مقالات و أراء

خيارات تركيا… صفقة الصواريخ الروسية… أوالغضب الأمريكي

تحدثت في موضوعين سابقين عن وضع تركيا بين صفقة الصواريخ الروسية والتي تصر على شراءها وبين الضغوطات الامريكية لإلغاء هذه الصفقة، وبين الإصرار التركي والتهديد الأمريكي هناك تلميحات بإجراءات تصعيدية عقابية على تركيا من قبل الولايات المتحدة الامريكية، تنطلق إشاراتها كما تنطلق اشارات انقشاع الأزمة إذا ما تراجعت أنقرة عن إتمام هذه الصفقة .


فمن جهة تركيا التي تحرص على تعزيز استقلالية قرارها الاستراتيجي عبر معالجة الخلل المزمن في دفاعاتها الجوية، وتطوير صناعتها العسكرية الوطنية، وتنويع مصادر تسليحها، مع الإبقاء على علاقاتها الاستراتيجية بواشنطن والناتو، وتلافي أية عقوبات أميركية.                                              

ويعلم السيد أردوغان أن حزمة الإجراءات العقابية التي تتبناها واشنطن ضد بلاده في هذا الصدد، مثل وقف تسليم مقاتلات “إف 35″، أو إنهاء استخدام قاعدة أنجيرليك، أو سحب الرؤوس النووية الامريكية المنتشرة في تركيا ضمن قوة الحلف الأطلسي الرادعة ،إنما تحرم أنقرة من مكاسب استراتيجية عدة ربما يكون من الصعب تعويضها، اما واشنطن فإنها تحتفظ بشراكات وتحالفات استراتيجية تتجاوز تركيا بكثير، كما انها لن تجد أي صعوبة  بإيجاد بدائل لقاعدة أنجيرليك ، وكذلك سيكون صعباً على أنقرة إيجاد شريك استراتيجي بديل لواشنطن على المدى الطويل، أو إنتاج السلاح النووي الرادع بسهولة وفي زمن قياسي، أو إيجاد بديل مكافئ للمقاتلات الأمريكية “إف 35” ، لاسيما وأن مواصفات المقاتلة الروسية البديلة المحتملة من طراز “سيخوي 57” تبقى أقل من مواصفات نظيرتها الأميركية التي تتنوع مزاياها القتالية، والتي تتميز بقدرتها الفائقة على التخفي من أنظمة الرادار المختلفة.


كل الخيارات المقترحة والبدائل التركية قد استنفذت لاحتواء الأزمة، و ليتيح لها الجمع بين صفقتي منظومات “إس400 ” الروسية ومقاتلات “إف 35” الأميركية، بداية من إعراب السيد أردوغان عن استعداده لإتمام الصفقة الروسية بجانب صفقة منظومات “باتريوت” الصاروخية الأميركية، وتلويحه بإمكان إيجاد مخرج للأزمة مع واشنطن إذا أبدت الأخيرة مزيداً من المرونة حيال الملف السوري، سواء لجهة السماح للقوات التركية منفردة ببسط هيمنتها على المنطقة الآمنة التي تسعى لإقامتها في الشمال السوري من دون أي دور لقوات سورية الديموقراطية المدعومة أميركياً والتي تسيطر على تلك المنطقة حالياً، أو في ما يخص مقترحه بأن تسحب واشنطن أسلحتها التي زودت بها قوات قسد، أو تسلمها للقوات التركية، وسعت أنقرة كذلك بتطمين واشنطن بتعهدها استخدام منظومات “إس-400” الروسية بمنأى عن الناتو وبما يمنع أية مخاطر أو أضرار عن الأمن القومي الأميركي أو الأنظمة الدفاعية والتسليحية المشتركة للحلف، وكذلك أعربت عن استعدادها للتعاون التقني مع الناتو، عبر تشكيل مجموعة عمل فنية مختصة، للحيلولة دون تسريب الأسرار الخاصة بقدرة مقاتلات “إف 35” الأميركية والقادرة على اعماء الرادارات إلى روسيا.


لكن هذه الإشارات الإيجابية المتبادلة والتي يمكن التفاهم عليها بين واشنطن وأنقرة تداعت على خلفية تأكيد أنقرة عزمها إتمام صفقة “إس 400” الروسية، إذ توالت الخطوات التصعيدية العقابية الأميركية حيال أنقرة، ففي 29 آذار 2019، قدم نواب جمهوريون وديموقراطيون في مجلس الشيوخ الأميركي، مشروع قانون يحظر بيع مقاتلات هجومية من طراز “إف 35” الى تركيا حال إتمامها الصفقة الروسية المستفزة، وهناك تطور جديد آخر وهو التراجع السياسي لحزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات البلدية الأخيرة والذي أدى الى تكثيف الضغوط الامريكية عليها.                                                                

 ومن هذه الضغوط هو اعلان البنتاغون تعليق عمليات التسليم والأنشطة المرتبطة بتفعيل القدرات التشغيلية لمقاتلات “إف-35” في تركيا، وأبلغ مسؤولون أميركيون تركيا بإلغاء أية شحنات إضافية من المعدات المتعلقة بالتحضير لتشغيل أو الإعداد لوصول تلك المقاتلات إلى تركيا، وأعلن البنتاغون أنه بصدد البحث عن شريك بديل، مؤكداً أن قرار تركيا شراء المنظومة الصاروخية الروسية لا يتوافق مع استمرار مشاركتها في ذلك البرنامج، كونه قد يمكّن روسيا من الحصول على أسرار متعلقة بالتفاصيل الفنية لإنتاج المقاتلة الأميركية على نحو يفقدها ميزاتها الرئيسية والمتمثلة في اعماء الرادارات التابعة لأنظمة الدفاع الجوي الروسية.                   

 

وبعدما هددت واشنطن بفرض عقوبات على تركيا إذا أتمت صفقة منظومات صواريخ “إس 400” الروسية، وجهت الخارجية الأميركية تحذيراً للحكومة التركية من مواجهة تداعيات مدمرة اذا قامت بشن أي عملية عسكرية في شمال سورية.


ويبدو أن الضغوط التصعيدية الأميركية تجاه تركيا بدأت تلقي بظلالها الثقيلة على تركيا، وخاصة على الجانب الاقتصادي المتذبذب والذي تمر به البلاد في الوقت الحاضر، ورغم تأكيد موسكو استعدادها لتسليم تركيا منظومة الصواريخ  في الوقت المتفق عليه، الا ان وزارة الدفاع الروسية لم تستبعد إمكانية تراجع تركيا عن شراء المنظومات الصاروخية الروسية. أما البنتاغون فقد عبرعن أمله في أن تفضّل تركيا صفقة مقاتلات “إف 35” ومنظومات “باتريوت” الأميركيتين على منظومات الصواريخ الروسية، خاصة بعد تقديم واشنطن لتسهيلات ومغريات سواء من حيث السعر، أو بخصوص التنسيق مع الأتراك فيما يخص احتمالات التصنيع المشترك لها.

 

وقد تلقى وزير الخارجية التركي تحذيراً من نائب الرئيس الامريكي مايك بنس عندما قام بتخيير تركيا بين البقاء في حلف الناتو وتزويدها بمنظومات صواريخ باتريوت والمقاتلات “أف 35″، أو تهديد تلك الشراكة، الأمر الذي جعل الكثير من الأوساط التركية والغربية ترجح ان انقرة ستذهب للخيار الأول، تجنباً لأي عقوبات انتقامية تصدر من واشنطن، ليس للأتراك قدرة على تحملها.

 

الدكتور عبد السلام ياسين السعدي – خاص تركيا الآن

زر الذهاب إلى الأعلى