أخــبـار مـحـلـيـة

زيارة الرئيس أردوغان لألمانيا..الآفاق والمخرجات

بدعوة رسمية توجَّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ألمانيا في زيارة لمدة 3 أيام، التقى في يومها الأول مع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير والمستشار الألماني أولاف شولتس في برلين، ومن المخطط في اليومين التاليين أن يلتقي مع الجاليات التركية في ولايات أخرى.

وكما كان متوقعاً، فقد ناقش الرئيس أردوغان مع المستشار الألماني جوانب العلاقات الثنائية مع تركيا، وركز على العلاقات التجارية والسياسية والعسكرية، وتناول أيضاً التطورات في فلسطين والتطورات بين روسيا وأوكرانيا.

وقد كانت آخر زيارة رسمية للرئيس التركي لألمانيا قبل نحو 5 سنوات، مع أنه ذهب إليها مرة أخرى عام 2020 للمشاركة في مؤتمر حول ليبيا دعت إليه الدولة الألمانية.

حرب غزة.. ملف بارز

ومع أن العلاقات بين تركيا وألمانيا تتسم بالاستقرار، فإنّ هناك عديداً من ملفات الخلاف في وجهات النظر، التي شهدتها العلاقة منذ محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016، أو تجاه عدد من القضايا الدولية والإقليمية.

وكما هو معلوم، تأتي زيارة الرئيس أردوغان لألمانيا في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي يشغل أجندة الرأي العالمي كافة، وكذلك في ظل اختلاف كبير بين تركيا وألمانيا في الموقف مما يجري في غزة، إذ إنّ ألمانيا تدعم إسرائيل وجرائمها بشكل فاضح، فيما يصف الرئيس التركي ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنه جرائم حرب وإرهاب دولة، فضلاً عن دعمه حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال والحصول على حقوقه المشروعة.

قبل الزيارة، حاولت أطراف عدة التشويش على زيارة الرئيس أردوغان لألمانيا، منها رئيس المجلس اليهودي بألمانيا جوزيف شوستر، الذي قال إنّ أردوغان يجب ألّا يكون شريكاً لألمانيا، كما دعت منظمات داعمة لتنظيم PKK الإرهابي في ألمانيا لشيء مشابه.

وفي السياق ذاته فإنّ حزب دي لينكا المتطرف دعا إلى سحب دعوة زيارة الرئيس التركي، وقد اتفق كل هؤلاء على نقد موقف أردوغان تجاه القضية الفلسطينية، وحثوا شولتس على التوضيح لأردوغان أن مواقفه حول إسرائيل “غير مقبولة”.

من المهم الإشارة إلى أن السياسيين الألمان بشكل عامّ يعتبرون الرئيس التركي ضيفاً صعباً، إذ يُعرف أردوغان بجرأته وقوة خطابه وعدم خجله من قول الحقيقة أمام المسؤولين الألمان، وقد فعل ذلك مع ميركل سابقاً، وكان هذا بالفعل ما قام به في المؤتمر الصحفي مع شولتس.

كان الرئيس أردوغان واضحاً في المؤتمر الصحفي، إذ أخذ موضوع العدوان الإسرائيلي على غزة الحيز الأكبر من كلمته، وقد أكد معاني عدة، ومنها أن التقييم الأوروبي توقف عند 7 أكتوبر/تشرين الأول ولم يناقش قتل إسرائيل لنحو 13 ألف فلسطيني أغلبهم من الأطفال والنساء.

من زاوية أخرى ركز الرئيس التركي على كذب الرواية الإسرائيلية، واستحضر ملف امتلاك الاحتلال الإسرائيلي للأسلحة النووية، كما تحدّث عن الدعم المالي الذي تقدمه الدول الغربية لإسرائيل، فيما لا يقدمون للفلسطينيين شيئاً.

سيكولوجيا المديونية

من أهم ما تحدّث به الرئيس أردوغان هو خطورة تقييم العدوان الإسرائيلي على غزة من ضمن سيكولوجيا المديونية، إذ ألمح إلى الموقف الألماني الصامت عن قتل الأطفال، مضيفاً أنه يتحدث بِحُرِّية لأنه لا يَدين لإسرائيل بشيء، ولم تقُم تركيا بالهولوكوست، أما أولئك الذين هم مدينون للاحتلال فلا يستطيعون التحدث بِحُرّية.

وللأسف فإنّ ألمانيا كانت من الرافضين لوقف إطلاق النار في غزة، إذ وصفت وزيرة الخارجية الألمانية آنالينا بيربوك في وقت سابقٍ دعوات وقف إطلاق النار في القطاع بأنها “عاطفية”، متسائلةً: “كيف يمكن لطلب وقف إطلاق النار أن يضمن أمن إسرائيل؟”.

على المستوى العملي، قدّم الرئيس أردوغان مقترحاً لمساهمة تركيا وألمانيا في وقف إطلاق النار الإنساني، وأشار إلى أن الرئيس الألماني شتاينماير سيذهب إلى إسرائيل بعد أسبوع، وأنه طلب منه الحديث عن ضمان وقف إطلاق النار الإنساني من أجل إنقاذ المنطقة من حلقة النار.

وهناك أمر مهم آخر سلط الرئيس التركي الضوء عليه، وهو ما تخفيه وسائل الإعلام الغربية الرسمية التي لا تتحدث إلا عن الرهائن الإسرائيليين، وأشار أردوغان إلى أن في أيدي إسرائيل أسرى، مؤكداً أن الحديث عن طرف واحد غير منصف.

على المستوى السياسي للحلول النهائية، أكد الرئيس أردوغان على حل الدولتين على أساس حدود 1967 حلّاً لا مفرَّ منه، وأن تركيا تدعم هذا الحلّ، مضيفاً أن الجميع عليهم أن يتحملوا المسؤولية بهذا الخصوص. وهذا موقف ثابت في سياسة تركيا تجاه القضية الفلسطينية، وكذلك لدى دول الاتحاد الأوروبي التي لم تقُم بدور فاعل للضغط على إسرائيل لتنفيذه.

وكان جواب الرئيس التركي على سؤال صحفي بعد المؤتمر المشترك قوياً جداً، إذ احتوى السؤال على عدة فروع، وهي: هل تقبل حق إسرائيل في الوجود؟ “إسرائيل دولة فاشية”.. لقد قلت هذا، ما مبررك لذلك؟ ولماذا تصف هجوم الجيش الإسرائيلي على حماس بأنه “إبادة جماعية”؟ وكيف يمكنك وصف منظمة معترف بأنها منظمة إرهابية من قِبل حلف الناتو بأكمله وقتلت المئات؟ هل تعرضون العلاقات والتعاون داخل حلف شمال الأطلسي للخطر؟ تركيا تطالب بـ40 مقاتلة يوروفايتر لصناعتها الدفاعية. هل ستقبل ألمانيا بذلك؟

وأجاب الرئيس أردوغان بأن إسرائيل قتلت الآلاف ودمرت المستشفيات وأماكن العبادة، متسائلاً: “لماذا لا تتخذون موقفاً ضدهم؟”، أما عن طائرة يوروفايتر فقد قال بوضوح: “لا تهددونا بهذا، هناك دول كثيرة تصنع طائرات ويمكن أن تزود تركيا بها”.

صفقات إنسانية ودفاعية

إلى ذلك، ناقش أردوغان ملفات أخرى عديدة، منها ملف صفقة ممرّ الحبوب، خصوصاً الحبوب التي تذهب إلى إفريقيا، والخطوات التي يتعين حلها بالتعاون مع ألمانيا في هذا الصدد، مؤكداً أن تركيا عملت مع قطر وروسيا على حل عديد من العقبات التي قد تعوق استئناف اتفاقية ممر الحبوب.

وفي هذا الصدد فإنّ ألمانيا تقدّر دور تركيا الهامّ والبنّاء في إتمام إنجاح عملية تصدير الحبوب من أوكرانيا، التي وصل 40% منها إلى أوروبا.

وعلى مستوى الصناعات الدفاعية أيضاً، لتركيا مصلحة في استمرار التعاون من دون عوائق، وقد أعلنت تركيا أنّها تخطط لشراء 40 طائرة يوروفايتر تايفون، وقد وافقت بريطانيا وإسبانيا على البيع لتركيا، وهناك حالياً مساعٍ لتخطو ألمانيا ذات المسار.

الجالية التركية في ألمانيا

في ما يتعلق بملف الجالية التركية في ألمانيا، التي تصل إلى 3.5 مليون نسمة، فإن تركيا تبذل جهداً كبيراً مع ألمانيا للتأكد من عيش هذه الجالية بسلام ومن دون أي إشكاليات، كما تعمل تركيا على إبقاء التواصل مع مواطنيها هناك، خصوصاً أن ألمانيا وبالتحديد في أوقات الانتخابات كانت تضيِّق على بعض النشاطات التركية.

ويتصل بهذا الملف ملف آخر هو ملف الهجرة، وهو ملف يمكن لتركيا وألمانيا أن تستمرّا في التعاون فيه، إذ توجد فِرَق عمل مشتركة تتابعه بشكل وثيق.

أمّا في ما يخصّ ملف التأشيرة فقد عملت تركيا على تلبية شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ 52 عاماً، وعلقت أهمية كبيرة على مساهمة ألمانيا في دعمها، لكن هذا الملف تعثر بشكل كبير وواجه صعوبات جمة، وتركز أنقرة حالياً على هدف محدد وهو إعفاء المواطنين الأتراك من التأشيرة، وهو ملفٌ عَمِلَ الرئيس أردوغان خلال الزيارة الأخيرة على تسهيل معالجته وتسريعه.

من المتوقع أن يستمر نسق العلاقات التركية-الألمانية في ذات السياق في ما يتعلق بالعلاقات الثنائية، وقد يستمر العمل في ما يتعلق بصفقة ممر الحبوب مع أوكرانيا وروسيا برعاية تركية، كما سيجري السعي لتطوير العلاقات التجارية.

وبما أن الدول الغربية تعطي أولوية للنظرة المصلحية في علاقاتها، فستعمل على عدم إعاقة أي مسارات ترى فيها مصلحة خاصة لها.

وعلى المستوى السياسي، لا يُتوقَّع أن يحدث تغيير كبير في الموقف الألماني الرسمي الداعم لإسرائيل، لكن ستزداد الضغوط على الحكومة الألمانية لحثها على التراجع عن هذا الدعم المفتوح والسكوت عن الجرائم الإسرائيلية، خصوصاً بعد أن أحدث خطاب أردوغان ضجة في الصحافة الألمانية.

ويُعتقَد أن انتقاد الرئيس أردوغان لإسرائيل من ألمانيا له أثر مهم على تسليط الضوء على جرائم الاحتلال الإسرائيلي أمام الرأي العام الألماني والغربي.

زر الذهاب إلى الأعلى