أخــبـار مـحـلـيـة

تهديد حقيقي أم ابتزاز سياسي.. لماذا أغلقت 9 دول أوروبية قنصلياتها في تركيا؟

بعد حادثة حرق المصحف في السويد على يد متطرف يميني أمام السفارة التركية، أصبحت علاقات تركيا مع السويد، -والتي كانت متدهورة بالفعل- أكثر توتراً بسبب الدعم التي تقدمه الأخيرة لحزب العمال الكردستاني. وبسبب أن السويد لم تتخذ خطوة إلى الوراء في هذا الشأن ألغت تركيا الدعم الذي وعدت بمنحه للسويد لعضوية الناتو -ويبدو أنه سيكون لفترة طويلة. ومن ناحية أخرى، أُدينَت السويد عبر القنوات الدبلوماسية من قِبَل وزارة الخارجية التركية.

دول أوروبية قنصلياتها في تركيا
حرق المصحف في السويد

وفي الوقت الذي عادت فيه الإسلاموفوبيا والتركوفوبيا في أوروبا وتصاعدت مرة ثانية خاصة بعد حاثة حرق المصحف أمام القنصلية التركية على يد متطرف يميني؛ مما أثار قلق تركيا.

فوجئنا في 27 يناير/كانون الثاني، بإصدر القنصلية الأمريكية العامة في إسطنبول تحذيراً أمنياً لمواطنيها بشأن احتمال حدوث عمل إرهابي في إسطنبول. بسبب ما سمته ردود فعل على حرق المصحف، وقد كان من المثير للاهتمام، أن هذه الخطوة الأولى جاءت من الولايات المتحدة، وليس من تركيا!

بعد ذلك مباشرة، وفي 28 يناير/كانون الثاني، أعلنت وزارة الخارجية التركية تحذيراً أمنياً لمواطنيها الأتراك، مشيرة إلى تزايد مظاهرات كراهية الأجانب في الولايات المتحدة وتزايد ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا.

لكن بعد هذا الانتقام الدبلوماسي من جانب تركيا، وفي 30 يناير/كانون الثاني 2023، أغلقت القنصليات العامة لهولندا وسويسرا والسويد وإنجلترا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا أبوابها في إسطنبول مؤقتاً بحجة مخاوف أمنية واحتمال وقوع أعمال إرهابية في تركيا، ووجهت هذه الدول تحذيرات إلى مواطنيها. هذا ما تم الإعلان رسمياً عنه من قِبل هذه الدول الأوروبية التسع.

لكن هل هذه حقاً هي الأسباب الحقيقية وراء هذه التحذيرات وغلق السفارات في تركيا، أم أن هناك حرباً سياسية كبرى تجري خلف الستار؟

رغم إدانة حرق المصحف في السويد من قِبل مسؤولي الدولة والمجتمع في تركيا، لم يكن هناك أي عمل أو محاولة هجومية حتى الآن. على العكس من ذلك، فقد زار الأتراك المسلمون الذين يعيشون في مقاطعة ماردين التركية العديد من الكنائس المسيحية في المنطقة ووزعوا الورود وأكدوا على الجانب السلمي للإسلام. وتواصلت احتجاجاتٌ عديدة في محافظاتٍ أخرى بشكلٍ سلمي. ورغم هذا الوضع، فإن تحذير هذه الدول الأوروبية من احتمال وقوع هجمات إرهابية والإشارة بشكل ضمني الضعف الأمني في تركيا -من خلال إشارتهم إلى تنظيم داعش- بالتأكيد له أسباب سياسية أخرى.

لماذا أغلقت الدول الاوروبية التسع سفاراتها في وقت واحد؟

إن هذا التحذير المتزامن للمخاوف الأمنية من قِبل 9 دول يقدم احتمالين:

إما أن وحدات الاستخبارات في جميع البلدان التسعة تلقت تقارير منفصلة، وإما أن هذه الدول اتخذت قراراً “مشتركاً” في التواصل مع بعضها البعض وغلق سفاراتها في توقيت واحد.

بالنسبة للاحتمال الأول فهو ضعيف للغاية، حيث إنه لا توجد دولة تعطي أي أسباب ملموسة لتحذيرها الأمني. كما أن وحدات الأمن التركية أيضاً واضحة جداً بشأن هذه القضية؛ لذلك، يبدو الاحتمال الثاني أكثر واقعية في الوقت الحالي. لكن لماذا اجتمعت هذه الدول في مثل هذه المرحلة؟ في رأيي، هناك سببان لذلك:

أولاً: معارضة أردوغان، التي أصبحت معروفة بوضوح مؤخراً، وثانياً: إعادة حزب العمال الكردستاني إلى جدول الأعمال في الغرب. 

بادئ ذي بدء، أستطيع أن أقول إنه بالنسبة للغرب، فإن كراهية الأجانب تأتي تحت ستار الإسلاموفوبيا، وكراهية الإسلام تحت ستار التركوفوبيا، وكراهية تركيا تحت ستار “الأردوغانوفوبيا”. بالطبع هناك أيضاً إسلاموفوبيا، بغض النظر عن أردوغان وتركيا، والتي تنتشر في أوروبا منذ سنوات، وتعززها الأعداد المتزايدة من المهاجرين.

ومع ذلك، يمكن القول إن الأمور على الساحة السياسية تسير بالكامل على أساس معارضة أردوغان.

لماذا لم تبلغ هذه الدول التسع عن هجوم شارع الاستقلال؟

ولقد صرَّح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، في خطابه أمس الخميس 3 فبراير 2023، بأن هذه حرب نفسية وابتزاز سياسي لتركيا على مستوى دولي، وتساءل لماذا لم تبلغ هذه الدول التسع عن الهجوم السابق على شارع الاستقلال إذا كانت استخباراتها قوية للغاية بهذا الشكل.

إن  صويلو ليس مخطئاً في هذه التصريحات. فالسياسة الخارجية لأردوغان، وخاصة تحركاته في تأميم الصناعة الدفاعية، هي وضع يتخوف منه المحللون الغربيون علانية وبشكل متكرر ويعتبرونه خطيراً.

دول أوروبية قنصلياتها في تركيا
وزير الداخلية التركي سليمان صويلو / رويترز

إن السياسة الخارجية المستقلة لتركيا في الحرب الأوكرانية، وصعودها فوق قدرات قوتها الإقليمية في كاراباخ وليبيا، تعتبر تطورات تجاوزت حسابات الغرب. لذلك، فإن ضرب تركيا قبل الانتخابات المقبلة، من الناحية الأمنية، وبالتالي من الناحية الاقتصادية، يعني في الواقع ضرب أردوغان، مما يفتح مجالاً أكبر للمعارضة السياسية. كما أن وسائل الإعلام والسياسيين الغربيين، الذين يؤكدون صراحة على وجوب دعم المعارضة وإسقاط أردوغان في هذه الانتخابات، يديرون هذا الوضع بشكل منسق. لذا يبدو أن هذه ذريعة المخاوف الأمنية قد وُجدت لمجرد ضرب أردوغان في وجهه.

حزب العمال الكردستاني الإرهابية.. بطل في عين الغرب

هناك قضية أخرى بالغة الأهمية، كما ذكرت أعلاه. أن الخوف من الهجوم الإرهابي الذي أعلنته البعثات الدبلوماسية لتسعة دول لم يكن من منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية؛ لأن بعض البعثات أعلنت صراحة في بياناتها الرسمية عن احتمال وقوع هجوم إرهابي ناتج عن فعل حرق المصحف. وهذا يعني أن القلق ليس من منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، التي تقاتلها تركيا منذ سنوات عديدة، ولكن من منظمة داعش الإرهابية.

في هذه المرحلة، يجب التأكيد على أن الغرب ما زال ينظر إلى حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب أنه الجهة التي تقاتل داعش وليس تركيا، أو بمعنى آخر يمكننا القول إن هذه المنظمة الإرهابية هي بطل الغرب..

بعبارة أخرى، إذا كانت داعش على مستوى لاتخاذ الإجراءات، فهذا يعني أن حزب العمال الكردستاني لا يزال مطلوباً في المنطقة في نظر الغرب. لهذا السبب، فإن حزب العمال الكردستاني، الذي تضرر مؤخراً من العمليات التركية، سيعود إلى أجندة الغرب بهذه الطريقة وسيحاولون إنقاذه من التدمير الكامل.

ويبدو أن تحركات حزب العمال الكردستاني في السويد هي استعدادات أولية لذلك؛ حيث تتعامل الإدارة السويدية مع تصرفات منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في السويد كما لو كانت حركة معارضة باسم الديمقراطية. ومع ذلك، يبدو من غير الواقعي بالنسبة للسويد، التي تحتاج إلى موافقة تركيا على الانضمام إلى الناتو، أن تتخلى عن فرصة الانضمام إلى الناتو فقط باسم “هذه الديمقراطية”. 

دول أوروبية قنصلياتها في تركيا
حزب العمال الكردستاني

بعد التحذيرات الأمنية والإغلاق المؤقت للقنصليات، استُدعِيَ سفراء الدول المذكورة إلى وزارة الخارجية التركية أمس، وأُعرِبَ عن شكاوى من أن هذا الوضع لم يكن بناء على حذر أمني كما أُعلن. إضافة إلى ذلك، أُفيدَ بأن هذه الأساليب تخدم أجندة المنظمات الإرهابية وصدرت التحذيرات إلى السفراء.

بصراحة، إذا كانت هناك مثل هذه المعلومات الاستخباراتية في هذه البلدان، فإن مشاركتها مع قوات الأمن التركية أولاً وقبل كل شيء هي موقف أكثر ملاءمة للموقف الدبلوماسي والإنساني. في الأيام المقبلة، قبل أشهر من الانتخابات العامة التركية، من المحتمل أن نرى مواقف مماثلة مناهضة لأردوغان من الغرب، سواء في الإعلام أو على الساحة السياسية. لكن على أي حال لن تنسى تركيا هذا “التحالف المقدس” ضدها في شخص أردوغان. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد إشجان
كاتب وباحث تركي
نائب رئيس مركز العلاقات الدبلوماسية والدراسات السياسية التركي

زر الذهاب إلى الأعلى