مقالات و أراء

تركيا قوة دولية والآن سترتقي أذربيجان أيضًا .. لن تقوى أرمينيا على المقاومة بعد اليوم

إيران تقف بجانب أرمينيا. فما الذي يخيف طهران؟

لقد تحركت العقلية الجيوسياسية التركية مجددًا بعد مائة عام. وهي عقلية كتبت التاريخ ورسمت حدود الجغرافيا وأسست إمبراطوريات في غاية القوة في كل مكان. فهذه القوة هي جينات سياسية.

لقد كان الآخرون دائمًا هم مصدر تعريف كل ما هو صحيح وخاطئ متعلق بأنفسنا ومنطقتنا بما فيها الأناضول، بل إن قيمنا الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية والسياسية هم الذين صاغوها، وحتى إنهم صاغوا كفاحنا من أجل الوجود وفق أولوياته.

لكن هذا العصر قد ولى ولن نرجع للنقطة ذاتها مرة أخرى.

تلك العقلية الجيوسياسية أصبحت في القوقاز

عندما تحدثت عن “موقف تركيا” و”محور تركيا” ومخططات “إيقاف تركيا” وحسابات الحصار من الجنوب والغرب” ونقول” إننا سنبقي على بوابتنا الشرقية مفتوحة ” كنت أقصد عن صراع الحسابات التي يرجع تاريخها لمئات السنين.

واليوم نرى العقلية الجيوسياسية في كل مكان. رأيناها أولًّا في شمال العراق، ثم في سوريا، ثم في شرق المتوسط، ثم في بحر إيجة أي بحر الجزر. ومؤخرًا نراها في القوقاز. لسنا فقط من يراها بل يراها العالم كله، إذ تراها العناصر المركزية للنظام الدولي والدول التي ترسم ملامح خريطة القوى الدولية منذ قرون وتتابع ما يحدث باندهاش كبير.

ندعم هذا الصعود بالحماس

لقد كانت تركيا حتى الأمس القريب ينظر إليها الجميع على أنها “جبهة” أوروبا وأمريكا، فكانت خاضعة لوصاية الغرب وأُلحقت كذلك بإسرائيل في 28 شباط، كما أرادوا هدمها بتدخل دولي وقع قبل أربع سنوات. لكنها اليوم تنشئ قوة في أوسع حدود المنطقة وتأخذ زمام المبادرة وتنسف الوضع القائم منذ مطلع القرن العشرين.

وأما نحن بصفتنا من يلتزم بهذه الجينات السياسية فندعم هذا الصعود بحماس كبير. لا نهدف لنشر الصراعات، لكن نهدف لوضع ما ترجع ملكيته إلينا في مكانه، نهدف لإحياء منطقتنا وشعوبنا ومواردنا وهويتنا وانتمائنا.

موقف تركيا وتلك الموجة السياسية: هذا ما يخشونه!

ولهذا فإنّ عقليتنا السياسية العميقة هي أقوى كيان لتركيا. وهذا ليس طريقنا وحدنا للنجاة، بل طريق نجاة جميع البلاد والشعوب على الرقعة الممتدة من أذربيجان إلى البوسنة ومن البحر الأحمر إلى الخليج العربي ومن البحر الأبيض إلى البحر الأسود.

ذلك أن كل دول الحزام الأوسط الإسلامي التي تشكل محور الأرض الأساسي وتمتد من المحيط الأطلسي إلى سواحل المحيط الهادئ تعيش حالة الأسر والعجز ذاته.

إن تركيا تنشر في ربوع المنطقة الموجة السياسية القوية التي أطلقتها في الأناضول. وهذا ما يخشونه، وهو الخوف الذي يدفعهم لتحريض كلّ التنظيمات الإرهابية والدول والأشخاص الواقعين تحت سيطرتهم لينضموا للجبهة المعادية لتركيا.

تصفية الحسابات مع السادة لا العبيد

لكن هذا لن يكفيهم لإيقاف تركيا. انظروا للموقف الذي وقع فيه ماكرون في الأزمة الأخيرة في شرق المتوسط، فقد عجز هو الآخر عن فعل أيّ شيء. ولن يستطيع فعل شيء. إنّ طموحات تركيا مبنية على تصفية الحسابات مع السادة لا العبيد. فهذا لطالما حدث على مرّ القرون.

إن الذين يظنون أنهم قادرون على حصار تركيا بالتعاون مع السعودية والإمارات وإمارات الخليج الأخرى يتحركون بما حفظوه عن القرن الماضي. لكن العالم أغلق دفاتر القرن العشرين.

انتهاء “عهد الدفاع” بالنسبة لأذربيجان كذلك

إنّ هذه العقلية الجيوسياسية الموجودة في تركيا صارت موجودة كذلك اليوم في جنوب القوقاز حيث اتحدت مع أذربيجان وشكلت طاقة استثنائية. وهو ما يعني فتح المجال أمام قوة جديدة في القوقاز، وهذه القوة تعني تغيير المعادلة للمرة الأولى في المنطقة عقب سقوط السوفييت. إن الحرب بين أذربيجان وأرمينيا تحكي لنا وللعالم خارج الجبهة الكثير من الأمور الاستثنائية، كما كشفت النقاب عن الكثير من الأمور الجديدة:

1- لقد انتهى “عهد الدفاع” بالنسبة لأذربيجان كذلك. فأذربيجان أدركت قوتها للمرة الأولى وبادرت بالتحرك بعدما تخلوا عنها وتعرضت لهجمات أرمينيا والكثير من المذابح كما خسرت الكثير من الأرض منذ استقلالها.

2- لقد انقلبت معادلة القوى رأسًا على عقب، فأصبحت أرمينيا تدافع وأذربيجان الدولة التي تتدخّل لاستعادة أراضيها.

لماذا تدعم إيران أرمينيا؟

3- إن هذه الحرب بالنسبة لباكو “حرب استقلال”. لا تهاجم أذربيجان أرمينيا، بل تحاول إنهاء احتلالها لأراضيها.

4- لن تنسحب أذربيجان بعد اليوم لوضعية الدفاع. وهذه هي أهم نتائج حرب قره باغ، وهو ما ظهر منذ اليوم الأول.

5- لقد وقفت إيران وعناصرها في صف أرمينيا في مواجهة أذربيجان الدولة المسلمة. فإيران ترسل دعمًا عسكريًّا مكثفًا لأرمينيا غير آبهة بما يشعر به سكانها من الأتراك الذين يمثلون نحو نصف سكانها.

6- لقد وقفت أنظمة السعودية والإمارات ومصر في صف اليونان وفرنسا وإسرائيل في مواجهة تركيا المسلمة في محاولة لتحجيم قدرات تركيا على كل الجبهات. وهم في الواقع يدعمون مخطط الغرب لإيقاف تركيا.

إعادة تعريف كل شيء

7- إنّ هذه الوضعية جديدة، لذا فإنها تفسد كل ما حفظناه حتى اليوم. إذن سيعاد تعريف كل شيء من جديد. وستتغير الخريطة الذهنية للرأي العام في تركيا، وسيتغير إدراكه المتعلق بمحور إيران والسعودية جذريًّا. لكن علينا ألا ننسى أن هزة قوية ستحدث لأذهان السكان الأتراك في إيران، بل هذا ما بدأ بالفعل.

8- لقد رأينا هذه التغيرات العميقة في سوريا والعراق وشرق المتوسط وليبيا وإيجة وكل محاولات تشكيل تحالفات في المتوسط.

9- والآن نراها في القوقاز. ليس أمام أذربيجان خيار سوى تحرير أراضيها المحتلة. فحتى سادة الاحتلال يعلمون أنهم لن يحققوا أي فوز على الطاولة.

10- يجب ألا نتراجع للخلف ولو خطوة واحدة، وإلا ستخسر أذربيجان 30 عامًا مقبلة. لقد سطع نجم تركيا، والآن تتجه أذربيجان نحو الصعود.

 

 

إبراهيم قراغول

زر الذهاب إلى الأعلى