مقالات و أراء

تركيا بين العنصريين والمتربصين

امتلأت وسائل الإعلام التقليدية والمواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة بأنباء ضحايا الانتهاكات والجرائم التي وقعت في تركيا بسبب تحريض العنصريين ضد العرب عموما واللاجئين السوريين على وجه الخصوص.

وتباينت الآراء والتعليقات بين تحذير المخلصين من عواقب تفشي العنصرية في تركيا، وركوب المتربصين على الموجة لينشروا أكاذيبهم من أجل تنفيس أحقادهم وتشويه سمعة الشعب التركي بأكمله وكأن العنصرية ليست مصيبة يعاني منها كل شعب من شعوب العالم، ولو بدرجات متفاوتة.

ونشرت وسائل إعلام روسية وعربية تقارير كاذبة تصور حادثة قتل شاب تركي في محل لبيع الخمور من قبل شاب تركي آخر بعد تلاسن جرى بين الطرفين، على أن الضحية شاب سوري يعمل في البقالة وأن جريمة القتل ارتكبها الأتراك بدوافع عنصرية. وشنت اللجان المعروفة باسم “الذباب الإلكتروني” حملة تشويه وتحريض ضد تركيا، رغم تحسن العلاقات التركية الخليجية في الآونة الأخيرة.

تقارب تركيا مع العالم العربي من الخليج حتى أقصى المغرب يقض مضاجع قوى دولية وإقليمية، كما أن هناك معارضة تركية ترى أن هذا التقارب يصب في صالح الحكومة، وبالتالي فهي تعتبره خطرا عليها حتى لو كان لصالح البلاد. ولذلك، يتوقع أن تكون هناك محاولات مختلفة للإيقاع بين العرب والأتراك لضرب التقارب العربي التركي. إلا أن هذا الأمر المتوقع لا يعفي الحكومة التركية من المسؤولية.

صناع القرار في البلاد لا ينبغي أن يتصرفوا وكأنهم مجرد محللين أو كتاب رأي يعلقون على الأحداث، ولا يملكون صلاحيات لاتخاذ القرارات، ولا يتحملون مسؤولية تفرض عليهم البحث عن حلول للمشاكل والأزمات. ولم يعد الوضع يحتمل الاكتفاء بإلقاء تصريحات وخطابات رنانة عن الأخوة ورفض العنصرية والكراهية. بل نحن بحاجة ماسة إلى قوانين رادعة، وتطبيقها بشكل حازم لتحقيق العدالة.

الحكومة التركية يبدو أنها لم تدرك حتى الآن مدى خطورة التساهل مع جرائم العنصرية والتحريض ضد اللاجئين. لأن الأزمة تتفاقم يوما بعد يوم وتسير نحو جر البلاد إلى الهاوية. وتشير كافة المؤشرات إلى أن عدم وضع حد لحملات التحريض وجرائم العنصريين سيهدم كل ما تم بناؤه خلال العقدين الأخيرين من صورة مشرقة ومواقف مشرفة وآمال في نصرة المظلومين. كما أن لعنة العنصرية لن تقف عند معاداة اللاجئين فحسب، بل ستطال  كافة العرب، كما رأينا في حادثة الاعتداء على الطفل اليمني وأخيه في إسطنبول، وستستهدف أيضا المواطنين الرافضين لجرائم العنصريين.

تركيا تعاني منذ فترة من التساهل مع الأحداث التي تمس الأمن والأمان، ويقف وراءها شباب تأثروا من الأفلام والمسلسلات التي تظهر رجال المافيا وشبكات الجرائم المنظمة كأبطال. وفي هذا الإطار، ذكر رجل أعمال تركي في حسابه على موقع تويتر أنه تعرض لهجوم مجموعة من الشباب المغامرين حين أراد أن ينبه صاحب سيارة كانت تغلق باب موقف السيارات، كما أنه نشر مقطع فيديو يظهر تلك اللحظات، مضيفا أنه لم يتم فتح التحقيق في الحادثة لتحال إلى القضاء رغم مرور 150يوما.

الأتراك أنفسهم كثيرا ما يطالبون بعقوبات رادعة تجعل المجرمين يفكرون ألف مرة قبل أن يرتكبوا جرائمهم، ويشتكون من أن المجرمين يتم إطلاق سراحهم بعد يوم أو يومين من الاعتقال أو لا يتم اعتقالهم في كثير من الأحيان.

إن كان الأتراك أنفسهم يعانون من أعمال العنف فيعني ذلك أن الخطر الذي يهدد اللاجئين وغيرهم من العرب أكبر، نظرا لوجود حملات التحريض التي تستهدفهم، كما أن الأتراك يعيشون في بلادهم وبين ظهراني أسرهم وأقاربهم، بينما يعيش اللاجئون وغيرهم في الغربة، ويخافون من الترحيل القسري في حال استنجدوا بأصدقائهم للدفاع عن أنفسهم، الأمر الذي يجعلهم مكشوفين أمام أعمال العنف أكثر من الأتراك.

القول بأن الاعتداء على الطفل اليمني مشاجرة بين عائلتين تبسيط للمشكلة، كما أن التبرير بأنه من الأعمال الفردية يؤدي إلى تفاقم الأزمة وانتشار الجرائم. ومن المؤكد أن رمي المسؤولية برمتها على زعيم سياسي عنصري لا يتمتع الآن بالحصانة البرلمانية هروب من الاعتراف بالتقصير والقيام بالواجب، علما بأنه كان على الحكومة التركية أن تعاقب جرائم العنصرية في بدايتها لتكون عبرة لكل من تسول له نفسه الاعتداء على اللاجئين أو غيرهم من السياح والمقيمين.

المتربصون سيستغلون الثغرات وأعمال العنصريين للنيل من تركيا، ولكنهم لا يلامون على ذلك، لأنهم يقومون بمهامهم. بل الواجب على الحكومة التركية ألا تمنح لهم هذه الفرصة من خلال لجم العنصريين. وحينئذ لن يجد المتربصون آذانا صاغية لأكاذيبهم وستفشل -بإذن الله- محاولات الإيقاع بين العرب والأتراك تلقائيا.

إسماعيل ياشا – عربي21

زر الذهاب إلى الأعلى