ما أقدمه لطفلك، خذه لغرفة الطوارئ”. استغرق إدخال أحمد لأحد المستشفيات التركية ثلاثة أيام “أبقوه لثلاثة أسابيع، كان والده يزورني يومياً ليخبرني بحالة الطفل، لكنه أتى في أحد الأيام ليخبرني أنه توفي”.

واستطرد سلان “كانت حالة الطفل واضحة ومعروفة، وما تفاقمت إلا لأنها لم تتلق الاهتمام المناسب.
وأضاف “من ضمن كل 100 حالة جيدة، أرى عشر حالات لا تقدم فيها المستشفيات التركية الاهتمام المناسب، وهذه نسبة مرتفعة. يجب على أحدهم الذهاب للتحقيق مع الطبيب الذي فحص الطفل الذي توفي في النهاية”.

 

– هافينغتون بوست 

زر الذهاب إلى الأعلى