اقـتصــاديـة

المقاطعة التركية.. ما تأثيرها على السلع والشركات الفرنسية؟

تستقبل محطة “توتال” (Total) الفرنسية للمحروقات في منطقة “كوتشوك شكمجة” بإسطنبول زبائنها من سائقي السيارات والمركبات من دون أي تغيير على نظام العمل فيها حتى اليوم، لكن الحكم على مستقبلها بعد يومين فقط من دعوات أطلقها الرئيس رجب طيب أردوغان لمقاطعة البضائع الفرنسية ما زال مبكرا.

 

 

 

وتمثل محطة المحروقات واحدة من الشركات والسلع التجارية الفرنسية الرائجة، التي نشر النشطاء الأتراك على مواقع التواصل الاجتماعي قائمة بأسماء العشرات منها، داعين لمقاطعتها ردا على المواقف الفرنسية تجاه الإسلام وعلى الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال أحد المواطنين الأتراك -حيث توقف داخل محطة المحروقات لتزويد سيارته بالوقود- إنه لم يكن يفضل أن يملأها من المحطة الفرنسية، لكنه اضطر لذلك لحاجته إلى البنزين وبعد المحطات الأخرى عنه.

 

 

 

وأضاف للجزيرة نت أن “تطاول الإعلام الفرنسي على الإسلام” ليس مقبولا، معتبرا المقاطعة الاقتصادية “سلاحا فعالا قادرا على إلزام كل من يتطاول على المسلمين حدوده”.

 

قائمة طويلة

وبالإضافة إلى “توتال”، تشمل قائمة المقاطعة أسماء متاجر كبرى، من بينها أسواق كارفور (Carrefour)، و”إندي”، و”إير فرانس” (Air France)، و”إير باص” (Air Bus)، ومراكز لتعليم اللغة الفرنسية، إضافة إلى علامات تجارية للملابس والإكسسوارات؛ مثل “بيير كاردن” (Pierre Cardin)، و”لاكوست” (Lacoste)، وشركات سيارات؛ من بينها بيجو (Peugeot) ورينو (Renault)، وشركات حواسيب وإنشاءات وإنتاج أدوية ومنتجات صناعية متعددة.

 

من جهتها، أوضحت سيفدا تشيدار -وهي إحدى العاملات في متجر “تشيك آدام” لبيع الملابس المستوردة في منطقة هالقالي- أن إدارة المتجر وجهت إلى سحب كافة المنتجات من النسيج الفرنسي “استجابة لأصوات المقاطعة العالية في تركيا”، مضيفة أن بعض الزبائن أبدوا امتعاضا من عرض منتجات الملابس الفرنسية فور بدء أزمة “الرسوم المسيئة” وقبل إطلاق الدعوات الرسمية للمقاطعة.

 

 

وأوضحت تشيدار أن المتجر يفكر حاليا في الاستعاضة عن المنتج الفرنسي بمنتجات أوروبية أخرى من دول لا تتحدى مشاعر المسلمين، ولا تتطاول على نبيهم، الذي لا يسمح أي تركي أن توجه له أي إساءة، وفقا لتعبيرها.

 

غضب الشارع

 

وشهدت معظم المدن التركية خلال الأيام الماضية مظاهرات نصرة للرسول -صلى الله عليه وسلم- وتنديدا بتطاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الإسلام والمسلمين، بالتزامن مع دعوة الرئيس أردوغان للتوقف عن شراء المنتجات الفرنسية في خطاب رسمي بالعاصمة أنقرة الاثنين الماضي.

 

ورفع المشاركون في المظاهرات -التي دعت إليها النقابات والمؤسسات المدنية التركية- لافتات احتجاج باللغتين التركية والفرنسية تشجب التصريحات الفرنسية حول الدين الإسلامي وتدعو لعدم المساس بالمقدسات.

كما أصدرت 4 أحزاب ممثلَة في البرلمان التركي بيانا مشتركا ردا على تصريحات ماكرون الأخيرة حول الإسلام، وهي: حزب العدالة والتنمية، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، والحزب الجيد.

واكتسبت دعوات مقاطعة البضائع الفرنسية زخما في الدول الإسلامية، حيث انتشرت دعوات المقاطعة والوسوم المدافعة عن الرسول الكريم عليه السلام بشكل كبير للغاية على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

 

 

تركيا تقود المقاطعة

ووفقا لخبراء ومراقبين، فإن مقاطعة البضائع الفرنسية تكتسب أهمية خاصة في تركيا؛ نظرا للانفتاح الكبير في التبادل التجاري بين البلدين، إذ تعد فرنسا من أكبر 10 مصدرين عالمين لتركيا، وسابع أكبر المستوردين منها.

لكنهم ورغم ذلك أكدوا أنه ما زال من الصعب الحكم على النتائج المباشرة لحملات المقاطعة في تركيا والعالم الإسلامي، رغم ظهور بعض مؤشرات التراجع في الخطاب الفرنسي الذي أبدى محاولات استمالة مؤخرا للمسلمين.

وحسب الباحث في الاقتصاد الدولي بجامعة “تشوكوروفا” جنكيز أنار، فإن من شأن دوام خطوات المقاطعة لفترات طويلة أن ترهق الاقتصاد الفرنسي، الذي عانى أساسا من انكماش زادت نسبته على 13% منذ انتشار وباء فيروس كورونا في الأشهر الأولى من هذا العام.

ولفت الباحث إلى أن تصدّر تركيا مشهد حملات المقاطعة في إطار ردود العالم الإسلامي على تطاول ماكرون ينذر بإطالة أمد هذه المقاطعة؛ نظرا إلى مكانة تركيا في العالم الإسلامي، وفرص التحاق دول كثيرة بها، على خطى الكويت وقطر اللتين بدأت المقاطعة فيهما بشكل عملي.

وأوضح أنار -في حديث للجزيرة نت- أن الاقتصاد الفرنسي سيتضرر بشكل حقيقي في حال استمرت المقاطعة التركية له؛ نظرا لارتفاع حجم الصادرات الفرنسية إلى تركيا، رغم ميل ميزان التبادلات التجارية بين البلدين لمصلحة أنقرة بقيمة 1.1 مليار دولار العام الماضي.

 

قيمة الاستثمارات الفرنسية المباشرة في تركيا تبلغ 5.4 مليارات دولار (مواقع التواصل)

آفاق المقاطعة

ووفقا لبيانات جهاز الإحصاء التركي، فإن قيمة التجارة بين فرنسا وتركيا تجاوزت عام 2019 مبلغ 14.7 مليار دولار، بينها أكثر من 6.8 مليارات صادرات فرنسية الى تركيا مقابل 7.9 مليارات دولار صادرات تركية إلى فرنسا.

وخلال الشهور الثمانية الأولى، بلغ حجم الصادرات التركية إلى فرنسا 4.2 مليارات دولار، في حين بلغ حجم الواردات 3.9 مليارات دولار.

وتشمل الصادرات الفرنسية للسوق التركي معدات الطيران التي تستوردها الخطوط الجوية التركية، ومعدات تشغيل مصانع السيارات في “بورصة”، ولقاحات الإنفلونزا التي تمثل فرنسا مصدر تزويدها الأول للقطاع الصحي التركي.

وأشار أنار إلى أن ملف الصادرات يمثل واحدا فقط من أوجه التبادل الاقتصادي التركي الفرنسي، مبينا أن قيمة الاستثمارات الفرنسية المباشرة في تركيا تبلغ 5.4 مليارات دولار، وتشكل 3.3% من الاستثمارات الأجنبية في البلاد، التي تبلغ قيمتها الإجمالية 163.5 مليار دولار.

ورأى أنار أن باريس تحسب الكثير من الحسابات للمقاطعة التركية، وقال إن ذلك يفسر بوضوح تصريحات وزير التجارة الفرنسي فرانك ريستر، الذي استغرب من دعوات أردوغان لمقاطعة بضائع بلاده؛ قائلا إن باريس لا تحمل أي أجندة للخصومة الاقتصادية، وإنها تستغرب ربط التوتر الناتج عن قضية الرسوم المسيئة بالعلاقات التجارية بين البلدين.

وعبر أنار عن اعتقاده بأن تلجأ باريس للتهدئة، ومحاولة امتصاص الغضب التركي؛ تجنبا لآثار المقاطعة الاقتصادية التي لا تملك باريس قدرة على مواجهتها، لا سيما أن حجم الاستثمارات التركية في فرنسا صغير، ولا يتجاوز 160 مليون دولار.

المصدر : الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى