مقالات و أراء

انقلاب الغرب على تركيا… وأهدافه

لم تظهر الدول الغربية معاداة تركيا منذ تأسيس الجمهورية التركية على يد اتاتورك عام 1924، رغم كل الذي قامت به تجاه قبرص واجتياحها، وكذلك النزاع مع اليونان، وذلك لان من حكمها كان يؤدي ادواراً محددة مطلوبة، فأصبحت تركيا نموذجاً للعلمانية في المنطقة، وأصبحت تركيا كذلك القاعدة العسكرية المتقدمة عندما كان الصراع قائماً مع المعسكر الشرقي.                      

وعندما كانت الانقلابات العسكرية تحصل في تركيا لم تعترض عليها دول الغرب، وذلك لان الجيش كان يمنع عودة تركيا الى حاضنتها الإسلامية وتقاربها مع المحيط الإسلامي، وعندما قام السيد نجم الدين اربكان رحمه الله بإعلان تأسيس الدول الإسلامية السبعة تم عزله من قبل الجيش. ووصلت أوضاع تركيا الاقتصادية الى أسوء حالاتها عند وصول حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم في العام 2002، حيث كبلتها الديون الخارجية بفعل الفساد المستشري فيها، وان اقتصادها يحتاج الى مئات المليارات من الدولارات لكي يتعافى، وقام الحزب بالعمل الدؤوب وحقق النجاحات والإنجازات التي لامست حياة المواطن التركي، وبما ان هذه الإنجازات هي ضمن حدود تركيا المحلية وعدم تحولها الى نموذج حكم إسلامي فان دول الغرب لا ترى فيها أي ضرر منها.                                                                          

ولكن بعد الاحداث في الوطن العربي والتي سميت بالربيع العربي، اتجهت انظار شعوب المنطقة الى تركيا وخاصة الى النجاحات في المجالات الاقتصادية والسياسية، مما جعل هذه الشعوب تفكر بان تكون أنظمة الحكم مشابهة او قريبة من النموذج التركي، وهذا سيؤدي الى إلغاء معاملة الغرب لدول المنطقة على انها الحديقة الخلفية لها ومنعها من النهوض والتقدم، وهذا هو السبب ببدء الحرب الحقيقية على تركيا.

فقد بدأ التدخل في الشؤون الداخلية التركية منذ عام 2013 عندما قام الاعلام بتضخيم احداث ساحة تقسيم والتي صورها على انها ثورة ضد الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية الحاكم، في حين يتجاهل نفس الاعلام ولم يعر تلك الأهمية للتظاهرات التي تحدث في فرنسا مثلاً، ثم جاء الدعم لتنظيم الكيان الموازي التابع لفتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة الامريكية الذي أدى الى قيام المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز عام 2016، وتم كذلك تصوير الاعلام لهذه المحاولة على انها ثورة ضد الرئيس التركي ومبشراً بنهاية اردوغان وحزبه، وعندما فشلت هذه المحاولة الانقلابية كان لابد من تحضير ورقة أخرى، فكانت هذه المرة ورقة الاكراد ودعم حزب العمال الكردستاني المحظور بالمال والسلاح والعمل على وجود جيب انفصالي جنوب البلاد لاستنزاف الدولة التركية والعمل على تقسيمها، فكان الرد التركي القوي بضرب معاقل هذه التنظيمات في جبال قنديل شمال العراق وفي مناطق عفرين والباب وجرابلس في سوريا، ولكن الحرب القذرة ضد تركيا استمرت صفحاتها، فكانت صفحتها الجديدة هي الحرب الاقتصادية عليها من خلال قرارات الرئيس الأمريكي ترامب بمضاعفة الرسوم الجمركية على الواردات التركية من الحديد والألومنيوم، وهبوط سعر صرف الليرة التركية لأدنى مستوياتها.                                                                              

وإذا تأملنا ما تم الحديث عنه أعلاه فإننا سنجد الأهداف التي تسعى اليها الأطراف التي تقوم بمحاربة تركيا، وهي كثيرة ولكنني استعرض بعضاً منها وبشكل مختصر جداً ومن هذه الأهداف:

  1. محاولات منع تركيا من النهوض والتقدم وكذلك منع عودتها لقيادة العالم الإسلامي وتوحيده مرة أخرى بعد ان أوصلوا هذا العالم الى واقع مزري من حروب مذهبية وطائفية وفتن، إضافة الى الصاق تهمة الإرهاب على كل ما هو له صلة بالدين الإسلامي.
  2. لا تحب الدول الغربية ومنها أمريكا رؤية الديمقراطية الحقيقية التي يمكن مشاهدتها في تركيا، والتي يمكن ان تنتقل الى العالم العربي والإسلامي، وتريد الإبقاء على أنظمة الحكم الاستبدادية لسهولة انصياع هؤلاء الحكام لهم.
  3. ترفض الدول الغربية ومنها أمريكا نجاح التجربة التركية وتعميمها، فقد نجحت هذه التجربة في بلد لا يملك النفط وكان متأخراً اقتصادياً ولكنه امتلك الحرية السياسية والشفافية، وهي تريد لبلدان المنطقة التي تمتلك الثروات النفطية الهائلة ان تكون ضعيفة التنمية وان تكون الحريات غائبة مع وجود الفقر لكي تبقى تلك الدول تحت السيطرة.
  4. تحاول هذه الدول وفي مقدمتها أمريكا اظهار الرئيس التركي وحزبه على انهم أحد محاور الشر في المنطقة، ويجب العمل على انهائه هو وحزبه قبل عودة تركيا الى مكانتها الطبيعية كدولة كبرى في المنطقة، وفي حال عودتها فانه ليس بمقدور اعدائها القيام بمزيد من اعمال التآمر أو الحرب العسكرية بعد ان فشلت كل صفحات الحرب بالوكالة والتآمر والحرب الاقتصادية والانقلابات العسكرية. اما في تركيا فقد نجح السيد رجب طيب اردوغان من تحطيم ما صاغته تلك الدول من مؤامرات، وماعملته بعض الأنظمة العربية من اسناد لتلك المؤامرات والتي تريد الإبقاء على أنظمتها الاستبدادية وانهاء نموذج تركيا تماشياً مع رغبة الدول الغربية ومنها الرغبة الامريكية، فقد استمرت تركيا بعرض منجزاتها ومشاريعها العملاقة للعالم، وكذلك اتجهت تركيا بشكل فعلي الى الصناعات العسكرية، والتي اصبحت تنتج أكثر من 65% من سلاحها، وذلك لتغيير معادلة احتكار صناعة السلاح من ناحية، والتخلص بشكل كامل من استيراد الصناعات العسكرية والذي هو هدف تركيا لعام 2023 كما أكد ذلك الرئيس اردوغان من جهة أخرى.

 

د. عبد السلام ياسين السعدي –  خاص تركيا الآن

زر الذهاب إلى الأعلى