أخــبـار مـحـلـيـة

تركيا أمام تحدٍّ اقتصادي بعد وقف زيادة الفائدة.. إلى أين يتجه سعر الليرة، وماذا عن التضخم؟ خبراء يجيبون

رفعت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي التركي سعر الفائدة في تركيا بمقدار 250 نقطة أساس إلى 45% بدلاً من 42.5% في أول اجتماع لها في العام الجديد 2024، للمرة الثامنة على التوالي منذ شهر يونيو/حزيران 2023، معلنة أنها وصلت السقف الأعلى لزيادتها الذي ستتوقف عنده.

يثير الأمر تساؤلات عن تأثير ذلك على سعر الليرة ونسب التضخم في البلاد، ما يشكل تحدياً اقتصادياً لتركيا.

أشار نص قرار المركزي التركي، إلى استمرار الانخفاض في الاتجاه الأساسي للتضخم الشهري، وأن مجلس الإدارة قد قيَّم أن المستوى الحالي لسعر الفائدة في تركيا سيتم الحفاظ عليه، إلى حين حدوث انخفاض كبير للتضخم الشهري، واقترابه من النطاق المتوقع.

قدَّر المركزي التركي أنه في حالة وجود مخاطر كبيرة ودائمة على توقعات التضخم -ارتفاع الأسعار- ستتم مراجعة التشديد النقدي للبنك المركزي الذي بدأ نهجه مع الإدارة الجديدة للبنك منتصف يونيو/حزيران 2023.

هل انتهت زيادات الفائدة؟

شاركت هاندا كوتشوك، إحدى خبيرات الاقتصاد في بنك “مورغان ستانلي”، توقعاتها بشأن أول خفض لسعر الفائدة في تركيا قد يعلنه البنك المركزي التركي، مرجحة أن عام 2024 لن يشهد المزيد من الزيادة في الفائدة.

أشارت كوتشوك في تقرير لها حول أسعار الفائدة في تركيا، أن زيادة الأجور والأسعار وزيادة النفقات العامة، ستؤدي إلى زيادة التضخم في الربع الأول من عام 2024. 

أوضحت كذلك أن توقعات التضخم لا تزال متماشية على نطاق واسع مع توقعات البنك المركزي التركي على المدى القريب، الذي يتوقع أن يصل التضخم إلى ذروته في نطاق 70-75% سنوياً خلال شهر مايو/أيار 2024.

توقع التقرير أن تظل أسعار الفائدة في تركيا مستقرة حتى الربع الرابع من عام 2024، مع توقعات بإمكانية إجراء أول خفض لسعر الفائدة في تلك الفترة، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر المتعلقة بمعدل تراجع التضخم خلال النصف الثاني من عام 2024. 

الخبيرة الاقتصادية قدرت أن يصل سعر الفائدة في تركيا إلى 40% في نهاية العام، بعد مستوى الذروة البالغ 45% في يناير/كانون الثاني 2024، متوقعة أن ينخفض ​​سعر الفائدة بمقدار 20 نقطة إلى 25% بحلول نهاية العام ذاته.

فما الذي يحدث حينما يرفع البنك المركزي سعر الفائدة؟ وما تأثير ذلك على أسعار الذهب والدولار والمواد الأساسية؟

سياسة الفائدة التركية

يحاول البنك المركزي السيطرة على التضخم من خلال سياسة الفائدة، ليهدف من ذلك إلى تقليل إجمالي الطلب في الاقتصاد عن طريق زيادة أسعار الفائدة في تركيا، وهذا أمر مهم للسيطرة على التضخم وإدارة الاقتصاد بطريقة مستقرة، بحسب الخبير الاقتصادي محمد بيرم في تصريحاته لـ”عربي بوست”.

رفع البنك المركزي سعر الفائدة في تركيا -وفق بيرم- جاء بسبب المخاطر الجيوسياسية؛ والعمل على التشديد الكمي لسعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية

أما انخفاض الاحتياطيات المتراكمة لدى البنك المركزي، أفاد بأنها تؤشر إلى انتهاء سياسة التشديد النقدي، موضحاً أن المزيد من الزيادات في أسعار الفائدة في تركيا خلال الشهور القادمة قد يتسبب في تباطؤ السوق.

يرجخ خبراء أن الفائدة في تركيا وصلت سقفها في العام 2024 - رويترز
يرجخ خبراء أن الفائدة في تركيا وصلت سقفها في العام 2024 – رويترز

توقع بيرم كذلك استمرار حيوية الطلب المحلي مع تراجع التضخم -ارتفاع الأسعار- مع بعض القيود، مشيراً إلى أن التضخم بدأ في التوجه نحو الهبوط، وأن دورة خفض سعر الفائدة قد تبدأ في المستقبل القريب.

وقال الخبير الاقتصادي إن عام 2024 يمكن أن يكون عام التوازن والإصلاح الاقتصادي في تركيا، وإن التضخم يمكن أن يعود إلى خانة الآحاد بحلول عام 2026.

الفائدة في تركيا وزيادة الأسعار

في تقييمه لآثار زيادة أسعار الفائدة في تركيا على المواطنين، ذكر بيرم أن تشديد الاقتراض سيزداد خلال الفترة القادمة، وأن الزيادة في أسعار الفائدة على الودائع ستصاحبها زيادة في أسعار الفائدة على القروض.

يرى الخبير الاقتصادي أن أسعار الفائدة على الودائع قد ترتفع بنحو 48-49%، وأن البنك المركزي قد يدعم بقاء أسعار الفائدة على الودائع مرتفعة حتى شهر مايو/أيار 2023.

بالإضافة إلى ذلك، توقع بيرم أن تستمر زيادات الأسعار التي بدأت منذ عام 2023 بلا هوادة في عام 2024، موضحاً أن أكثر من 700 منتج في الأسواق المتعددة قد تغيّرت أسعارها بين عشية وضحاها. 

سلّط الخبير الاقتصادي الضوء أيضاً وبشكل خاص، على زيادات أسعار المنتجات الغذائية الأساسية مثل الزبد والجبن والحليب، وذكر أن سعر المياه المعبأة ارتفع من 70 ليرة إلى 100 ليرة لزجاجة 19 لتراً، متوقعاً أن يستمر على هذه الوتيرة خلال العام الجاري 2024.

زيادات متتالية

دخل البنك المركزي التركي عملية تشديد السياسة النقدية، عبر رفع أسعار الفائدة منذ اجتماعه في يونيو/حزيران 2023، وتم وفقها تطبيق زيادة إجمالية على الفائدة قدرها 34 نقطة.

ذكر البنك المركزي أن زيادة سعر الفائدة كانت ضرورية لخفض التضخم، مشدداً على أهمية هذه الخطوة في مكافحة زيادة الأسعار، فيما شهدت نسبة الفائدة منذ يونيو/حزيران 2023، ارتفاعاً على النحو التالي:

يونيو/حزيران: 15%

يوليو/تموز: 17.50%

أغسطس/آب: 25%

سبتمبر/أيلول: 30%

أكتوبر/تشرين الأول: 35% 

نوفمبر/تشرين الثاني: 40%

ديسمبر/كانون الأول: 42.50%

يناير/كانون الثاني 2024: 45%

الدولار والليرة التركية 

رغم رفع المركزي التركي أسعار الفائدة للمرة الثامنة على التوالي منذ يونيو/حزيران 2023؛ واصل الدولار ارتفاعه أمام الليرة التركية، وتم تداوله عند 30.3184 بزيادة قدرها 0.25% اعتباراً من الساعة 11.30 صباح يوم 26 يناير/كانون الأول 2024.

في خضم ارتفاع الدولار، شارك بنك ويلز فارجو، أحد أكبر البنوك في الولايات المتحدة الأمريكية، توقعات جيدة فيما يتعلق بسعر صرف الدولار أمام الليرة التركية في تقريره عن التوقعات الاقتصادية الدولية لعام 2024 الذي نُشر مؤخراً. 

توقع البنك أن يرتفع الدولار مقابل الليرة التركية إلى 31 في الربع الأول من عام 2024، لكنه سيعود إلى 30.50 في الربع الثاني وينخفض ​​إلى 29.50 في الربع الرابع، وكانت توقعات البنك للدولار أمام الليرة التركية للربع الثاني من عام 2025 عند 28.50.

في حين يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة بورصة، أولداغ يوكسيل أوتشاك، أن “البنك المركزي التركي سيستمر في اتباع نهج أكثر تقليدية للسياسة النقدية، وأن النهج التقليدي وأسعار الفائدة المرتفعة وانخفاض التضخم، سيؤدي كل ذلك في النهاية إلى ارتفاع قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي”.

أوضح أوتشاك في حديثه إلى “عربي بوست”، أن رسالة البنك عبر الزيادة الأخيرة لأسعار الفائدة أن السياسة النقدية ستظل مشددة بشكل موثوق؛ ما كان ذلك ضرورياً لتباطؤ التضخم.

تابع بأن انخفاض توقعات التضخم مهم للغاية، مشيراً إلى أن ذلك قد يكون صعباً في أوائل عام 2024، بسبب زيادة الحد الأدنى للأجور، وخفض التضخم والانخفاض الطفيف لقيمة الليرة في شهر يناير/كانون الثاني 2024.

ذكر أوتشاك أن ضعف الليرة قد يتباطأ في أشهر الربيع، مع التدفق الكبير للأموال الأجنبية التي ستستفيد من أسعار الفائدة المرتفعة للبنك المركزي التركي، وبدء الموسم السياحي في عموم تركيا.

سعر الصرف والصادرات

من جانبه، طالب رئيس مجلس المصدرين التركي مصطفى غولتبه، بضرورة رفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية بنسبة 45% على الأقل، لضمان منافسة الصادرات التركية، ومواجهة زيادة التكلفة. 

على الفور، رد وزير المالية والخزانة التركي محمد شيمشك على تلك المطالبات، بالتأكيد على أن المحدد الرئيسي للصادرات هو الطلب الخارجي، وأن سعر الصرف ليس له تأثير كبير في هذه النقطة. 

أشار شيمشك إلى أنه بينما ارتفع سعر الصرف بنسبة 36.4% خلال السنوات الست الماضية، زادت الصادرات بنسبة 5% فقط.

وأشار في تغريدة عبر حسابه على منصة “إكس”، إلى أنه في الفترة 2003-2013، ارتفع سعر الصرف بنسبة 3.3% سنوياً في المتوسط؛ فيما زادت الصادرات بنسبة 7.1%، بينما وفي الفترة 2018-2023، ارتفع سعر الصرف بنسبة 36%؛ بينما زادت الصادرات بنسبة 5% فقط.

منذ وصول شيمشك وزيراً للمالية شهدت الفائدة في تركيا ارتفاعاً ملحوظاً لخفض التضخم - رويترز
منذ وصول شيمشك وزيراً للمالية شهدت الفائدة في تركيا ارتفاعاً ملحوظاً لخفض التضخم – رويترز

شدد كذلك على أن الحصول على حصة أكبر من التجارة العالمية، وجعل المكاسب التركية دائمة من خلال زيادة الإنتاجية والابتكار والقيمة المضافة العالية والعلامات التجارية؛ هو السبيل الأهم لزيادة الصادرات التركية، ونمو الاقتصاد؛ مؤكداً أن الحكومة التركية تدعم المصدّرين بكل قوة، وستواصل القيام بذلك.

لماذا ترفع البنوك الفائدة؟

البنوك المركزية هي مؤسسات مستقلة وغير تجارية، مكلّفة بإدارة عملات البلدان.

تشمل أولويات البنوك المركزية مهام مثل “طباعة الأوراق النقدية والعملات المعدنية، والسيطرة على الاحتياطيات الأجنبية، والعمل كدائنين طارئين، وضمان صحة النظام المالي”.

مع ذلك، فإن الواجب الأساسي للبنك المركزي هو ضمان استقرار الأسعار، وهذا يعني أنه يجب السيطرة على التضخم (ارتفاع الأسعار) والانكماش (انخفاض الأسعار).

بما أن الانكماش يضع الاقتصاد تحت الضغط ويغذي البطالة، فإن كل بنك مركزي يحدد هدف تضخم معتدلاً وإيجابياً، لتشجيع النمو التدريجي والمستقر، في حين يصل هذا المعدل بشكل عام على المستوى العالمي إلى حوالي 2%.

مع ذلك، عندما يبدأ التضخم في الارتفاع بسرعة، تلجأ البنوك المركزية إلى بعض البدائل للوفاء بهذه المسؤولية الأساسية، مثل رفع أسعار الفائدة.

زر الذهاب إلى الأعلى