الدراسة في تركيا

سوريو تركيا… على طريق زوال التسهيلات الجامعية

لم يخرج قطاع التعليم العالي عن سياق ما يصفه سوريون بتغيّر التعاطي التركي معهم، فبعد “الدلع” الذين حصلوا عليه ومنحهم معاملة مماثلة للطلاب المواطنين تنفيذاً لقرار مجلس التعليم العالي التركي عام 2013 بتحصيل رسوم أقساط مخفّضة من السوريين الذين يحملون بطاقات الحماية المؤقتة المعروفة باسم “كيملك”، تبدّلت الحال في العام الماضي، وباتوا يعاملون مثل الطلاب الأجانب الذين يدرسون في جامعات تركيا.

 

يرى الطالب السوري عبد القادر أبو دن، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن الفرص والميزات الممنوحة للطلاب العرب أو الأجانب اليوم أكثر من تلك المقدمة للسوريين، ويقول: “فعلياً عدد الطلاب الأجانب قليل في تركيا مقارنة بعدد السوريين، لكن القبول في الجامعات الحكومية يخضع لمعادلة النسب المحددة لكل دولة. وعلى سبيل المثال، توجد عشرة مقاعد لطلاب الطب الأجانب في جامعة إسطنبول. وباعتبار أن عدد المصريين قليل، يمكن قبول عدد كبير منهم في حال نيلهم نسبة نجاح 80 في المائة في فحص يوس الخاص بالأجانب، أما السوريون فقد لا يقبلون حتى إذا حصلوا على نسبة 98.75 في المائة”.

يتابع أبو دن، الذي اضطر إلى تغيير اختصاصه في الهندسة العام الماضي، بعد رفع قسط الجامعة من 500 ليرة تركية (32 دولاراً) إلى 8 آلاف ليرة (515 دولاراً): “شعرت بأنني أنتزع لقمة من إخوتي، لذا غيّرت دراسة الهندسة إلى العلوم الاقتصادية لأن قسطها السنوي مقبول وأستطيع العمل إلى جانب الدراسة، في ظل عدم إلزامي بدوام حضور كامل”.

 

لكنه يعترف بأن عدم حصوله على الجنسية التركية قد يقلل أمله في إيجاد عمل بعد التخرج، “فثمة طلب كبير على العمل في السوق التركية سنوياً، لكنني في كل الأحوال أواصل درس اللغتين التركية والإنكليزية وتطوير قدراتي، كي أعزز فرصي في العمل، ولا أهدر سنوات من التعب، وأخيّب أمل والدي”.

 

 

فرص قليلة

يقول الطالب السوري محمد الصوّاف، المتحدر من دمشق، لـ”العربي الجديد”: “باتت المعاناة كبيرة. أعيد درس المنهج للعام الثاني كي أحظى بقبول في كلية الطب. ويبدو أن فحص يوس أكثر صعوبة اليوم مقارنة بالأعوام السابقة، كما أن معدل القبول في الجامعات الحكومية بات عالياً، وأحتاج إلى نسبة نجاح مائة في المائة للتخصص في الطب”.

ويؤكد “استحالة” درس الطب في الجامعات الخاصة التي يزيد قسطها السنوي عن 30 ألف دولار، لكن أقساط فرع الطب في الجامعات الحكومية ارتفعت أيضاً إلى 60 ألف ليرة سنوياً (3900 دولار)، وهو مبلغ كبير جداً بالنسبة إلى السوريين، خاصة بعد تراجع فرص العمل وغلاء المعيشة، لذا لا أملك إلا خيار الحصول على قبول في الجامعات الحكومية، وهو ما سأفعله”.

ويخبر الصواف بأن “رسوم امتحانات المفاضلة بالجامعات الحكومية ارتفعت كثيراً. وكي أنال القبول في إحداها يجب أن أتقدم لامتحانات أكثر من 10 جامعات، علماً أن كلفة كل فحص تبلغ 1000 ليرة (65 دولاراً)، ما يسمح بأن تجمع الجامعات أموالاً كثيرة من اختبارات القبول التي يتقدم آلاف الطلاب إليها، ويجري قبول بعضهم فقط”.

وحول المنح التي تقدمها الجامعات الخاصة للسوريين، يشير الصواف إلى أنها “قليلة ومحدودة، فجامعة كيليشيم مثلاً تعطي 4 منح للسوريين، الأولى كاملة بنسبة 100 في المائة من الأقساط والثانية 75 في المائة، والثالثة والرابعة بنسبة 50 في المائة. وقد ألغت بعض الجامعات التركية قبول الطلاب وفق فحص يوس، مثل جامعة يلديز تكنيك. وفي كل الأحوال تراجع عدد منح الطلاب السوريين كثيراً في الأعوام الأخيرة”.

والعام الماضي، حدد مجلس التعليم العالي التركي عدد الطلاب السوريين في الجامعات المحلية بـ37.326 من أصل نحو 200 ألف أجنبي. وأوضح أن نحو 1600 منهم استفادوا من المنح التي تقدمها الحكومة، بحسب ما صرح رئيس تجمع الطلاب الأجانب في تركيا عبد الله إرين، الذي كشف أيضاً أن السوريين ليسوا من تلك الدول الأولى التي يحصل طلابها على منح حكومية، بل أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان والعراق وأفغانستان.

 

بلا ميزات

ويرى مدير شركة إسطنبول لتقديم طلبات القبول الجامعية جهاد العويّد، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “الطلاب السوريين فقدوا ميزات حصلوا عليها سابقاً، وباتوا يعاملون اليوم مثل أي طالب أجنبي يدرس في الجامعات التركية، سواء على صعيد فحص القبول يوس، أو الأقساط الجامعية أو ميزات التأمين والإقامة. وبدءاً من العام الحالي يقوم الطلاب الأجانب باستصدار إقاماتهم بأنفسهم من خلال الذهاب إلى مراكز الأمن، في حين كانت الجامعة تتكفل بهذه الإجراءات سابقاً”.

يضيف: “ارتفعت أقساط الجامعات في تركيا هذا العام بنسبة تراوح بين 10 و15 في المائة، بعد تراجع سعر صرف الليرة التركية في مقابل الدولار، علماً أن الجامعات الخاصة تتلقى أقساطها بالدولار. لكن توجد حسومات تستهدف استقطاب الطلاب المتفوقين، لأن التعليم العالي يعتبر أحد القطاعات التي تعوّل عليها تركيا ليس لجني الأرباح فقط، بل لتسويق الاقتصاد والتسامح المجتمعي. وأظهرت إحصاءات حديثة أن 20 في المائة من الطلاب الأجانب عبروا عن رغبتهم في البقاء بتركيا بعد التخرج”.

ويتوقع العويّد زيادة الإقبال على الجامعات التركية في العام المقبل، بعد الحرب الروسية على أوكرانيا التي كانت تستقبل عشرات الآلاف من طلاب منطقة الشرق الأوسط، ويتمنى أن “تزيد الجامعات التركية عدد المقاعد المخصصة للطلاب الأجانب، مع تزايد الإقبال عليها، ودخول ست منها ضمن قائمة أفضل 500 جامعة في العالم، وهي الشرق الأوسط التقنية، وجامعة إيجة، وجامعة حجة تبة، وجامعة غازي، وجامعة أنقرة، وجامعة إسطنبول”.

 

طلاب أقل

وكان أكاديميون أتراك قد تحدثوا لـ”العربي الجديد” سابقاً عن أثر زيادة الأقساط الجامعية وإلغاء الميزات الممنوحة للسوريين على عدد الطلاب. وقالت الأستاذة في جامعة محمد الفاتح عائشة نور إن “الإجراءات ستحرم أكثر من 70 في المائة من الطلاب من متابعة تحصيلهم العلمي، لأن الأسر السورية بتركيا تؤمن بالكاد تكاليف عيشها وسط غلاء الأسعار، لكن بعض الجامعات لا تزال توفر معاملة خاصة للسوريين باعتبار أن قراراتها فردية”.

 

وتوقع أستاذ علم الاجتماع في جامعة ابن خلدون بإسطنبول رجب شان تورك أن يتراجع عدد الطلاب السوريين في الجامعات التركية، “فبالنسبة إلى السلطات، لم يعد مبرراً استمرار خفض الأقساط الجامعية بعد عشر سنوات من وجود السوريين في البلاد، كما لا يجب تمييزهم عن باقي الطلاب الأجانب أو الأتراك، والحرص على تحقيق فوائد اقتصادية من ارتفاع عددهم، والتمسك بقطع الطريق على متاجرة بعض الأحزاب المعارضة بهذه النقطة التي تبالغ بها كثيراً”.

يضيف: ” قد تؤدي القرارات الجديدة إلى تراجع عدد الطلاب السوريين الذين سيسجلون في الجامعات التركية، أكثر من 50 في المائة مقارنة بالأعوام السابقة، لأن الوضع المالي لمعظم السوريين بتركيا لا يسمح بدفعهم أقساطاً جامعية مرتفعة”.

 

بيئة “طاردة”

وهكذا يجمع طلاب سوريون كُثر تحدثوا لـ”العربي الجديد” من دون أن يذكروا أسماءهم، على أن “الحالة العامة وتلك الموجودة داخل الجامعات باتت طاردة للسوريين وسط تنامي الحالة العنصرية، لذا نتمنى أن نذهب إلى أي دولة أخرى لمتابعة الدراسة أو الإقامة الدائمة، علماً أن غلاء المعيشة وارتفاع الأقساط الجامعية يمنع شعورنا بالاستقرار في تركيا”.

يضيفون أن “صفعة إبعاد كثير من الطلاب عن ملف التجنيس أخيراً، ضمن الإجراء الذي اتخذته مديرية الهجرة التركية، زاد من شعور اللاجدوى بالبقاء في تركيا”.

وفيما لا يوجد إحصاء رسمي لعدد الطلاب السوريين الذين نالوا الجنسية التركية، يقول وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في تصريح أخيراً: “حصل نحو 200.950 سورياً على الجنسية التركية، بينهم 113.654 بالغاً، و87.296 طفلاً”.

 

 

العربي الجديد

زر الذهاب إلى الأعلى