مقالات و أراء

سياسة صفر مشاكل وعملية السلم والديمقراطية.

[dropcap color=”#888″ type=”square”]user101[/dropcap]  بقلم الأستاذ: مولاي علي الأمغاري كاتب وباحث مغربي – خاص تركياالآن

 

مما شك فيه أن السيد أحمد داوود أغلوا رئيس الحكومة التركية سياسي من طراز نادر، فهو شخصية جمعت بين العمل الأكاديمي الجامعي والممارسة السياسية المتميزة،أمرا غير مألوف إلا في حالة  هنري كيسنجر الأمريكي لكنه لم يبلغ مرتبة أعلى من وزير الخارجية ، أما وصول أحمد أغلوا لهذه الدرجة من الأهمية في الجمهورية التركية يعد أمرا غير مسبوق ليس في تركيا فقط بل في العالم.

هذه شخصية تقوم على التمسك بالمبادئ والقيم مع السعي في تحقيق المصالح الوطنية التركية على جميع المستويات، نظريته المعروفة ” بصفر مشاكل مع الجيران” خلقت نقاش عميقا بين أرباب السياسية الدولية.

وقد عرفت هذه السياسية  نجاحا متفاوت الدرجات سواء داخل تركيا وخارجها، هذا النجاح لم يعجب الكثير، فواجهت هذه النظرية قصفا كثيفا من العجم والعرب، بسبب وبدون سبب، واعتبروها سراب تجري وراءه تركيا،لكونها تقع في تناقضات كثيرة من حيث تحالفاتها، واصطفاها مع الشعوب بدل الأنظمة، وتحديها للكيان الصهيوني وغيرها من النواقص في نظرهم  تجمعها السياسة الخارجية التركية في عهد حكم حزب العدالة والتنمية.

وقوي هذا القصف المغلف بالنقد المتجرد والتحليل السياسي المنطقي، بعد العملية العسكرية ضد داعش وبي كا كا الإرهابيين، فكانت مثل هذه العناوين: “من صفر مشاكل إلى صفر جيران”، “إفلاس السياسة الخارجية التركية”، “فشل سياسة صفر مشاكل مع الجيران” وغيرها والتي يبتعد مضمونها عن المعلومة الصحيحة والتحليل السياسي المنطقي، ولا يظهر فيها إلا الشماتة  بتركيا و قادة حزب العدالة والتنمية، وتنقيصا من كفاءتهم السياسية وانضباطهم الأخلاقي.                                                                                                                                                                        لخص أحد الفضلاء عوار هذه الانتقادات في ما يلي:”وصل الأمر بالمنتقدين أن جعلوا “سياسة صفر مشاكل” سبباً لأي حدث أو أزمة تحدث في المنطقة… كما تقّدم تحليلات آنية تهدف إلى تسجيل النقاط أكثر من تناول القضايا بعمق في عصر يعيش أزمات سياسية وصراعات داخلية، كما يشهد ثورات وثورات مضادة، ومشاكل حدودية ..”.

وبالرجوع إلى وثيقة ” صفر مشاكل مع الجيران” ووثيقة سياسة صفر مشاكل في المرحلة الجديدة ” للبروفسور أحمد أغلوا، ومنجزات السياسة الخارجية التركية في عشر الأعوام الماضية، يتبين أن النظرية لها عمق فكري وبعد الاستراتجي يعي المتغيرات السياسة داخل تركيا وخارجها، ويعرف أن الوضع الجغرافي لتركيا وإرثها التاريخي سيضع تحديات كبرى أمام هذه السياسة، هذا التحدي بينه البروفسور أغلوا في مقاله حول : ” صفر مشاكل مع الجيران “بقوله: (تواجه تركيا ضغطاً لتولّي دور إقليمي مهم، ما خلق توترات بين التحالفات الاستراتيجية الحالية والمسؤوليات الإقليمية الصاعدة، كان تحدّي إدارة هذه العلاقات ملموساً بحدة في الأزمات الإقليمية الأخيرة وستبقى تركيا ملتزمة بتحقيق انسجام بين تحالفاتها الاستراتيجية الحالية وجيرانها والمناطق المجاورة).

وأكد أغلو هذا الوعي بقوله في مقال ” سياسة صفر مشاكل في المرحلة الجديدة”: (عندما أعلنا عن البدء بتنفيذ سياسة صفر مشاكل ، لم تكن غايتنا فقط تطوير المصالح الاقتصادية والأمنية لتركيا ولم نفكر أبدا في أتباع أجندة السياسة الواقعية التي تفتقر إلى القيم،بل على العكس كان الهدف منها هو إزالة العقبات دون النظر إلى مصادرها والتي كانت تعيق اندماج تركيا مع جيرانها. هدفنا الأساسي هو السعي من أجل استمرار التواصل بين كافة المجتمعات والشعوب وعلى رأسها شعبنا وشعوب المنطقة برمتها ضمن ما أسميناه بـ ” الحد الأقصى من التعاون”).
وتابع أحمد أغلوا بيان أن سياسة ” صفر مشاكل” تساير مرحلة التغير التي تعرفها المنطقة:(سنستأنف العمل على نحو يلائم روح مبدأ ”صفر مشاكل مع دول الجوار ” وسنعمل على إتمام الاندماج الإقليمي وذلك بعد اكتمال مرحلة التغيير في المنطقة).

حاصل الأمر أن “سياسة صفر مشاكل”  خيار استراتجي، لا بأس أن يتوقف تنفيذه بعض الوقت من أجل صد مؤامرة ضد الأمن القومي التركي أو الوقوف مع المطالب الشعبية في بلدان الربيع العربي أو رفضا للبلطجة الصهيونية الإرهابية أو عندما يقوم نظام طائفي بإبادة شعب بكامله من أجل البقاء في السلطة.

سياسية “صفر مشاكل” هي رؤية استراتيجيه وقيم إنسانية و إسلامية، وبراغماتية معتدلة وراءها قوة حازمة تصدّ التهديدات لا تطلقها، تعطي الأولوية لقوة تركيا الديمقراطية- المدنية – الاقتصادية- الدبلوماسية.

زر الذهاب إلى الأعلى