أخــبـار مـحـلـيـةالجاليات في تركيا

تركيا تلاحق المدخنين

تستمرّ تركيا بحملات التضييق على المدخنين من خلال رفع الأسعار ومنع التدخين في المطاعم والأماكن المغلقة، وفرض غرامات باهظة بحق المخالفين، خصوصاً الذين يسهّلون تدخين الأطفال أو يبيعون التبغ لهم. وتشير تقارير خاصة إلى أنه منذ إقرار قانون منع التدخين في الأماكن العامة والمغلقة في عام 2009، أقلع 141 ألف تركي عن التدخين، وقل استهلاك السجائر في تركيا بمعدل 13 مليار سيجارة مقارنة بالفترة التي سبقت قرارات المنع. وبلغ مجموع المخالفات منذ صدور القرار وحتى العام الماضي 132.5 مليون ليرة تركية (نحو 24 مليون دولار أميركي).

تتحدّث المصادر عن تعديلات قريبة لقرار منع التدخين في الأماكن المغلقة والعامة، تتوازى مع الاستمرار في رفع أسعار السجائر، مشيرة إلى أن غرامة التدخين في الأماكن المغلقة بما فيها سيارات الأجرة، تصل إلى نحو 105 ليرات تركية (نحو 19 دولاراً). كما يتم تغريم من يرمي أعقاب السجائر في الشارع بمبلغ 63 ليرة تركية (نحو 11 دولاراً)، في وقت يغرّم أصحاب المحال الذين لا يعلقون لافتة ممنوع التدخين في محالهم بمبلغ 1766 ليرة تركية (نحو 317 دولاراً)، مؤكدة أن التعديلات ستشمل الأماكن المفتوحة ونصف المفتوحة في المطاعم والمقاهي، التي لديها حائط زجاجي قابل للفتح، بعدما منع التدخين في الأماكن المفتوحة التي قد يرتادها الأطفال، وممرات المشي في الحدائق، ومحيط الآلات الرياضية في الحدائق. كما منع التدخين على بعد خمسة أمتار من أبواب المطارات، ومحطات الحافلات، ومراكز التسوق، والسينما، والمسارح، والمراكز الصحية، إضافة إلى 30 في المائة من الأماكن المفتوحة التابعة للمؤسسات الحكومية، وعدم السماح بالتدخين على مسافة 10 أمتار من أبواب هذه المؤسسات.

المحاصرة المالية

ورفعت تركيا مطلع أغسطس/ آب الجاري أسعار السجائر بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة، أي “بزيادة ثلاث ليرات على كل علبة”. وأعلن فرع شركة “British American Tobacco” في تركيا عن رفع أسعار منتجاته، لتتبعه بقية الشركات بحسب صاحب متجر “طوب أوغلو” في إسطنبول، محمد أيركان. ويقول إن رفع الأسعار اليوم كان الثاني منذ بداية العام، إذ ارتفعت الأسعار في إبريل/ نيسان الماضي وترافقت مع ارتفاع سعر الكهرباء في المنازل. ويرى أن رفع الأسعار التي ترافقت مع الغاز المنزلي هذه هدفها مزدوج، وهو إقلاع المدخنين عن التدخين وتأمين سيولة لتوظفها الدولة لزيادة دخل الأتراك. ويشير إلى أن الزيادة الماضية ترافقت مع رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 30 في المائة.

وحول كيفية حصول المحال التركية على التبغ، يضيف ليركان: “تأتي شركات لديها نسخ عن تراخيص المحال، وتوزع ما يطلبه التاجر، إذ لا سقف لكمية التوزيع. ويتركون هامش ربح 35 قرشاً عن كل علبة”.

وكان وزير الصحة التركي فخر الدين قوجا، قد أعلن قبل أيام عن إجراءات جديدة سيتم اتخاذها من أجل “محاربة التبغ والمنتجات التبغية”، مشيراً إلى “إجراءات جديدة للحد من التبغ والنرجيلة في البلاد” بعدما ارتفعت نسبة المدخنين في تركيا بشكل ملحوظ، لتصل إلى 31 في المائة معظمهم من فئة الشباب.

وأصدرت الحكومة التركية خلال الأعوام الماضية قوانين تتعلق بالحد من التدخين، أهمها منع التدخين في الأماكن المفتوحة التي يرتادها الأطفال، ورفع الضريبة على منتجات التبغ والكحول سنوياً.

ترغيب وترهيب

لا تعتمد الحكومة التركية المخالفات فقط، بل هناك جانب ترغيبي بالأمر. فضلاً عن حملة “أطفئ سيجارتك وخذ وردتك” التي أطلقتها وزارة الصحة العام الماضي، وتواصلت مباشرة مع مليون ونصف مليون مدخن يريدون ترك التدخين، ووزعت الوزارة مجاناً أكثر من 400 ألف علبة من الأدوية لمساعدة المدخن على ترك التدخين. وأصدرت قراراً يتضمن تقديم خدمات صحية مجانية أو تخفيضات على الخدمات الصحية في الهيئات والمؤسسات الصحية للراغبين في الاقلاع عن التدخين.

 

وتتكفل الدولة بعلاج المرضى الذين يقررون الإقلاع عن التدخين، سواء كانوا يملكون تأميناً صحياً أم لا. وتتكفل وزارة الصحة بتوزيع المرضى على الهيئات والمؤسسات الصحية، حيث يجهز المرضى بمادة دوائية تكون بديلاً عن مادة النيكوتين، وتكون أسعارها مجانية أو مخفضة.

هرب نحو الأسوأ

لا ترى الباحثة التركية عائشة نور أن الجدوى المأمولة يمكن أن تتحقق من رفع أسعار التبغ، محذرة من “توجه المدخنين لأنواع رخيصة أو مهربة أو تدخين اللفائف المصنّعة يدوياً، وهي أكثر ضرراً على صحة المدخنين ومن حولهم. إذا كان يموت سنوياً ستة ملايين إنسان في أنحاء العالم بسبب التدخين، فإن 600 ألف شخص يموتون نتيجة تعرضهم لدخان السجائر”.

من جهتها، ترى الأستاذة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول أن هناك وسائل عدة لرفع الأسعار، منها تشديد الغرامات على المدخنين في المحال المغلقة وحتى الأماكن العامة، ومنع إظهار المشاهير خلال تدخينهم، علماً أن تركيا أصدرت ومنذ عام 2008 قانوناً يحظر عرض مشاهد لأشخاص يدخنون، لأنهم يصنفون قدوة للشباب والمراهقين.

وحول نسب التدخين بين الأتراك، والنساء خصوصاً، تقول الباحثة التركية لـ “العربي الجديد”: “تتفاوت نسب المدخنين في تركيا. هي أكثر من 50 في المائة في الولايات الكبرى، في حين تتراجع النسبة في مدن مثل الأناضول مثلاً، خصوصاً لدى النساء، حيث ما زال تدخين المرأة عادة غير محببة اجتماعياً”، مشيرة إلى تفشي التدخين بين الشباب والطلاب في تركيا على نحو ينذر بالخطر.

إلى ذلك، يحاول الرئيس التركي المعروف بكرهه للسجائر، وفي كل مرة تقع عينه على مواطن مدخن، أن يقنعه بالعزوف عن التدخين، ويأخذ منه وعداً بذلك، ثم يقوم بتدوين إسمه على علبة السجائر، باعتبار أن ذلك التاريخ هو التاريخ الذي أقلع فيه المواطن عن التدخين. وساهم الرئيس التركي في إقناع العديد من المواطنين والمشاهير الأتراك بالإقلاع عن التدخين، من خلال الحصول على وعد منهم بعدم العودة من جديد، والحصول على توقيع بذلك.

ويذكر الأتراك كيف أقنع الرئيس رجب طيب أردوغان، خلال مشاركته في اجتماع قمة رؤساء دول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وزير خارجية بلغاريا بالإقلاع عن التدخين، وتمكن من الحصول على وعد منه بعدم العودة إلى التدخين مجدداً. وفي إطار محاربته التدخين، يستقبل أردوغان المقلعين عن التدخين بالقصر الرئاسي بأنقرة، والذي يمتلك فيه خزانة كبيرة من علب السجائر التي يأخذها من المدخنين بعدما يقطعون وعداً له ويوقعون على علبة السجائر. ونال الرئيس التركي عام 2015 جائزة أفضل رجل يساهم في مكافحة التدخين والمخدرات، وذلك في فعالية نظمها “الهلال الأخضر التركي” الذي يكافح التدخين والمخدرات والمشروبات الكحولية ويوضح خطرها على المجتمعات.

 

العربي الجديد – عدنان عبد الرزاق

زر الذهاب إلى الأعلى