أخــبـار مـحـلـيـة

“سيستم يوك”: معاناة السوريين مع القوانين ومزاجية الموظفين في تركيا

واجه السوريون منذ وصولهم إلى تركيا، العديد من العوائق والعقبات التي كانت سبباً في تأخر اندماج كثيرين منهم في المجتمع التركي، وذلك يعود للعديد من الأسباب التي تبدأ بثقافة وعادات البلد وشعبه وتنتهي بقوانين دولته وحكومته.. دون أن ننسى عائق اللغة الذي أسهم في تكريس كل المشكلات السابقة. في التحقيق التالي محاولة لمعرفة مدى قدرة السوريين على تفهم القوانين التركية التي توصف عادة بالمعقدة، وبأن من يطبقونها موظفون مزاجيون لا يتورع الكثير منهم عن تقعيد الأمور بدل تبسيطها وتطبيق روح القانون لا التمسك بنصه فقط.  

 

مشكلة اللغة

لعل أبرز ما واجه اللاجئين السوريين في تركيا عند وصولهم كان حاجز اللغة، إذ إن غالبية الشعب السوري لا يتقن لغات سوى اللغة العربية المحلية المتحدث بها في سوريا، والفئة المتبقية التي تتحدث لغات أجنبية، تستخدم الإنكليزية في الغالب، وهو ما شكل عقدة لدى كثير من السوريين في البدايات، سيما وأن الشعب التركي هو (شعب متعصب) للغته وعاداته وثقافته، أي أن هناك فئة من الأتراك تبدي انزعاجاً كبيراً عند التحدث بلغة لا يفهمونها”، وهو ما خلق بدوره حجر عثرة أمام السوريين في فهم القوانين أو فهم التغييرات التي طرأت على القوانين الضابطة لوجودهم في تركيا.

 

 

 

يقول (أبو سليم) وهو لاجئ سوري يقطن في مدينة أنطاكيا لـ أورينت نت، إن “اللغة التركية شكلت له عائقاً كبيراً وجعلته يجهل الكثير من الأمور، أبرزها القوانين المتعلقة بالسوريين في تركيا، وذلك قبل أن يكون هناك إعلام لتغطية أخبار السوريين باللغة العربية”.

وضرب أبو سليم مثالاً عن حادثة واجهته مطلع العام 2016، عندما صدر أمر بعدم قبول (الكملك البيضاء/القديمة) في أي معاملات رسمية قائلاً: “ذهبت إلى المستشفى من أجل المعاينة، لقد كان المستشفى بعيداً عني مسافة لا تقل عن 15 كيلومتراً، وبعد وصولي إلى المستشفى، أخبرني قسم الاستعلامات الذي توجهت إليه لحجز موعد لدى الطبيب المختص، أنه لا يمكن حجز الموعد بوساطة الهوية القديمة، وبات الأمر يتطلب الهوية الجديدة (الصفراء)، وعندما أخبرتهم متى صدر القرار، أخبروني أن القرار موجود على موقع وزارة الصحة، كان هناك مترجم من أصول (تركمانية) معي يقوم بترجمة كل كلمة يقولونها، فأخبرته بأنني لا أعرف التركية، فأخبرته الموظفة بأن علي التعلم، فهنا الجميع يستخدم التركية في هذا المكان.

 

 دليل اللاجئ
منذ أن تم إصدار الهوية الجديدة (الكملك) المعتمدة للسوريين حالياً، أصدرت دوائر الهجرة دليلاً توعوياً باللغة العربية، شرحت من خلاله ما يحق للاجئين وما يترتب عليهم من واجبات، وذلك بهدف كسر النموذج النمطي، الذي اعتاد اللاجئون رؤيته من لافتات ولوحات إرشادية باللغة التركية قد لا يفهم معناها كثيرون، كما عمدت مديرية الهجرة في عام 2017، وعبر مرسوم تم إقراره رسمياً من الجهات المعنية بشؤون السوريين في تركيا، بعملية (دمج اللاجئين) بالمجتمع التركي، وذلك عبر الندوات التوعوية التي أقيمت في المراكز الثقافية، ثم تم افتتاح دورات تعليمية مجانية لتعليم السوريين اللغة التركية برعاية من منظمة الهلال الأحمر التركي وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، وذلك بهدف إزالة عقبة كبيرة أمام اللاجئين “عقبة اللغة”.

 

  
محامون سوريون
لعب المحامون السوريون في تركيا دوراً كبيراً في شرح القوانين والحقوق والواجبات للسوريين في تركيا، وعلى الرغم من عدم السماح لأي محامٍ سوري بمزاولة مهنته هنا منفرداً، إلا أن كثيرا من المحامين تمكنوا من العمل مع محامين أتراك، وبالتالي تمكن هؤلاء من إيصال قسم كبير من القوانين النافذة العامة منها والخاصة بالسوريين إلى اللاجئين في تركيا، كما بات المحامون السوريون مرجعاً أساسياً وهيئة استشارية يلجأ لها أي سوري يواجه عقبة ما أو يريد السؤال عن أمر ما صغيراً كان أو كبيراً، إضافة لمشاركة العديد من المحامين شرح الكثير من القضايا عبر صفحاتهم في منصات التواصل الاجتماعي، من أجل تسهيل وصولها إلى المتلقين من السوريين. 

 

تشابه القوانين وموظفون يتكلمون العربية
ومما سهل على السوريين فهم القوانين المفروضة في تركيا، هو تشابه تلك القوانين لحد ما للقوانين الواردة في قانون الصلح والجنايات والعقوبات السوري، حيث وبعد تمكن السوريين من قراءة وكتابة اللغة التركية ولو بشكل جزئي، سهل عليهم معرفة حيثيات كل قرار والمراد منه، كما أن للممارسة في ذلك دورا كبيرا، فعندما يفهم السوري الشروط التي يضعها مصرف زراعات على سبيل المثال من أجل فتح حساب لديه، سيسهل عليه لاحقاً فتح حساب وإجراء العمليات المصرفية منه دون الوقوع في الخطأ.

 

كما أن وجود نسبة كبيرة ممن يتكلمون العربية في تركيا وخاصة في الولايات الحدودية، جعل السوريين يتقنون التعامل والإجراءات في الدوائر الحكومية والمرافق العامة، إذ يقول (محمد) وهو سوري في مدينة أنطاكيا لـ أورينت نت، إنه توجه إلى مركز البريد PTT من أجل إرسال طرد لأقاربه في إسطنبول، إلا أنه لم يكن يعرف الإجراءات نهائياً، إلا أن الموظف المبتسم الذي يجلس خلف الطاولة والذي يتحدث العربية جعل من الموضوع يتم خلال دقائق، أعطاه استمارة الإرسال وشرح له ماذا سيكتب في كل فراغ، وعليه قام بتعبئة الاستمارة وسلمها مع الطرد وتم الإرسال بنجاح.

 

 

اتهامات باطلة وأدلة على فهم السوريين للقوانين

رغم دخولهم عامهم العاشر في تركيا، ما زالت هناك بعض الفئات من الشعب التركي تعتبر أن السوريين (جهلة) ولا يعيشون ضمن النظام المطبق في تركيا ويجهلون كل تفصيل فيه، وهذا بحد ذاته أمر غير صحيح، وفق ما أكده المحامي (نزار أكرم الجاويش) في حديثه لـ “أورينت نت” قائلاً: “منح الجنسية التركية لآلاف مؤلفة من السوريين هو خير دليل على فهمهم للقوانين، فكيف تمنح الدولة جنسيتها لأشخاص لا يعرفون القوانين ولا يلتزمون بها؟، كما أن إتاحة مزايا أخرى للسوريين هو أيضاً دليل دامغ على فهمهم للقوانين.

يضيف: “بداية وصول اللاجئين السوريين في تركيا، لم يكن بمقدورهم شراء خط هاتف باسمهم حتى، ولكن فيما بعد أتاحت الحكومة التركية لهم وبموجب بطاقة الحماية المؤقتة الجديدة (الكملك) فتح حسابات بنكية واستملاك السيارات واستثمار المحلات واستخراج الرخص من مديرية الضرائب، وغيرها من الأمور الأخرى التي أصبحت مشتركة بين السوري والتركي، أما عن موضوع استملاك العقارات وحصره بالمجنسين فقط، فذلك موضوع آخر وبحث يطول شرحه”.

سوريون يشتكون
أكثر ما يرهق السوريين في تركيا بحسب روايات عدة، هو (تذبذب) القرارات بين أفرع الجهة الواحدة، حيث قال (عبد الرحمن) وهو سوري مقيم في منطقة (إسنيورت) بولاية إسطنبول في حديث لـ أورينت نت: “تلقيت قبل مدة رسالة تفيد بوصول مبلغ 1000 ليرة تركية إلى رقم الهوية الخاص بي، وأنه يتوجب علي التوجه إلى أقرب فرع بريد PTT من أجل استلامها، وعند ذهابي رفض الموظف تسليمي بحجة أنها لم تظهر على السيستم، فأخذت هويتي وغادرت وتوجهت إلى فرع آخر، وهناك أخبرني الموظف أن ما ورد في الرسالة صحيح وقام بتسليمي المبلغ فوراً”.

 

كما روى (محمود) المقيم في انطاكيا لـ أورينت نت قصته ومغامرته من أجل تسجيل عائلته في سجلات النفوس قائلاً: “توجهت إلى مبنى النفوس من أجل تسجيل عائلتي في منزلي الجديد، إلا أنهم أخبروني أنه تم نقل نفوس السوريين إلى مبنى آخر في منطقة أخرى، فتوجهت إلى المبنى الجديد، إلا أنهم طالبوني هناك بأن أتوجه إلى المبنى الرئيسي من أجل إزالة العائلة التي كانت تسكن المنزل قبلي ومن ثم أذهب إليهم من أجل التثبيت مرة أخرى”.

 

وأضاف: “بقيت على هذه الحال لفترة أسبوعين، قبل أن يتم منح صلاحيات (الإزالة) لمديرية نفوس السوريين، حيث تمكنت بعد ذلك من تسجيل عائلتي وقيودي في المنزل الجديد”، مشيراً إلى أنه وبغض النظر عن الجهد الجسدي، أضطر لقطع عملي عدة مرات وهو ما دفع رب عملي لطردي.

اورينت نيوز

زر الذهاب إلى الأعلى