مقالات و أراء

تركيا… بين منظومة الصواريخ الروسية وتحذيرات واشنطن

يبدو ان تركيا والولايات المتحدة الامريكية تعودان للمواجهة بينهما مرة أخرى على خلفية صفقة الصواريخ الروسية اس ـ 400، فقد هددت واشنطن بعواقب خطيرة على العلاقات مع تركيا بشكل عام والعسكرية بكل خاص، ومؤكدة ان تركيا لن تحصل على طائرات أف ـ 35 وعلى صواريخ بتريوت.

وجاء هذا التهديد على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية تشارلز سامرز بتاريخ 8/3/2019الذي قال ” ان تركيا قد تواجه عواقب خطيرة في حال تم شراء ما هو مقرر من منظومة الصواريخ الروسية أس ـ 400، ولن يكون بإمكان انقرة الحصول على طائرات أف ـ 35 وصواريخ باتريوت”. ورغم هذه التهديدات الامريكية لتركيا، الا ان انقرة لازالت مصممة على إتمام صفقتها الصاروخية مع موسكو، وذلك للحصول على امتلاك منظومة دفاعية تزيد من قدرات الجيش التركي.

فمنذ عشر سنوات وتركيا تتهم الولايات المتحدة الامريكية بتجاهل احتياجات الجيش التركي الدفاعية، ومماطلة واشنطن في الموافقة على تزويدها بمنظومة صواريخ باتريوت مما دفع بتركيا الى التوجه نحو روسيا ومن ثم التوقيع على تزويدها بمنظومة الصواريخ أس ـ400 رغم معارضة واشنطن وحلف الناتو الشديدة، وبعد مرور هذه السنوات من المماطلة وافقت الإدارة الامريكية نهاية العام الماضي على تزويد تركيا بمنظومة باتريوت، لأرغام تركيا والضغط عليها للتخلي عن هذه الصفقة.

 

ان الولايات المتحدة الامريكية تعتبر أن شراء تركيا لمنظومة أس-400 يمكن أن يكشف الأسرار العسكرية لطائراتهم من نوع أف-35 والتي يفترض أن تكون قادرة على الإفلات من هذه المنظومة من الصواريخ الروسية، لكن أنقرة تشدد على أنها شريك أساسي في مشروع صناعة طائرة أف ـ35وليست مجرد مشتري لها، ،وتقول إنها استثمرت مليار دولار حتى الآن في مشروع صناعة وتطوير الطائرة، وكانت واشنطن سلمت أول دفعة من طائرات اف-35 الأميركية إلى تركيا في حزيران الماضي، إلا أن هذه الطائرات ستبقى حالياً في الولايات المتحدة لتدريب الطيارين الأتراك عليها، وهي عملية قد تمتد لسنة أو سنتين حسب البنتاغون ، وقد اتخذ ترامب قراراً رسمياً بوقف تسليم تركيا طائرات أف ـ 35 والذي أعده نواب في مجلس الشيوخ الأمريكي ليكون رداً من واشنطن على شراء أنقرة منظومة أس ـ 400 من روسيا، وأعقب ذلك زيارة وفد من الكونغرس الأمريكي إلى أنقرة، وتسليمه رسالة واضحة ومباشرة للمسؤولين الأتراك مفادها أن واشنطن مستعدة لإعادة تفعيل برنامج تسليم تركيا طائرات إف 35 المتقدمة مقابل تخلي أنقرة عن شراء صفقة منظومة اس 400 من روسيا.

 

ورغم عقد عدة جلسات بين الجانبين في كل من انقرة وواشنطن للتفاوض حول تخلي تركيا عن صفقة المنظومة الروسية، لكن تركيا أصرت على إتمام هذه الصفقة، وقد صرح نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في ميونخ بألمانيا قائلاً “ان الولايات المتحدة الامريكية لا يمكنها ان تظل مكتوفة الايدي حيال شراء تركيا التي تعتبر حليفة في الناتو أسلحة من روسيا “، فيما نفى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار لنظيره الأمريكي ” ادعاءات ابتعاد انقرة عن الغرب ، وانها ستواصل الإيفاء بجميع التزاماتها، ولكنه شدد على ان خطوة شراء منظومة أس ـ 400 خطوة ضرورية وليست اختيارية”.

 

وقد أكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في لقاء له ان بلاده ” لن تتخلى عن عقد ابرمته مع روسيا لشراء صواريخ أس ـ 400، وإننا أبرمنا عقداً مع روسيا لذلك ليس مطروحاً بالنسبة الينا ان نتخلى عن هذا الاتفاق، هذه صفقة معقودة ، وإن أنقرة لا تزال منفتحة لشراء أنظمة باتريوت من الولايات المتحدة، لكن إذا كانت الشروط مناسبة، وأضاف أن أنقرة قد تسعى لإبرام اتفاق لشراء أنظمة أس ـ 500 من موسكو لاحقا “، اما وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو فقد صرح قائلاً ” انه يجب على حلفاء تركيا عدم التدخل في شراء انقرة أنظمة دفاعية من دول غير أعضاء بحلف شمال الأطلسي “.

 

ولا تزال واشنطن تأمل في تراجع تركيا عن هذه الصفقة، لكن الرئيس التركي اردوغان يصب كل جهوده من أجل الضغط على روسيا لتسريع بدء تسليم المرحلة الأولى من الصفقة حيث نجح بإقناع روسيا ببدء التسليم قبيل منتصف العام الجاري، وهو ما ناقشه أردوغان مع بوتين في لقائهما الثنائي الذي جرى في روسيا قبل أيام.

 

ويبدو من خلال تصريحات المسؤولين الاتراك وفي مقدمتهم الرئيس التركي اردوغان الذي صرح قائلاً: ” تم الاتفاق، لا يمكن التراجع أبداً عنه، لن يكون هذا أخلاقياً.. سيكون غير أخلاقي”، فأنهم عازمون على إتمام صفقة الصواريخ الروسية مهما ستكون العواقب التي تتوعد بها واشنطن، وان القرار التركي هو بيد تركيا فقط، وان تركيا تريد التحرر من الضغوط الأمريكية لا سيما في مجال التسليح، والتي لا يرغمها أحد على العودة الى نظام الوصاية أو التبعية.

 

الدكتور عبد السلام ياسين السعدي – تركيا الان

 

زر الذهاب إلى الأعلى