أخــبـار مـحـلـيـة

انتخابات تركيا 2023.. ماذا يعني فوز تحالف العدالة والتنمية بالأغلبية في البرلمان بالنسبة لأردوغان؟

تابعــــوا النتائــــج عبر هـــذا الرابــــط المباشـــــر

على عكس استطلاعات الرأي، يتجه تحالف الجمهور الحاكم في تركيا إلى الفوز بالأغلبية في البرلمان بفارق كبير، فماذا يعني ذلك للرئيس أردوغان حال توجه إلى جولة إعادة ضد زعيم المعارضة كليجدار أوغلو يوم 28 مايو/أيار؟

كان الأتراك قد عاشوا يوماً طويلاً، بدأ الأحد 14 مايو/أيار، منذ بدأ التصويت في الساعة 8 صباحاً بالتوقيت المحلي (الخامسة صباحاً بتوقيت غرينتش) في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأهم على الإطلاق في تاريخ تركيا الحديث.

ثم بدأت عملية فرز الأصوات بعد انتهاء التصويت، في مقر مراكز الاقتراع البالغ عددها 191 ألفاً، أي بعد الساعة الخامسة مساء الأحد، وأعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات التركية، أحمد ينار، أن النتائج غير النهائية للانتخابات العامة والرئاسية ستُعلن مساء يوم الاقتراع نفسه، كما هو معتاد، وهو ما حدث ولا يزال مستمراً حتى الساعات الأولى من صباح الإثنين 15 مايو/أيار.

تحالف الجمهور الحاكم يفوز بالأغلبية في البرلمان

التركيز شبه الكامل منصب على السباق الرئاسي المحتدم بين الرئيس الحالي أردوغان وكليجدار أوغلو، مرشح المعارضة الرئيسي، وسنان أوغان مرشح تحالف الأجداد، بعد انسحاب المرشح الرابع محرم إنجه، وربما تتجه الأمور إلى جولة إعادة بين أردوغان وكليجدار أوغلو يوم 28 مايو/أيار.

أما الانتخابات البرلمانية فيمكن القول إن نتائجها الأولية باتت شبه محسومة، ومثلت صدمة للمعارضة بكل ما تحمله الكلمة من معان، حيث حقق تحالف الشعب، الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الحاكم أردوغان وحزب الحركة القومية القومي وأحزاب أخرى، أداء أفضل بكثير مما جاء في استطلاعات الرأي وتوقعات الإعلام الغربي بشكل عام.

فبعد فرز أكثر من 80% من صناديق الاقتراع، حصد تحالف الجمهور 326 مقعدا برلمانيا (حصل حزب العدالة والتنمية منها على 269 مقعد وحزب الحركة القومية على 52 مقعداً وحزب الرفاه الجديد على 5 مقاعد)، بينما حصل تحالف الأمة المعارض على 214 مقعداً (منها 168 مقعداً لحزب الشعب الجمهوري الذي يقوده كليجدار أوغلو).

وعلى الرغم من أن هذه النتائج أولية وغير مكتملة، حيث هناك نحو 20% من الأصوات يجري فرزها، إلا أن الأغلبية البرلمانية باتت محسومة لتحالف الجمهور الحاكم، وفشلت المعارضة في تحقيق اختراق برلماني، عكس جميع استطلاعات الرأي والتوقعات، فماذا يعني ذلك للسباق الرئاسي المحتدم؟

يتكون تحالف الأمة المعارض في تركيا من 6 أحزاب، لذلك يسمى بالطاولة السداسية، وتم تشكيله منذ عام 2021، ويقوده حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة في البرلمان الحالي (134 نائباً)، وحزب “الجيد”، إضافة إلى 4 أحزاب أخرى هي حزب السعادة (حصد 46 مقعداً حتى الآن) والحزب الديمقراطي وحزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم. وحصل حزب الشعب الجمهوري على 168 مقعداً حتى الآن في الانتخابات الحالية.

الانتخابات العامة التركية العدالة والتنمية
وزير الدفاع التركي خلوصي أكار/ الأناضول

ومن مفاجآت الانتخابات البرلمانية هذه المرة فوز حزب “الرفاه الجديد”، المتحالف مع تحالف الجمهور الحاكم بـ5 مقاعد برلمانية، وذلك للمرة الأولى منذ تأسيسه عام 2018، حينما انشق نجل نجم الدين أربكان عن حزب السعادة المنطوي ضمن تحالف المعارضة.

وفي أول تصريح له، هنأ رئيس حزب الرفاه الجديد، فاتح أربكان، أعضاء حزبه على هذا النجاح، مشيراً إلى أن هذه النتيجة أظهرت تلاعب شركات الاستطلاع التي لم تشمل حزبه في نتائجها، وقال أربكان: “أعرب عن خالص شكري لأمتنا التي جلبت الحزب للبرلمان بعد 21 عاماً”.

وحزب “الرفاه الجديد” حزب سياسي تركي تأسس عام 2018 على يد فاتح أربكان، وسُمي بهذا الاسم تيمناً باسم حزب الرفاه “القديم” الذي تأسس عام 1983، وهو أحد الأحزاب التي أسسها وترأسها نجم الدين أربكان والد فاتح. وتأسس الحزب إثر انشقاق قائده فاتح أربكان عن حزب “السعادة”، الذي أسسه والده الزعيم السياسي التركي الراحل نجم الدين أربكان، وقبيل انتخابات 2023، أعلن حزب الرفاه الجديد في 22 مارس/آذار 2023 الانضمام إلى تحالف الجمهور، وذلك عقب اجتماع أخير مع وفد من حزب العدالة والتنمية.

صدمة في صفوف المعارضة التركية

تمثل النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية في تركيا صدمة كبيرة للمعارضة، حيث كانت تشير استطلاعات الرأي التي يرتكنون عليها، إضافة إلى توقعات المؤسسات الغربية ووسائل الإعلام الكبرى، التي أجمعت على أن حزب العدالة والتنمية وتحالف الجمهور الحاكم سيفقد الأغلبية البرلمانية، للمرة الأولى منذ 20 عاماً.

وفي هذا السياق، كان تحليل لوحدة المعلومات التابعة للإيكونوميست البريطانية قد توقع فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئاسة، بفارق طفيف سواء من الجولة الأولى أو خلال جولة الإعادة، إلا أن التحليل نفسه أكد على أن المعارضة التركية ستفوز بالأغلبية البرلمانية على حساب التحالف الحاكم.

لكن الانتخابات العامة لم تسفر فقط عن احتفاظ تحالف الجمهور بزعامة حزب العدالة والتنمية بالأغلبية البرلمانية، بل فاز جميع أعضاء الحكومة التركية الحالية، الذين تم ترشيحهم على رأس قوائم حزب العدالة والتنمية، في 16 منطقة انتخابية و15 مدينة كبيرة، ليكونوا أعضاء في البرلمان بدورته الـ 28.

فقد فاز نائب رئيس الجمهورية فؤاد أوقطاي كنائب عن أنقرة، ووزير العدل بكير بوزداغ في شانلي أورفة، ووزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية دريا يانيق في عثمانية، ووزير العمل والضمان الاجتماعي وداد بيلغين في أنقرة، بحسب الأناضول، نقلاً عن النتائج الصادرة عن الهيئة العليا للانتخابات.

تركيا
كمال كليجدار أوغلو يدلي بصوته/رويترز

كما فاز وزير البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي مراد قوروم في إسطنبول، ووزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو في أنطاليا، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز كعضو في البرلمان الجديد عن إسكي شهير. وتم أيضاً انتخاب وزير الشباب والرياضة محمد محرم قصاب أوغلو في إزمير، ووزير الخزانة والمالية نور الدين نباتي في مرسين، ووزير الداخلية سليمان صويلو في إسطنبول، ووزير التربية والتعليم محمود أوزر في أوردو.

وفي قيصري تم انتخاب وزير الدفاع خلوصي أكار، ووزير الصناعة والتكنولوجيا مصطفى ورانك في بورصة، ووزير الزراعة والغابات وحيد كيريشجي في قهرمان مرعش، ووزير التجارة محمد موش في صامصون، ووزير النقل والبنية التحتية عادل قره إسماعيل أوغلو كعضو في البرلمان الجديد عن طرابزون. فيما انتخب وزير العدل السابق عبد الحميد غول عضواً في البرلمان عن غازي عنتاب، بينما انتخب الوزير السابق فاروق جليك عن ولاية أرتوين.

ماذا تعني نتائج البرلمان لأردوغان وكليجدار أوغلو؟

فوز الموالاة أو تحالف الجمهور الحاكم في تركيا بالأغلبية البرلمانية يمثل دفعة قوية بالنسبة لمرشح التحالف وزعيمه في السباق الرئاسي، رجب طيب أردوغان، بطبيعة الحال، بينما يعتبر مؤشراً سلبياً بالنسبة لمرشح المعارضة كليجدار أوغلو.

وقد انعكس هذا المؤشر بشكل واضح على الأجواء داخل مقار الحزبين الرئيسيين، العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، طوال ساعات الليل وفي الساعات الأولى من صباح الإثنين، حيث تجري عملية فرز الأصوات وإعلان النتائج تباعا.

ففي خطاب ألقاه أمام حشد من أنصاره أمام مقر حزب العدالة والتنمية في العاصمة أنقرة، قال الرئيس رجب طيب أردوغان، إن تركيا أتمت عرساً ديمقراطياً جديداً في انتخابات 14 مايو، مضيفاً: “نحن متقدمون بفارق كبير في الانتخابات رغم أن النتائج ليست نهائية بعد”.

وأشار أردوغان إلى تفوق تحالف الجمهور في الانتخابات البرلمانية، قائلاً: “تحالف الجمهور (يضم 4 أحزاب يقودها حزب العدالة والتنمية) يفوز بأغلبية مقاعد البرلمان وفق نتائج الانتخابات”.

وأعرب الرئيس الحالي عن ثقته بأنه سينهي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الحالية بنسبة تفوق 50 بالمئة: “نحن نؤمن بصدق أننا سنستمر في خدمة أمتنا على مدى السنوات الخمس القادمة”.

“شعبنا الذي منح تحالف الجمهور الأغلبية في البرلمان، سيصوت لصالح الاستقرار في الانتخابات الرئاسية”، بحسب أردوغان، الذي استطرد قائلاً: “لكن في حال قرر شعبنا تأجيل حسم الانتخابات إلى الجولة الثانية سنرحب بذلك”.

وتطرق حديث الرئيس التركي، الذي بدا واثقاً ومتفائلاً (بحسب وصف أغلب وسائل الإعلام الغربية) إلى العملية الديمقراطية بشكل عام، فقال: “بغض النظر عن الأرقام فإن الفائز في هذه الانتخابات هو بلدنا وشعبنا، وقد عشنا انتخابات لا مثيل لها في العالم من حيث نسبة المشاركة التي تعد واحدة من الأعلى في تاريخ بلادنا. خلال تاريخنا السياسي احترمنا الإرادة الوطنية، ونحترم هذه الإرادة في الانتخابات الحالية والاستحقاقات القادمة”.

وشكر أردوغان كافة المواطنين الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مضيفاً: “بلدنا أظهر أداءً من شأنه أن يكون قدوة للعالم من ناحية ممارسة الحقوق والحريات السياسية وموثوقية النظام الانتخابي”.

أما على الجانب الآخر، فقد غلب الشك والإحباط على معسكر المعارضة، وسادت أجواء انهزامية في مقر حزب المعارضة، حيث كان كليجدار أوغلو يتوقع الفوز، ولوح أنصاره برايات مؤسس تركيا الحديثة أتاتورك وقرعوا الطبول، بحسب رويترز.

أجواء الإحباط تلك مردها استطلاعات الرأي قبل الانتخابات، والتي توقعت سباقاً انتخابياً متقارب النتائج، لكن مع تقدم طفيف لكليجدار أوغلو، حيث توقع استطلاعان للرأي يوم الجمعة أن يحصل كليجدار أوغلو على أكثر من 50 بالمئة من الأصوات.

وقال هاكان أكباس العضو المنتدب لشركة الخدمات الاستشارية الاستراتيجية لرويترز: “ربما يكون الأسبوعان المقبلان أطول أسبوعين في تاريخ تركيا وسيحدث الكثير. أتوقع انهياراً واضحاً لبورصة إسطنبول والكثير من التقلبات للعملة”، مضيفاً: “أردوغان لديه ميزة في جولة ثانية بعد تقدم تحالفه بفارق كبير على تحالف المعارضة”.

الخلاصة هنا هي أن فوز تحالف الجمهور الذي يقوده حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان بالأغلبية البرلمانية، قبل حتى أن يكتمل فرز الأصوات بشكل كامل، يشير إلى أن فرصة مرشح المعارضة كليجدار أوغلو، في الفوز بالرئاسة، من خلال جولة الإعادة، باتت أضعف من فرصة الرئيس الحالي.

وبينما ينتظر الأتراك النتيجة النهائية، يتابع العالم أيضاً نتائج الانتخابات التي تمثل مفترق طرق للبلاد، وقد تكون الأكثر أهمية منذ تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923. إذ كانت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قد نشرت تقريراً مطلع العام الجاري، عنوانه “الانتخابات الأهم في العالم خلال عام 2023 ستكون في تركيا”، ألقى الضوء على الأسباب والملابسات التي تجعل ذلك السباق الانتخابي بهذه الأهمية، ليس فقط لتركيا، ولكن للعالم أيضاً.

فنتائج الانتخابات التركية سوف يكون لها تأثير مباشر على صياغة الحسابات الجيوسياسية في واشنطن وموسكو، إضافة إلى عواصم في أوروبا والشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا أيضاً. ولا شك أن الدور والتأثير التركي في الشؤون الدولية يمثل شهادة على إنجازات أردوغان خلال عقدين من وجوده على رأس السلطة في البلاد، ورغم ذلك فإن سعي المعارضة التركية للإطاحة بالرئيس يجد صدى ومتعاطفين خارج تركيا أيضاً.

فما سيقرره الناخبون الأتراك لن يتعلق فقط بمن سيحكم البلاد، لكن بكيفية الحكم أيضاً، والمسار الاقتصادي الذي ستسلكه تركيا، ودورها في تخفيف حدة الصراعات العالمية والإقليمية، مثل الحرب في أوكرانيا، والاضطرابات في الشرق الأوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى