أخــبـار مـحـلـيـةأخبار الهجرة و اللجوء حول العالم

تشييد مناطق صناعية ومستشفيات بمعايير دولية.. كيف تسعى تركيا لإعادة الحياة إلى الشمال السوري؟

في جولة تفقدية لريف حلب الشمالي، زار نائب وزير الداخلية التركي إسماعيل تشتاكلي، ومسؤولون أتراك آخرون عدداً من المنشآت والمرافق والإدارات والمشافي في مناطق الراعي وأعزاز، ضمن مناطق العمليات التركية “درع الفرات”.

بدأ تشتاكلي الزيارة وكان في استقباله رئيس الحكومة السورية المؤقتة مصطفى عبد الرحمن، ورئيس المجلس المحلي، ورئيس غرفة التجارة والصناعة في مدينة مارع، وعدد من المسؤولين في مدينة أعزاز شمالي حلب.

في حديث خاص لـ”عربي بوست”، قال السيد حسين عيسى، رئيس غرفة التجارة والصناعة في مدينة الراعي، إن الزيارة دار فيها حديث عن إنشاء وتشييد المنطقة الصناعية في مدينة الراعي، بدءاً من الأول من ديسمبر/كانون الأول 2020، بدعم من الحكومة السورية المؤقتة والأتراك، الذين أسهموا بالدعم اللوجستي والخبرات الهندسية منذ اليوم الأول في البدء ببناء المنطقة الصناعية.

تضم المنطقة الصناعية- والتي تأسست قبل نحو عامين من الآن- بنى تحتية وشبكات مياه للشرب، وأخرى للصرف الصحي، مع وحدات لمعالجتها، ومكتب أمني، ومركز صحي، للحفاظ على أمن وسلامة الصناعيين والعمال فيها.

وتبذل الحكومة التركية جهداً لإعادة الحياة إلى طبيعتها في الشمال السوري، بالتعاون مع المجالس المحلية في مجالات عدة. وتقع المناطق التي شملتها الزيارة ضمن مشروع كان قد سبق وصرَّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه سيكون شاملاً لعودة السوريين إلى بلادهم بشكل آمن.

وتوفر حسب عيسى ميزات أخرى، تُسهم في جذب المستثمرين وتشجيعهم، منها تخفيض أسعار الكهرباء للمعامل والمصانع فيها 10%، فضلاً عن منح إذن دخول وخروج المستثمرين من وإلى تركيا، وتسهيل مشاركتهم في المعارض الدولية التي تقام في تركيا، وتسهيل الاستيراد للمواد الأولية التي تدخل في تصنيع المنتجات وتصديرها إلى أكثر من 40 دولة إفريقية وآسيوية”.

ولفت إلى أن “الهدف الرئيسي من إنشاء منطقة صناعية بهذه المواصفات والمعايير والميزات، هو دعم وإرساء الاستقرار، ودفع العجلة الاقتصادية، لتحسين اقتصاد المنطقة ونموه إلى مستوى أفضل، في الوقت الذي ستوفر المنطقة نحو 20 ألف فرصة عمل للشبان السوريين العاطلين عن العمل، بعد إطلاق عدد من المستثمرين السوريين والأتراك والعراقيين عدداً من المعامل التي تدخل في صناعة أكياس النايلون والأحذية والحديد الصلب وصناعة الإسمنت، إضافة إلى معالجة الحبوب وتغليفها وتصديرها”.

دعم القطاع الصحي في المناطق الآمنة في الشمال السوري

تدعم وزارة الصحة التركية بناء عدد من المشافي بمواصفات ومعايير دولية تقدم الخدمات لآلاف المواطنين السوريين بشكل يومي بـ”المجان”، في مدن “الباب والراعي ومارع”، وإعادة تأهيل مشافٍ أخرى في المناطق الآمنة “عفرين وأعزاز وصوران وجرابلس”.

أما مشفى “الراعي” الذي بدأ بناؤه في سبتمبر/أيلول 2017، وافتُتح في أول نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وبلغت مساحته 20 ألف متر مربع، فيتسع لأكثر من 200 سرير تقريباً، ويوفر المشفى ثماني غرف لإجراء العمليات الجراحية، ونحو 51 عيادة و10 أسرّة في غرفة العناية المركزة لحديثي الولادة و20 للبالغين، إضافة إلى وحدات لغسيل الكلى، و4 عيادات لأمراض الأسنان، فضلاً عن توفر وحدة للتصوير الإشعاعي والمناظير، بحسب أحد الأطباء العاملين في المشفى.

دعم القطاع التعليمي

يحاول القطاع التعليمي في الشمال السوري التعافي كحال القطاع الصحي، إذ تُقدم الخدمات التعليمية للسكان السوريين في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” بعد تحريرها من “تنظيم داعش” والأحزاب الكردية (الانفصالية) بين عامي 2016 و2017، إذ جرى بناء وتشييد أكثر من 700 مدرسة، وتجهيزها بالمعدات والمستلزمات المتعلقة بالعملية التعليمية، بإشراف أكثر من 9000 معلم ومعلمة.

بالإضافة إلى إنشاء كليات ومعاهد للتعليم، الأمر الذي أسهم في عودة آلاف الطلاب إلى متابعة التعليم، وتخرج بعضهم أطباء وفي تخصصات أخرى، بحسب مصطفى عثمان، أحد المسؤولين في القطاع التعليمي في شمالي حلب.

قال رئيس جامعة حلب، الدكتور عبد العزيز الدغيم، في وقت سابق، إن “جامعة حلب التابعة للحكومة السورية المؤقتة، في مدينة أعزاز شمالي حلب، قامت العام الماضي 2021، بتخريج أول دفعة من كلية الطب البشري في مدينة مارع شمالي حلب، وإن عدد الخريجين 114 طالباً وطالبة من كلية الطب البشري، بعد 6 سنوات من الدراسة بجامعة حلب في المناطق المحررة، التي جرى تأسيسها بدعم من الحكومة التركية، في عام 2016، وتضم نحو 13 كلية و24 معهداً من مختلف الاختصاصات، وتقدم خدماتها لأكثر من 7 آلاف طالب وطالبة في المناطق المحررة”.

بناء الوحدات السكنية للعودة الطوعية

وفي خطة تضمن العودة الطوعية لحوالي مليون ونصف المليون من اللاجئين السوريين في تركيا، شرعت الحكومة ومنظمات إنسانية ودولية شريكة في بناء عشرات الوحدات السكنية، ضمن مناطق العمليات التركية والآمنة في شمالي سوريا.

وخلال الأشهر الأخيرة الماضية بُني أكثر 300 ألف منزل سكني في مدن الباب وجرابلس وأعزاز، إضافة إلى بناء أكثر من 700 ألف منزل في مناطق عفرين وريفها بريف حلب ومناطق تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سوريا، وبمساحة تتراوح بين 60 إلى 100 متر مربع لكل منزل، وجرى تخديم الوحدات السكنية بمدارس لتعليم الأطفال وشبكات مياه الشرب ومساجد ومستوصفات طبية وصالات بيع المواد الغذائية والألبسة.

وفي نطاق الخدمات الأمنية والمعيشية، أكد مسؤول تركي خلال زيارة نائب وزير الداخلية التركي إلى مدينة أعزاز أنه “بهدف تأمين السلام والهدوء تم تحقيق تحول هيكلي مهم في المناطق الآمنة، التي أُنشئت نتيجة عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، في شمالي وشمال شرقي سوريا، والتي نفذت لتدمير ممر الإرهاب الذي حاول إنشاؤه على الحدود الجنوبية لتركيا، لضمان استمرارية الحياة وإعادتها إلى طبيعتها”.

ويضيف: “قُدمت خدمات استشارية للجمعيات المحلية المكونة من مواطنين سوريين من أجل تلبية الاحتياجات المحلية المشتركة، ووضع الإجراءات التنظيمية في المناطق التي يتم فيها ضمان الأمن، على مدار الـ24 ساعة، (من قبل أفراد الوحدات الأمنية في المنطقة الذين تلقوا تدريباً مهنياً، وتمكينهم من العمل في الميدان)”.

وأوضح أنه “تم تخصيص خط الإبلاغ عن المخالفات (ALO 195)، من أجل توفير وصول سهل إلى رجال الأمن في حالة الطوارئ، ومنع الجرائم المحتملة في جميع أنحاء المنطقة والقبض على المطلوبين، من أجل ترسيخ الأمن والأمان. وتم إنشاء 111 نقطة أمنية على الطرق المهمة في مناطق عفرين وجندرس وجوبان بيه وأعزاز والباب ورأس العين وتل أبيض، وفق نظام أمني وإداري حضاري، والذي يلعب دوراً مهماً في ضمان السلامة والأمن بتنسيق من وزارتنا”.

وأكد نائب وزير الداخلية التركي خلال زيارة إلى ثانوية العلوم والتكنولوجيا في مدينة الراعي، المدعومة من تركيا، في لقائه مع عشرات الطلاب السوريين الذين يتلقون التعليم في المعهد، واستمع إلى المدرسين عن عملية التعليم في المعهد، الذي يوفر أيضاً مساكن للطلاب من مختلف المناطق الآمنة والخاضعة للنفوذ التركي، وفصائل المعارضة شمالي سوريا، فيما تابع جولته إلى مشفى “الراعي”، والتقى عدداً من كادر المشفى والأطباء، وتجول بين الغرف، وتحدث إلى عدد من المراجعين والمرضى السوريين في المشفى، مؤكداً لهم مواقف تركيا الثابتة والداعمة للسوريين ومساعدتهم.

وأكد خلال الزيارة على وقوف بلاده بكل طاقاتها إلى جانب الأشقاء السوريين، الذين يعيشون في المناطق التي طهّرتها تركيا من الإرهاب والأحزاب الانفصالية الكردية، لدعم الاقتصاد وتحسين واقع وعيش السوريين في منطقة الراعي وغيرها من المناطق الآمنة في شمالي سوريا.

من جانبه شكر رئيس غرفة التجارة والصناعة في مدينة الراعي “حسين عيسى”، في كلمة ألقاها أمام نائب وزير الداخلية التركي والضيوف المرافقين، المواقف التركية الطيبة تجاه المواطنين السوريين الذين يعيشون في المناطق الست “الآمنة”، وهي “الباب والراعي ومارع وصوران وأعزاز وعفرين وتل أبيض”، بعد دحر المنظمات الإرهابية والأحزاب الكردية (الانفصالية) منها، وإعادة الأمان للمنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى