اقـتصــاديـة

بلغت قيمتها ملايين الدولارات.. قصص نجاح شركات عربية في السوق التركية

في ظلّ احتدام الصراع بين إمبراطوريات تجارية عالمية في سبيل رسم معالم الثورة الصناعية الرابعة الواعدة في مجالات شتى مثل الروبوتات، والذكاء الصناعي، وتكنولوجيا النانو، والحوسبة الكمومية، والتكنولوجيا الحيوية، والطباعة ثلاثية الأبعاد، تسعى شركات ناشئة أخرى إلى اقتحام السوق العالمية أملاً في أن تكون رقماً صعباً في هذه المعادلة المعقدة، رغم بعض الثوابت التي يصعب تجاوزها بسهولة.

وما تشهده تركيا اليوم أقرب لأن يكون حراكاً وطنياً في الساحة العالمية، ذلك ما عبّر عنه السيد مصطفى ورانك، وزير الصناعة والتجارة، في حديثٍ نقلته صحيفة “ديلي صباح” في نهاية العام المنصرم، إذ يشير إلى أنّ تركيا تستهدف في المرحلة المقبلة تحولاً من كونها سوقاً مستهلكة إلى دولة رائدة في التصنيع والتطوير.

وجاء ذلك على خلفية افتتاح مركز للبحث والتطوير تابع لـ”مجموعة بروميتيون للإطارات” العالمية في مدينة قوجه ألي الواقعة بالقرب من العاصمة التجارية إسطنبول.

وما يؤكد حديث السيد ورانك هو توقيع وكالة الفضاء التركية مذكرة تعاون مع حليفتها وكالة الفضاء الإماراتية في يوليو/تموز الماضي، تقتضي التعاون المشترك السلمي في مجال الفضاء وتطبيقاته كافة والتكنولوجيا المتعلقة به، كما سيغطي الاتفاق تدريب الموارد البشرية وتبادل المعلومات والخبرات في عملية التنقيب، وأخيراً إنشاء مركز مشترك للبحث والتطوير لرحلات الفضاء دون المدارية وأنظمة التصوير بالأقمار الصناعية وعملية إطلاق الصواريخ.

ويُنظَر إلى تركيا على أنها أكثر البلدان خصوبة للمشاريع الاستثمارية في شتى المجالات، لا سيما في العقار والسياحة، وتُعَدّ مركزاً مهماً لاستقطاب رجال الأعمال من حول العالم، والمستثمرون العرب ليسوا استثناء، بل إنّهم يمثلون شريحة واسعة في السوق التركية.

وعلى غرار شركتي “ترنديول” و”جيتير” الناشئتين اللتين حطّمتا أعلى قيمة سوقية في تاريخ تركيا متجاوزتين حاجز الـ7 مليارات دولار خلال السنوات الماضية، يسعى مستثمرون عرب إلى مضاعفة هذا العدد ضمن الشركات التركية.

التكنولوجيا العميقة

ومن أبرز قصص نجاح الاستثمارات العربية في تركيا شركة “الجزري لتكنولوجيا المحركات” التي جرى تأسيسها على أيدي نخبة من المهندسين الأردنيين في إسطنبول في عام 2015. وينصبّ جلّ اهتمام الجزري على عمليتَي البحث وتطوير المحركات، بما يساهم في تقليل استهلاك المحركات للوقود، جنباً إلى جنب في تقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة، واضعتين بذلك حجر الزاوية لثورة حقيقية في عالم المحركات، لا على مستوى تركيا فحسب، بل على مستوى العالم.

كما تُعَدّ الشركة مركزاً للابتكار التقني، معتمدةً على خاصية التقدم العلمي الكبير والابتكار الهندسي عالي التقنية، وهو ما يُعرف بالتكنولوجيا العميقة، مما يتطلب بحثاً وتطويراً مطوَّلاً قد يقتضي بعض الوقت لكن نتائجه حاسمة وجوهرية على أعلى مستوى.

وتبلغ القيمة السوقية لدى الشركة اليوم 17 مليون دولار وفق التقرير المعتمَد من مجلس أسواق رأس المال في تركيا العام الماضي، مع توقعات ارتفاع القيمة إلى 60 مليون دولار خلال الأشهر القليلة القادمة وفقاً للتقييم الجديد، وذلك ثمرة عمل دؤوب على أكثر من 40 نموذجاً، وتسجيل قرابة 10 براءات اختراع عالمية باسم الشركة.

ولم تكن الجزري دخيلاً حديثاً في مجال السيارات، فقد أعرب مهندس الميكانيك في الشركة محمد أبازيد عن دراسات طويلة عُقدت لتطوير التقنية التي تعتمدها الشركة قبل إنشائها باسمها الحالي، فضلاً عن الانخراط في الأسواق الأجنبية على مستوى أوروبا وأمريكا على حدّ سواء، لكن اختيار تركيا كقاعدة للانطلاق نحو العالمية جاء بناءً على ما تتبناه الحكومة التركية في هذا الصدد وعزمها على تَصدُّر المشهد العالمي.

وبالمقابل استطاعت الجزري أن تحظى بثقة كبيرة من قبل أكبر المؤسسات التقنية في الدولة، مثل مجلس البحوث العلمية والتكنولوجية في تركيا “توبيتاك”، بتوقيع عدّة اتفاقيات بحث وتطوير على مدار السنوات الماضية، فضلاً عن تَمكُّن الشركة من الالتحاق بنخبة الشركات الناشئة الواقع مقرّها في أكبر تجمعٍ للشركات في “إسطنبول تكنوبارك” بالقرب من مطار صبيحة في إسطنبول.

ومثال آخر شركة “مقاصد بورتفوليو”، وهي أول شركة عربية في تركيا تُعنى بإدارة الأصول المالية والمحافظ، وإدارة الصناديق الاستثمارية على حدّ سواء، وجاء تأسيسها في عام 2015 على خلفية الفجوة الموجودة في قطاع الخدمات المالية الإسلامية في تركيا. وتوفر شركة مقاصد حلولاً استثمارية لرجال الأعمال والمهتمين بالمجال الاستثماري، وتدير الأصول المالية على مستوى الأفراد بالإضافة إلى تلبية احتياجات المؤسسات والمجموعات الاستثمارية.

وتعبّر مقاصد عن أهدافها المتوافقة مع توجه الدولة التركية لعام 2023، إذ تسعى إلى المساهمة في وضع الاقتصاد التركي ضمن أكبر عشر اقتصادات على مستوى العالم، وإلى المشاركة في جعل إسطنبول مركزاً مالياً دولياً.

ونموذج آخر مركز “كور إسطنبول” الذي يُعَدّ أكبر المراكز التركية العربية لريادة الأعمال، وحاضنة مميزة للغاية بالنسبة إلى الشركات الناشئة، إذ يضمّ “كور إسطنبول”، الواقع مقره في إسطنبول، مجموعة من الورش والفاعليات في مجالات مختلفة لتمكين الشباب العربي من مهارات العمل في السوق، بدعم من خبراء ومستثمرين من جنسيات شتى. ويتطلع المركز إلى انطلاق عدّة شركات ناشئة عربية خلال السنوات القليلة القادمة.

مؤخراً، خُتمت في مدينة صامسون التركية على البحر الأسود أعمال الدورة الخامسة من معرض تكنوفيست للتكنولوجيا الذي قدّمت به العديد من الشركات والأفراد مشاريع ريادة في مجال التكنولوجيا والأعمال. وهو جهد تسعى من خلاله تركيا إلى الانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة في التصنيع عالي التقنية.

 

TRT عربي

زر الذهاب إلى الأعلى