ثقافيةرمضان في تركيا

المدفع العثماني تراث يميز رمضان تركيا والعرب





لا يمكننا الحديث، عن رمضان في العهد العثماني دون التطرق للمدفع الرمضاني الذي استحدثته الدولة العثمانية لإعلان حلول الشهر ومواقيت الإفطار والإمساك غاب في زمن الحرب بعد تعذّر التمييز بينه وبين القصف الذي يطال الناس الآمنين.

ومدفع رمضان المصاحب لأذان المغرب والفجر، هو أشبه بلوحة تراثية تختزل حنيناً وشوقاً إلى زمن جميل والأيام الخوالي.

فأبناء هذا الزمن يطربون لسماع دوي مدفع رمضان، لأنه يحمل الكثير من المعاني الإنسانية والتاريخية، بإعتبار أنه أصبح تقليداً رمضانياً، تحرص  تركيا وغالبية الدول العربية والإسلامية على التمسك به، خصوصاً أن دويه يدخل الفرح إلى قلوب المؤمنين المجتمعين قبيل موعد الإفطار حول المائدة، وألسنتهم تدعو ربهم الى تقبل صيامهم وقيامهم.

المدفع صناعة تركية
عند الحديث عن الحقبة التاريخية للمدفع، فان المدفع صناعة تركية وأول ما وجد هناك في أواسط القرن التاسع عشر تقريبا في العام 1800 ميلادية.

وحسب المؤرخون فانه كان متواجد في غالبية المدن الواقعة تحت الحكم التركي في الشرق الأوسط وبلاد الشام كسوريا ولبنان ومصر وفلسطين والعديد من المدن الفلسطينية.

غير أن هذا المدفع أساسه حربي ولكنه استخدم في المدن بواسطة البلديات التي نشأت في نهاية العصر العثماني بشكل مدني للتذكير بمواعيد معينة مثل الإفطار والصيام، وظل يستخدم فترات طويلة جدا امتدت إلى ما بعد الحكم العثماني حتى بداية الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة.

أسباب الحاجة لمدفع رمضان
وخلال القرن الماضي وفيما كان عدد السكان في كل اقليم من اقاليم الدولة العثمانية يزيد ويكثر برزت حاجة ملحة الى وسيلة ليعرف الناس حلول شهر رمضان للتهيؤ لفريضة الصوم، إضافة الى تعريفهم أيضاً بمواقيت الافطار والإمساك، لذلك ارتأت الدولة العثمانية استحداث مدفع وتحديدا في ولاية بيروت، وأن غرض إطلاق المدفع هو إعلام الناس أن حلول شهر رمضان ثبت بالوجه الشرعي.

فمساء يوم 29 شعبان أو مساء الثلاثين منه، كانت تطلق من فوهة المدفع 21 طلقة تبشيراً برؤية الهلال وكان يطلق العدد نفسه من الطلقات عند ثبوت هلال شهر شوال احتفالاً باستقبال عيد الفطر. كذلك كانت تطلق منه 21 طلقة مساء التاسع من ذي الحجة إجلالاً لحلول عيد الأضحى الذي استحق لهذا المدفع تسمية “مدفع رمضان والعيدين“.

وصف المدفع
ومدفع رمضان كان له دولابان كدواليب العربات، وقذيفته حشوة قماش كتان محشوة باروداً. وكان هذا النوع من المدافع تجره البغال من مركزه في ثكنة مار الياس (ثكنة الحلو الآن) ودام هذا التقليد حتى عام 1923 ميلادي.

كان الجيش العثماني يتولى مهمة إطلاق المدفع من أعلى ربوة في المدينة، فكان المدفع طوال شهر رمضان المبارك يطلق طلقة حين موعد صلاة المغرب فور شروع المؤذن في رفع الأذان من أعلى مآذن المساجد، قبل أن تكون قد تزودت مكبرات الصوت كما في زمننا، إعلاناً لحلول وقت الإفطار. كذلك كانت تطلق من فوهة المدفع طلقة حين موعد الإمساك قبيل مطلع الفجر.

وإذ أصبحت طلقات مدفع رمضان التي هي أشبه بنجمات غروبه وليله وفجره، مجرد إحياء لواحد من التقاليد الرمضانية المحببة عند الناس، فإنها كانت في الماضي حاجة وضرورة ملحتين لإعلام الصائمين بمواقيت الإفطار والسحور والإمساك، لأنه كان وقتذاك الوسيلة الوحيدة المتاحة للإستدلال على تلك المواقيت، خصوصاً قبل أن تجهز مآذن المساجد والجوامع بمكبرات الصوت التي أصبحت توصل الأذان المرفوع إلى القريب والبعيد، وأيضاً قبيل تطور تقنيات الإتصال وشيوع أجهزة الراديو والتلفزيون.

روايات متضاربة
وعلى رغم تضارب الروايات التاريخية حول أصول نشأة تقليد مدفع رمضان، إلا أن المؤكد أن بداية الفكرة كانت مصرية المنشأ. فهنالك دراسات تاريخية تشير إلى أن تقليد مدفع رمضان بدأ عام 1811 في زمن والي مصر محمد علي باشا، حينما امتلك جيشه مدافع حديثة الصنع، فأمر بإحالة القديمة على المستودعات ووضع واحداً منها في القلعة كتذكار لإنتصاره.

وصودف في أحد أيام رمضان أن أطلقت من القلعة طلقة مدفعية مع أذان المغرب، فظن المصريون أن هذا كان لإبلاغهم بحلول موعد الإفطار، فابتهجوا لذلك وسيّروا المواكب لشكره.

ومنذ ذلك الحين أمر والي مصر بإطلاق المدافع مع آذان المغرب وعند الإمساك، حتى أصبح تقليداً متبعاً خلال شهر رمضان.

في مقابل ذلك ثمة رواية تشير الى أن فكرة مدفع رمضان قد سنّها الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت حينما كان يحتل مصر، حيث أراد أن يقوم بعمل ما يرضي به أهلها، فأمر بنصب المدافع على قلعة القاهرة وتطلق منها قنابل البارود، إيذاناً بحلول شهر رمضان، ليصبح فيما بعد تقليداً متبعاً في رمضان.




– المصدر تركيا بوست

زر الذهاب إلى الأعلى