الجاليات في تركياعـالـمـيـة

خيري ومجدولين.. خططا لقضاء فرحة العمر في اسطنبول لكن اسرائيل لم تكمل فرحتهما

“الآن وصلت إسطنبول، خلال اليومين الماضيين لم يكن لدي متسع من الوقت لأعلن عقد قراني رسميا على زميلتي الصحفية مجدولين حسونة، لكنني في حال أخرى”.
كان ذلك مقتبسا من منشور طويل للصحافي الفلسطيني محمد خيري كتبه حينما وطئت قدماه أرض إسطنبول التركية بعدما وصلها وحيدا دون الصحفية مجدولين حسونة التي منعها الاحتلال الإسرائيلي من السفر رفقته عبر جسر الملك حسين (معبر اللنبي).

وليوم الأحد الماضي تعود تفاصيل ما جرى مع الصحفية مجدولين، فبعد وصولها جسر الملك حسين، المتنفس الوحيد للفلسطينيين للخارج، احتجزتها سلطات الاحتلال ساعات عدة قبل أن ترجعها لمدينتها نابلس وتدعوها لزيارة المخابرات الإسرائيلية بمعسكر حوارة الإسرائيلي جنوب المدينة.

ثمة لقاء أخير جمع بين مجدولين وخطيبها محمد كما رويا للجزيرة نت في قاعة المحكمة الشرعية بنابلس، حيث وثقا عقد زواجهما على أمل إكمال مراسيم الفرح في إسطنبول، لكن فرحتهما لم تتم.

ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تحتجز بها مجدولين أو تستدعى للتحقيق، فإنها الوحيدة التي منعت بعدها من السفر، وتقول مندهشة “خلال سفري بالمرات القليلة الماضية لم يتم احتجازي أو التحقيق معي”.


جسر الملك حسين هو المتنفس الوحيد لأهالي الضفة الغربية نحو العالم (الجزيرة نت)
جسر الملك حسين هو المتنفس الوحيد لأهالي الضفة الغربية نحو العالم (الجزيرة نت)

هاجس الأمن
ولا تعرف مجدولين التي لوحقت مرارا من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية أيضا سببا لمنع سفرها، ولم يكشفه الاحتلال لها، وكل ما جرى عند المعبر “قدوم ثلاثة ضباط إسرائيليين إلي وإبلاغي أنه لا يمكنني السفر وأن علي مراجعة المخابرات”، وتقول إن كل التحقيقات السابقة تمحورت حول نشاطها الصحفي في الدفاع عن الأسرى فقط.

ويهدد المنع من السفر طموح العروسين الشابين بإكمال حياتهما الزوجية والعملية، فهما يخططان لإتمام مراسيم زواجهما بحفل كبير في إسطنبول، ومن ثم استكمال دراستيهما العليا.

وقوبل منع سفر الصحفية مجدولين برفض عارم من المؤسسات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية، فقد قالت منظمة سكاي لاين الدولية إن ذلك عقاب للفلسطينيين وانتهاك لأبسط حقوقهم المدنية.

وتمنع إسرائيل سفر عشرات الفلسطينيين شهريا بالضفة الغربية دون إبداء الأسباب، بل تحتجزهم وتحقق معهم ثم تسلمهم بلاغات لمراجعة مخابراتها، ومنهم من تحوّله للاعتقال مباشرة.

ورجّح مدير مؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان شعوان جبارين أن يكون “الهاجس الأمني” لإسرائيل وراء هذا المنع، ويقول للجزيرة نت إن الاحتلال يتعامل مع الضفة الغربية بوصفها منطقة “مغلقة” وأن الدخول والخروج منها وإليها يخضع لإمرة القائد العسكري الإسرائيلي.

وكشف الحقوقي جبارين أن المحكمة العليا الإسرائيلية لم تأخذ قرارا واحدا بشأن أي من قضايا الممنوعين من السفر أمامها، بل كانت إذا ما وصل الأمر لمرحلة القرار “تهمس للنيابة العامة الإسرائيلية بالتفاوض مع الشخص الممنوع للوصول لحل عبر صفقة أو غيرها”، لتتجنب المحكمة أخذ قرار تكسر فيه قرار الأمن الذي يوصف بأنه فوق كل أمر.

ويستخدم الاحتلال، حسب جبارين، المنع من السفر عقابا جماعيا للفلسطينيين وسياسة لإسقاط الأشخاص وإيقاعهم في فخ العمالة باعتباره يتحكم في مصائرهم وحياتهم.

ومنعت إسرائيل جبارين نفسه من السفر وبشكل شبه متواصل من العام 1979 وحتى العام 2012 لتحرمه حلما راوده منذ صغره بدراسة الطب بالخارج، كما حرم المشاركة في مؤتمرات وفعاليات دولية.

سادية الاحتلال
ويتفق مدير مركز الدفاع عن الحريات (حريات) حلمي الأعرج مع جبارين على أن المنع من السفر “عقاب جماعي”، ويزيد على ذلك بقوله للجزيرة نت إنه “جريمة صامتة” يهدف بها الاحتلال لابتزاز الفلسطينيين والتضييق عليهم أكثر ويمارس “ساديته” لكونه صاحب القرار في التحكم بحياة المواطنين.

وبهذا المنع يحرم الاحتلال المواطنين من حقوقهم الأساسية كالعمل والعلاج والعبادة والتعليم ولمدد طويلة ودون إبلاغ، فالمواطن لا يعرف سلفا أنه ممنوع وإنما يقع ذلك حين يحزم أمتعته ويقرر السفر بعدما يكون قد حصل على تأشيرة للسفر.

ويتذرع الاحتلال بحجج أمنية واهية للمنع من السفر، وهو ما دفع “حريات” كجهة حقوقية، وفق الأعرج، لتخصيص طاقم من المحامين لمتابعة هذا الملف، وقال “تفاقم عدد الممنوعين لنحو 300 حالة شهريا يدفعنا للتصدي لهذا الانتهاك”.

ورغم أن السفر حق مدني كفله القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن إسرائيل تفرضه بوصفه “عقابا إضافيا” عليهم لا سيما الأسرى المحررين، ويقول “أحد الأسرى الذين نتابع قضاياهم اعتقل لثلاثين عاما ومنذ تحرره قبل خمس سنوات لم يُسمح له بالسفر”.

ويتابع مركز “حريات” ملفات الممنوعين من السفر قانونيا لدى المحكمة العليا الإسرائيلية، ويسعى لتحويلها لقضية وطنية موحدا فلسطينيا رسميا وشعبيا، كما يخاطب الجهات الدولية كالمفوض السامي لحقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة لتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية.

في نابلس وبالتحديد في معسكر حوارة جنوب المدينة، انتظرت وللمرة الثالثة مجدولين حسونة أمس الأربعاء للقاء ضابط المخابرات الإسرائيلي كما كان مقررا، لكن ذلك لم يحصل فعادت أدراجها ونار الغضب تتملكها، وفي إسطنبول تكوي النار ذاتها خطيبها محمد الذي يحشد لدعمها قانونيا وإعلاميا.

المصدر : الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى