أخــبـار مـحـلـيـة

زنغزور.. جسر التكامل بين الدول التركية

تمكنت الدول التركية خلال العقود الثلاثة الماضية، من تسطير قصة نجاح عظيمة من خلال تأسيس “منظمة الدول التركية”، رغم مرور 30 عامًا فقط على حصول بعضها (في وسط آسيا وجنوب القوقاز) على استقلالها (عن الاتحاد السوفييتي السابق).

إن تتويج هذا النجاح وإقامة نقاط اتصال برية متواصلة بين بلدان ومناطق العالم التركي يمكن تحقيقه من خلال فتح ممر زنغزور (الذي يربط عبر أرمينيا بين البر الرئيسي من جمهورية أذربيجان وجمهورية نخجوان التي تتمتع باستقلال ذاتي في أذربيجان).

إلى ذلك، فإن الدعم غير المحدود الذي قدمته تركيا لتحرير أذربيجان منطقة قره باغ التي احتلتها أرمينيا لثلاثة عقود، والتعاون بين الدولتين في المجالين السياسي والعسكري تحت شعار “شعب واحد في دولتين”، أثر بشكل وثيق على العلاقات البينية للجمهوريات التركية.

كما أدت الحرب الروسية على أوكرانيا، إحدى الجمهوريات السوفيتية السابقة، إلى تسريع التعاون بين الدولتين التركيتين (تركيا وأذربيجان).

وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أن القرن الحادي والعشرين شهد تحولات مهمة على صعيد انتقال مراكز الثقل الاقتصادي نحو آسيا، كما أن تعطل سلاسل التوريد من الصين إلى العالم بسبب وباء كورونا، وارتفاع التضخم في جميع أنحاء العالم بسبب الأزمة الاقتصادية، وزيادة أسعار الخدمات اللوجستية والنقل، لفتت أنظار العالم إلى أهمية طريق الحرير التاريخي والمشاريع الهادفة لإحياء هذا الطريق الذي يربط الشرق مع الغرب.

إضافة إلى ما سبق، لا بد من الإشارة إلى أن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي استبعد الصين والجمهوريات التركية وتركيا، تم طرحه على جدول الأعمال في قمة قادة مجموعة العشرين الأخيرة، ما يزيد من أهمية ممر زنغزور ليس بالنسبة للعالم التركي فقط، بل على خريطة طرق النقل والدعم اللوجستي حول العالم.

ونتيجة للأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم عقب وباء كورونا، والحرب الروسية على أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على موسكو، تم إغلاق الممر الشمالي الممتد من الصين وآسيا الوسطى إلى أوروبا، فضلًا عن أن الممر الجنوبي، الذي يمكن فتحه جنوباً عبر أفغانستان وإيران، ليس مستقراً.

ومع فتح ممر زنغزور، سيكون من الممكن إطلاق أنشطة النقل بين كازاخستان وأذربيجان عبر بحر قزوين، قبل توجهها برا نحو أوروبا عبر الممر بالتوازي مع الطريق المستخدم حاليًا والذي يمر عبر جورجيا.

إن فتح هذا الممر سوف يشكل فرصة مهمة للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي، وسوف يساهم أيضًا بخفض تكاليف الخدمات اللوجستية والنقل التي زادت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، فضلًا عن أنه سيوفر أيضًا اتصالًا بريًا بين البر الرئيسي لجمهورية أذربيجان وجمهورية نخجوان ذاتية الحكم.

** تأثيرات اقتصادية

إن فتح ممر زنغزور سيُحدث تأثيرات مهمة من الناحية الاقتصادية ويزيد من حجم التعاون والتكامل بين تركيا والجمهوريات التركية في وسط آسيا وجنوب القوقاز.

وبالنظر إلى القرارات التي تم اتخاذها في مؤتمرات القمة الأخيرة لمنظمة الدول التركية، فمن الواضح أن البنود الأكثر أهمية كانت تلك التي تتعلق بتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء، وخاصة تلك التي تتعلق بإنشاء صندوق للاستثمار، والذي سوف يصبح أكثر فعالية مع فتح ممر زنغزور.

ومن أجل تبسيط الإجراءات الجمركية التي تعتبر أهم المشاكل بين تركيا والجمهوريات التركية حتى اليوم، ولتسهيل حركة النقل، أبرمت الجمهوريات التركية “اتفاقية النقل الدولي المشترك للبضائع بين الدول الأعضاء في منظمة الدول التركية”.

هذه الاتفاقية تهدف إلى تنظيم الرسوم الجمركية التي تفرضها الجمهوريات التركية على المركبات البرية العاملة في مجال النقل الدولي، ودعم جهود أذربيجان لدمج ممر زنغزور مع الخطوط الدولية للنقل البري بين الشرق والغرب وكذلك ممر قزوين (الواصل بين وسط آسيا وأوروبا)، خاصة وأن ممر زنغزور من شأنه أن يختصر عملية النقل البري بين وسط آسيا وأوروبا ويلعب دورا في إنشاء تواصل بري غير منقطع بين بلدان العالم التركي.

** تعاون وازدهار

ركزت القرارات الصادرة عن قمم زعماء الدول الأعضاء في منظمة الدول التركية بشكل كبير على الاقتصاد، في إطار الجهود الرامية لإنشاء مجموعة اقتصادية مشابهة للمجموعة الاقتصادية الأوروبية التي تم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية.

وبنظرة عامة على السياسة العالمية، نستطيع القول إن منظمة الدول التركية بإمكانها أن تكون منافسًا عالميًا وقوّة بديلة لمنظمات دولية مثل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ورابطة الدول المستقلة، التي أنشأتها دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وروسيا والصين.

من ناحية أخرى، يقطن العالم التركي أكثر من 300 مليون نسمة، كما تمتلك هذه المنطقة المهمة من العالم اقتصادًا بحجم 1.5 تريليون دولار، وحجم تجارة يتجاوز الـ 500 مليار دولار، واستثمارات تتجاوز الـ 250 مليار دولار، ما يعني أن المنطقة تستحوذ على إمكانيات اقتصادية كبيرة ومهمة، فضلًا عن أن تنوع المواد الخام وعمليات الإنتاج في الدول التركية وحاجة هذه البلدان لبعضها البعض، يجعل هذا التعاون ضروريا.

وبعبارة أخرى، إن تركيا التي تمتلك قوى عاملة مؤهلة في مجالات السياحة والتعليم والصناعة والبناء وقطاع الخدمات وتصنيع الآلات وتقنيات الدفاع، وأذربيجان وكازاخستان وتركمانستان التي تمتلك النفط والغاز الطبيعي وثروات مهمة من المواد الخام، وأوزبكستان وقرغيزيا اللتان تمتلكان إمكانات مهمة في قطاعات الزراعة والسياحة، بحاجة إلى التكامل وتعزيز أواصر التعاون من أجل تنمية الاقتصاد والاستثمارات.

وخلال قمة منظمة الدول التركية التي انعقدت العام الماضي في مدينة سمرقند الأوزبكية، جرى التأكيد على أهمية تسهيل حركة العبور في المعابر الحدودية عبر تسريع الإجراءات الجمركية واللوجستية والتحول إلى الاقتصاد الرقمي وتطوير شبكات النقل البرية والبحرية والجوية والسكك الحديدية وتفعيل اتفاقيات نقل البضائع لزيادة حجم التجارة الثنائية بين الدول الأعضاء.

وفي إطار الاستعداد لفتح ممر زنغزور في المستقبل القريب، يتحتم على الدول التركية العمل على زيادة القدرة الاستيعابية والتشغيلية لخط السكك الحديدية “باكو – تبليسي – قارص”، وإنشاء وتنويع روابط خطوط النقل بين أوروبا وآسيا، وتنفيذ مشاريع خطوط النقل التي تربط بين “أوزبكستان – قيرغيزيا – الصين”، ومشروع السكك الحديدية الرابط بين “ترمذ – مزار شريف – كابول – بيشاور”.

زر الذهاب إلى الأعلى