عـالـمـيـةمقالات و أراء

“شيطنة وتخويف وابتزاز”.. إعلام الخصوم يجتمع على تركيا في لبنان

أطراف متصارعة أهدافها متباينة، لكن وسيلة الجميع واحدة. ربما يكون هذا أدق تلخيص لحملة افتراءات تشنها وسائل إعلام لبنانية على تركيا، بزعم محاولتها الدخول إلى لبنان من بوابة طرابلس، المدينة الشمالية ذات الأغلبية السنية.

وسائل الإعلام هذه منها ما هو مدعوم من جماعة “حزب الله” (شيعية)، حليفة النظام السوري وإيران، “عدوة” السعودية، ومنها ما هو مسنود من محور سعودي ـ إماراتي، ثمة ملفات خلافية بينه وبين تركيا.

أما أهداف هجوم “الخصوم” على تركيا، بحسب محللين، فتتباين بين محاولة تخريب البيت السني اللبناني، وتخويف المسيحيين، وحشد الشيعة خلف “حزب الله”، وشيطنة أنقرة، وابتزاز الإمارات والسعودية ماليا.

في الفترة الأخيرة، نشرت صحف مدعومة سعوديا وإماراتيا، عناوين تحمل مزاعم وافتراءات، منها: “تركيا تتوسع في لبنان”، و”تركيا ستتدخل في لبنان”، و”ملايين الدولارات تتدفق من تركيا إلى لبنان”، و”بالوقائع والأسماء: هكذا تحضّر تركيا لاحتلال طرابلس”.

ورغم الخصومة مع المحور السعودي ـ الإماراتي، إلا أن الإعلام اللبناني المدعوم من “حزب الله” وإيران، شارك في حملة الافتراءات على أنقرة، بل واستعان ببعض ذخيرة خصومه الإعلامية، طالما ربما تحقق أهدافه.

فكتبت صحيفة “الأخبار” اللبنانية على صفحتها الأولى: “تركيا في لبنان على خطى الإخوان المسلمين: التمكين أولا”. وقالت قناة “الميادين”: ملايين الدولارات تتدفق من تركيا إلى لبنان.

وبلا مصادفة، تزامنت حملة الافتراءات الإعلامية في لبنان على تركيا، مع هجوم مركز شنه عليها سياسيون لبنانيون مؤيدون للنظام السوري، منهم الوزير السابق للبيئة وئام وهاب، في وقت سابق من الشهر الجاري.

كما قال وزير الداخلية محمد فهمي، في حديث لصحيفة “اللواء” اللبنانية، المقربة من السعودية، في 4 يوليو/ تموز الجاري، إنه يوجد تدخل خارجي في لبنان هدفه “اللعب بالأمن”.

وأضاف أن طائرة خاصة وصلت من تركيا، وعلى متنها 4 أتراك وسوريين بحوزتهم 4 ملايين دولار، أوقفوا بعدما دخلوا لبنان، على أساس أن لديهم شركة صرافة.

وتابع فهمي: “لا ندري هل هذه الأموال هي للتهريب والتلاعب بالدولار؟ أم لتغذية تحركات عنفية في الشارع؟ هذا إضافة إلى التعليمات التي تصل من تركيا عبر الواتساب لبعض أطراف الحراك الشعبي”.

ويعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، ما فجر منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، احتجاجات شعبية غير مسبوقة ترفع مطالب اقتصادية وسياسية.

واتهم رئيس الحكومة حسان دياب، خلال جلسة للحكومة منتصف الشهر الجاري، جهات داخلية وخارجية (لم يسمها) بمحاولة العبث بالسلم الأهلي وتهديد الاستقرار الأمني.

لكن مصدرا حكوميا قال للأناضول، إنه خلال هذه الجلسة الوزارية لم يتداول أحد اسم دولة ما، ضمن الحديث عن تدخل خارجي يفتعل الشغب خلال التظاهرات.

وتابع المصدر، طالبا عدم نشر اسمه، أنه لا يوجد لدى الأجهزة الأمنية وفي التحقيقات أي تقارير تتهم تركيا، خاصة أنه جرى التحقيق مع موقوفين من مفتعلي الشغب خلال الاحتجاجات.

** ابتزاز مالي

وفق مصدر سياسي من طرابلس (شمال)، فضل عدم نشر اسمه، فإن “الهدف من الهجوم على تركيا هو أن طرفا لبنانيا (لم يسمه) يرغب بالحصول على تمويل عربي يسعى إلى زج اسم تركيا في طرابلس، لعله يستفز السعودية والإمارات”.

وترى السعودية أن الحكومة اللبنانية الحالية يهيمن عليها “حزب الله”، لذا ترفض تقديم دعم مالي لإنقاذ البلاد من الانهيار.

وتشترط الرياض “تشكيل حكومة فيها توازن وطني، وتمثل كل الأطراف الوطنية، وتعيد لبنان إلى الصف العربي”، بحسب رئيس تحرير “اللواء” صلاح سلام، في حديث سابق للأناضول.

ويضيف المصدر السياسي أن “أطرافا لبنانية (لم يسمها) تريد تغطية من يقف خلف التحركات الشعبية في طربلس وكل لبنان من خلال إلباسها لتركيا (اتهام أنقرة بالوقوف خلفها).. بينما لا يوجد أي تدخل تركي في الشؤون الداخلية بطرابلس”.

ويتابع: “من البديهي أن لتركيا حضورا في طرابلس عبر محبة أهالي المدينة والشمال اللبناني لتركيا ولرئيسها رجب طيب أردوغان، كما في كل المناطق اللبنانية ذات الأغلبية السنية”.

ويمضي قائلا إن “تصوير طرابلس على أنها مركز للتطرف ليس جديدا، وفي كل مرة يُنسب هذا التطرف إلى جهة معينة، تارة للسعودية وتارة لقطر وتارة لتركيا، وهو سبب أساسي لتخويف المسيحيين وشد العصب الشيعي خلف حزب الله”.

ويردف المصدر: “كمتابع على الأرض، ليس لتركيا حضور بالمعنى الأمني في طرابلس، هناك مساعدات تقدمها مؤسسة تيكا التركية لترميم مسجد أو آثار عثمانية، ولا يشاهد المواطن الطرابلسي أكثر من ذلك على الأرض”.

ويرى أن هجوم الخصوم على أنقرة هو “محاولة لشيطنة تركيا.. وعدم انتقاد الزعامات السنية لتلك التقارير يعود إلى عدم الرغبة بالدخول في الخلافات بين الطرفين خوفا من أن يزعل أحداهما”.

ويتابع: “الوزير السابق (للعدل) أشرف ريفي، والوزير السابق للداخلية نهاد المشنوق على صراع، وهما ضمن المحور الواحد السعودي ـ الإماراتي، وريفي يقول إنه ليس مع تركيا، ومع المحور العربي”.

وتبث معظم التقارير المناهضة لتركيا عبر موقع إلكتروني مدعوم من المشنوق، واتهم في أحدها ريفي بالوقوف خفية مع أنقرة لإدخالها إلى طرابلس. وهو ما نفاه ريفي وهاجم المشنوق بشدة.

ويعتبر المصدر أن هذه التقارير “محاولة للابتزاز بالسياسة ولتوظيفها من أجل الحصول على مال من الإمارات والسعودية من جهة، أو لتخويف الشارع المسيحي وتحشيد الشارع الشيعي من جهة أخرى”.

** بهاء الحريري

كما زعمت تقارير، بثتها مواقع إخبارية لبنانية مدعومة إماراتيا وسعوديا، أن أنقرة تدعم رجل الأعمال اللبناني بهاء الحريري (سني)، شقيق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، مستغلة اسم شخص لبناني يدعى نبيل الحلبي، يذهب إلى تركيا للسياحة.

والحلبي هو المتحدث باسم بهاء، ويقود ما يسمى “المنتديات” التي يدعمها الأخير، واتُهمت مؤخرا بافتعال الشغب خلال الاحتجاجات على تردي الأوضاع المعيشية.

ويقول مصدر صحفي للأناضول، إن “الإعلام الإماراتي يركز على شخص يذهب إلى تركيا للسياحة فقط، بينما يغفل عن مدير المكتب الإعلامي لبهاء الحريري، جيري ماهر، وهو قريب من النافذين في السعودية والإمارات، ومحلل ثابت على قناة سعودي 24، المملوكة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان”.

وعبر بيان في 8 مايو/ أيار الماضي، هاجم بهاء، الابن الأكبر لرئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، الطبقة السياسية، التي حكمت لبنان بعد اغتيال والده عام 2005. وكان شقيقه سعد ركنا بارزا في هذه المنظومة، وترأس الحكومة مرارا.

وقال بهاء إنه بعد 2005، ذهب أغلب السياسيين والأحزاب في لبنان إلى تكديس القوة والأموال على حساب الوطن ومصالح المواطنين، وعُقدت التحالفات الرباعية والخماسية على قاعدة: “أصمت عن سلاحك واستباحة حزبك للسيادة الوطنية وأنتَ تسكت عن صفقاتنا وسرقتنا للمال العام، فكان الضحية لبنان وأهله والثقة الدولية”.

ويغيب بهاء، عن الساحة السياسية اللبنانية ويعيش بين السعودية ودول أخرى، وبرز اسمه خصوصا عام 2017 عند زيارته السعودية، إذ تم ربطها بأنه سيكون بديلا لشقيقه في رئاسة الحكومة، بعد استقالة الأخير التلفزيونية من الرياض، وما روّج عن إجبار محمد بن سلمان لسعد على الاستقالة.

وتتحدث تقارير صحفية عن دعم أمريكي وسعودي لبهاء، كي يحل محل شقيقه في الزعامة السُنية بلبنان.

ويعتبر منير الربيع، وهو كاتب ومحلل صحفي، أن “دخول بهاء الحريري ما هو إلا نتاج للفراغ الهائل الذي تعيشه الساحة السُنية والعربية عامة.. ويأتي ضمن مشروع تخريب البيت السُني، نتيجة أهواء وطموحات ومصالح شخصية أو سياسية”.

ويتابع: “هذا التخبط يشير إلى المزيد من الانهيار والانحدار وتفاقم الأزمات مقابل تعاظم قدرة حزب الله، الذي يجعل كل القوى السياسية بحاجة إليه”.

ويستطرد: “مثلا اليوم إذا أراد سعد الحريري مواجهة شقيقه بهاء، عليه أن يعزز علاقته بحزب الله، وبهذه الطريقة يتمكن حزب الله من السيطرة على لبنان أكثر”.

ويرى الربيع أن “الطائفة السنية بلا أي دور في هذه المرحلة، وغائبة عن التأثير في المعادلة الوطنية، وهذا خارج عن سياقها ودورها التاريخي”.

ويردف: “بإمكان لبنان أن يسير لفترة من دون تأثير الشيعة أو المسيحيين، ولكن لا يمكن أن يستمر من دون تأثير السنة، فارتباطهم عبر التاريخ بالدولة، وهم أصحاب العمق العربي والإسلامي الاستراتيجي بالمنطقة”.

ويقول الربيع إن “دول الخليج العربي، وتحديدا السعودية، لا تريد مساعدة لبنان وحكومة دياب، وذلك بعد تصريح جبران باسيل، وزير الخارجية (السابق) عام 2019، عندما نأى بنفسه عن التضامن مع السعوية، حين تعرضت منشآت (شركة) أرامكو (النفطية السعودية) لقصف صاروخي اتُهمت فيه إيران”.

ويضيف أن “جميع دول الخليج تراقب لبنان حاليا، ولا يمكن لأي منها التدخل لمساعدته حتى يحدث تغيير في موازين القوى، بتطبيق شروط تطالب بها تلك الدول من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى”.

ويرى أن “هناك انسجاما أمريكيا ـ خليجيا في هذا الموضوع، فواشنطن أيضا تمنع المساعدات عن لبنان في هذه المرحلة قبل الوصول إلى تسوية سياسية”.

** احترام ومحبة بلا تدخل

ويقول مصدر دبلوماسي تركي، فضل عدم نشر اسمه، للأناضول: “لا علاقة تجمع تركيا ببهاء الحريري ولا نبيل الحلبي.. من هو نبيل الحلبي ليكون لنا علاقة كدولة معه (؟!)”.

ويضيف: “الحلبي يستخدم اسم تركيا لتسويق نفسه، مستغلا التعاطف الشعبي اللبناني مع تركيا”.

‏وبشأن ما يتردد عن معلومات عن تدخل تركي في لبنان جرى تسريبها من الأمن اللبناني، قال المصدر: “لم يبلغنا أحد بأي اسم أو معلومات أو حتى عبر القنوات الدبلوماسية، وكل ما يُذكر غير صحيح”.

‏ويشدد المصدر الدبلوماسي على أن “تفاعل اللبنانيين مع تركيا ناتج عن احترام ومحبة بلا تدخل في شؤون لبنان، والعلاقة موجودة مع كل الأطراف السياسية اللبنانية”.

زر الذهاب إلى الأعلى