أخــبـار مـحـلـيـة

بعد الانتصار الأذربيجاني في “قره باغ”.. كيف تعمل تركيا الآن على تعزيز تقاربها مع أرمينيا؟

رغم أن تركيا تدعم علناً الهجوم الأذربيجاني على الأجزاء التي تحتلها أرمينيا من إقليم قره باغ، في 19 سبتمبر/أيلول 2023، فمصالح تركيا طويلة المدى وحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان يمليان عليها نهجاً إيجابياً مع أرمينيا.

ومن أهم المصالح الجيوسياسية لأنقرة في المنطقة إقامة علاقات دبلوماسية مع أرمينيا، وإنشاء طرق تجارية مباشرة إلى أذربيجان والجمهوريات التركية الأخرى في آسيا الوسطى، والحد من النفوذ الغربي والروسي في جنوب القوقاز بزيادة بصمتها فيه، كما يقول تقرير لموقع Al Monitor الأمريكي.

ما فوائد التقارب التركي الآن مع أرمينيا؟

بعيداً عن الفوائد الجيوسياسية القصيرة والمتوسطة المدى، فتحسين العلاقات مع أرمينيا له أن يعزز مكانة أنقرة العالمية؛ إذ تصف المصادر التركية التي تحدثت إلى موقع Al Monitor شريطة عدم الكشف عن هويتها، هذا التطبيع الجاري في العلاقات بأنه “فرصة تاريخية لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر”.

وجزء كبير من الزخم الذي اكتسبته محادثات التطبيع مصدره أجندة الإصلاحات الداخلية لرئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، ورغبته في نقل أرمينيا من دائرة النفوذ الروسي إلى الغرب.

وتعتقد حكومة الرئيس أردوغان أن تحسين العلاقات مع أرمينيا لا يقل أهمية عن دعم احتياجات أذربيجان- التي ربما تكون أقرب حليف إقليمي لتركيا- ومصالحها الجيوسياسية.

ومصالح أنقرة الجيوسياسية الأخرى تتمثل في إنشاء ما يسمى بـ”ممر زانغزور” الذي سيربط أذربيجان بمقاطعة نخجوان الحبيسة غير الساحلية  بين أرمينيا وتركيا وإيران.

ممر زانغزور في إقليم نخجوان

سيفتح هذا الممر طريقاً برياً أقصر وأكثر أماناً من تركيا إلى أذربيجان، في إطار مساعي الحكومة التركية إلى إرساء علاقاتها التجارية والسياسية مع أذربيجان وجمهوريات آسيا الوسطى التركية. وتحاول أنقرة وباكو إقناع أرمينيا بفتح الممر.

ونخجوان أو ناختشيفان، هو إقليم أذربيجاني، ويُعد جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي، مساحتها حوالي 6% من مساحة الأراضي الأذربيجانية، مع وجود مساحات من الأراضي الأرمينية بعرض 40 كيلومتراً تفصل بين هذا الجيب وبين أذربيجان. 

لكن تلاصق هذه المنطقة الأذرية لكل من إيران وأرمينيا غريمَي أذربيجان وتركيا الحليف القريب لباكو، ويبلغ تعداد سكان نخجوان نحو 460 ألف نسمة، غالبيتهم العظمى من الأذربيجانيين، بالإضافة إلى وجود أقليات عرقية روسية.

وقد ترغب أنقرة أيضاً في التعامل بلطف مع أرمينيا للحد من التدخل الروسي والإيراني وحتى الغربي في جنوب القوقاز، كما يقول الموقع الأمريكي.

وعن روسيا، فقد أدى غزوها لأوكرانيا إلى الحد من نفوذها، أما إيران فمسألة أخرى. فبعد حرب 2020 بين أذربيجان وأرمينيا- التي أسفرت عن استعادة باكو لإقليم ناغورنو قره باغ التي تحتلها أرمينيا- انحازت إيران إلى أرمينيا خوفاً من أن يؤدي انتصار أذربيجان إلى إثارة المشاعر الانفصالية بين الأقلية الأذربيجانية في طهران.

وتعارض طهران مشاريع ممر زانغزور، خشية أن يؤدي إلى إغلاق الروابط البرية بين طهران وروسيا عبر أرمينيا وجورجيا. ومن المرجح أن تعمل أنقرة على تجميل الصفقة بتوفير وصول لوجستي موسع إلى إيران عبر أرمينيا وأذربيجان. ومطلع هذا الأسبوع، قال أردوغان إن إيران تبعث برسائل “إيجابية” حول إنشاء الممر.

تحجيم الدور الغربي 

وبالمثل، لا تريد تركيا أن تكتسب فرنسا أو الولايات المتحدة مكانة بارزة في النزاع بين أرمينيا وأذربيجان. وحتى حرب 2020، كانت فرنسا والولايات المتحدة عضوين في ما يسمى بمجموعة مينسك، التي تشكلت للتوسط في حل نزاع ناغورنو قره باغ. على أنه بدا أن كلتا الدولتين الغربيتين كانتا تفضلان يريفان بسبب العدد الكبير من مواطنيهما المنتمين لأصول أرمنية. وانتصار أذربيجان عام 2020 يعني أنه لم تعد هناك حاجة لخدماتهما.

وترغب أنقرة في الحد من حضور واشنطن في القوقاز بسبب عملها العسكري في جارتيها العراق وسوريا الذي أدى إلى تفاقم المخاطر الأمنية على أنقرة. وترغب تركيا أيضاً في أن تظل حليفتها في الناتو على مسافة بعيدة حتى لا تتعقد خططها في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى بسبب التحركات المضادة من روسيا وإيران.

تحسين العلاقات يحظى بأهمية كبيرة

أكدت عدة مصادر رسمية تركية لموقع Al Monitor على  ضرورة إعادة بناء العلاقات مع أرمينيا، وأن أردوغان ووزراءه حريصون على ذلك. ومنذ عام 2021، بدأ أردوغان المفاوضات مع رئيس الوزراء الأرميني باشينيان من خلال أحد أكثر مسؤوليه خبرة في السياسة الخارجية، وهو سردار كيليج، الدبلوماسي المحنك الذي كان في السابق سفيراً لتركيا لدى الولايات المتحدة.

وفي يونيو/حزيران الماضي، في سابقة هي الأولى لرئيس تركي، دعا أردوغان باشينيان لحضور حفل أداء اليمين، وأجرى مكالمة هاتفية معه في 11 سبتمبر/أيلول. واستمر تواصل أنقرة مع يريفان منذ حرب قره باغ الأخيرة.

وأجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الأرميني أرارات ميرزويان، محادثة هاتفية يوم الأربعاء، 27 سبتمبر/أيلول.

ورسم أحد المصادر صورة شبه خيالية حول كيفية “إقناع” مواطني تركيا وأذربيجان وأرمينيا بالسلام بين الدول الثلاث. وسينضم إلى أردوغان باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بالقرب من جبل أرارات أو أي موقع آخر ذي أهمية تاريخية وثقافية، لإرسال إشارة إلى العالم بأنهم يتركون ماضي بلدانهم المزعج وراء ظهورهم.

زر الذهاب إلى الأعلى