أخــبـار مـحـلـيـة

تركيا في مواجهة حروب الجيل الرابع

تعتبر الحرب الناعمة من مخرجات العملية التقييمية لآثار الحروب التقليدية بين العمالقة الكبار في سباقهم نحو السيطرة السياسية والاقتصادية على العالم، فأثرى المفهوم الجديد غريزة العمالقة في مسعاهم، متخلين عن أدوات الحرب التقليدية، فما عادت تلك الدول ترغب بمشاهدة جثث جنودها وتساقط طائراتها ونزوح اقتصادها خلال فترة الحرب.

فقد أضحت النظرية الجديدة باسمها الآخر” حروب الجيل الرابع” طريقة تفكير، يتحرك الذهن السياسي للدول الكبرى على أساسها في رسم مخططات الهجمات تجاه الدول المنافسة لها.

ومن خلال تتبع الساحات التي تتعرض لحروب الجيل الرابع نرى أن الدولة التركية هي واحدة من الدول التي تتعرض لهذا النمط الجديد من الحرب، بهدف إسقاطها وحرمان شعبها من التنمية الاقتصاديةوالسياسية، وعرقلة رؤية تركيا “2023” التي يتطلع إليها حزب العدالة والتنمية.

وتخوض الدول المناوئة للنهضة التركية حرباً فارغة المضامين الأخلاقية، ضاربين بهموم أمة تسعى للارتقاء مجدداً في ساحات السياسة الدولية عرض الحائط، وهي تحمل همَّ شعوب ترى في تركيا أملها الباقي.

من خلال اعتماد سلسلة من الآليات المستنبطة من تصورات حروب الجيل الرابع لاستهداف الدولة التركية، ومن هذه الآليات: دعم التنظيم الموازي، وسياسة الانفجارات، وتقسيم تركيا، والإعلام الأجنبي، وتحريض الفئات الدينية.

تدعم الدول المناوئة للنهضة التركية التنظيم الموازي المتغلغل في الأجهزة الحكومية، لا سيما في جهازي الشرطة والقضاء، ويتزعم التنظيم الموازي “فتح الله غولن” المقيم في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأميركية، فتشجع الدول المناهضة لتركيا كل من يخالف توجهات حزب العدالة والتنمية في المؤسسات الحكومية من الانضمام إليه لتعزيز قوته العميقة، إضافة إلى الدعم الكبير الذي يتلقاه التنظيم من هذه الدول.

ويؤدي التنظيم الموازي دور الهدام الداخلي للدولة التركية عبر التلفيق والتضليل على حكومة حزب العدالة والتنمية، من خلال منظومته الإعلامية الضخمة وهو يتربع على عرش مالي يوازي حكومات دول.

ويمتلك التنظيم منظومة تنفيذية في جهازي الشرطة والقضاء كادت تعصف بالحكومة والدولة، خلال محاولته الانقلابية التي جرت في 17 ديسمبر/كانون الأول من عام 2013، الذي ترك تداعيات مالية كلف الدولة خسائر بقيمة 120 مليار دولار وفق تصريح سابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وأخذ التنظيم وقتها من أحداث “غيزي بارك” في عام 2013 مفتاحاً لانقلابه على الديمقراطية مستخدماً نفوذه في جهازي الشرطة والقضاء، لما تمكن من استغلال الاعتراضات على مشروع توسعة وتطوير ميدان تقسيم في الشق الأوروبي من إسطنبول بإزالة حديقة “غيزي بارك” وما تلاها من تحركات احتجاجية مصطنعة؛ حيث قام عناصر من الشرطة، وفي يوم واحد، بحملة اعتقالات ومداهمات طالت منازل وزراء ورجال أعمال ومسؤولين حكوميين.

ولم تنجح عملية الانقلاب هذه بعد أن تمكنت الحكومة من استيعاب الصدمة وبدأت بتشغيل مضاداتها الحيوية لتفريغ الأجهزة الحكومية من عناصر التنظيم، التي ما زالت سارية المفعول لإنهاء وجوده من الأجهزة الحكومية.

واتهم وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” مؤخراً عناصر التنظيم الموازي بنقل معلومات سرية تتعلق بالدولة التركية إلى تنظيم “بي كي كي” الإرهابي.

صارت الانفجارات التي تشهدها تركيا سياسة ممنهجة وبنداً من بنود حرب الجيل الرابع على الدولة التركية، لإجبارها على التراجع وعدم تحقيق تطلعاتها السياسية في منطقة الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز وفي وسط آسيا، فالانفجارات تحمل رسائل ضمنية إلى تركيا بأن توقفي وانحسري.

وترى الدول المناوئة للنهضة التركية في سياسة التفجيرات ورقة قوية لتقليب الرأي العام التركي تجاه حكومة العدالة والتنمية، من خلال زعزعة الأمن والاستقرار داخل البلاد، وتراهن تلك الدول على هذا الأسلوب، وكأنهم يقولون: “مسموح لكل التنظيمات التفجير في تركيا”.

تقسيم تركيا وهو الحلم الذي يراود أعداء تركيا ويسعون للوصول إليه، وأداتهم في ذلك إرهاب حزب العمال الكردستاني، وهو الأداة العسكرية التي تستخدمها الدول الكبرى في حربها على تركيا؛ حيث يقوم عناصر التنظيم بشن هجمات على رجال الشرطة ووضع العبوات لقوات الجيش في شرق وجنوب شرق تركيا، لاستنزاف قدرات الدولة وتشتيت قوتها التي باتت تواجه مخاطر على جبهات عديدة، معتقداً أن الدولة ستصاب بشلل جسدي جراء هجماته، وبالتالي يصبح التدخل في شؤونها الداخلية من قبل الدول المناوئة لها بغاية السهولة وفي الوقت ذاته تقام الدولة الظلامية لتنظيم الـ”بي كي كي” في شرق وجنوب شرق البلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى