صحيفة: ماذا وراء “أزمة الأجهزة الأمنية” في تركيا؟

تناول تقرير تحليلي لصحيفة العربي الجديد التطورات التي شهدتها تركيا عقب اعتقال مسؤولين أمنيين وانتشار إشاعات حول وجود محاولات لتطبيق انقلاب على الحكومة.

وذكرت الصحيفة أن السياسة التركية اهتزت بشكل لافت على ضوء تطورات قضية زعيم المافيا المعتقل أيهان بورا كابلان، وأصبحت حديث الشارع ومحل إشاعات كثيرة حول مخطط انقلاب في تركيا حيث حظيت باهتمام كبير على أعلى المستويات السياسية.

ولفتت إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقد على ضوء هذه التطورات، اجتماعاً مستعجلاً الأسبوع الماضي، مع رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كالن، ووزير العدل يلماز تونتش من دون تفاصيل معلنة حينها.

ولطالما حضر كابلان ومنظمته في أجندة المعارضة ووسائل إعلامها في إطار هجومها المكثف على وزير الداخلية السابق سليمان صويلو، واتهامه بالتعاون مع عصابات الجريمة المنظمة. وتصاعدت هذه الاتهامات بشكل كبير مع قيام وزير الداخلية الحالي علي يرلي كايا، باعتقال كابلان يوم الثامن من سبتمبر/أيلول 2023، وتفكيك منظمته بشكل سريع بعد وصوله إلى منصبه. بحسب التقرير.

وأوضح التقرير أنه مع اعتقال الرجل الثاني في منظمة كابلان الإجرامية، سردار سيرتتشليك، في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، الذي أصبح شاهداً سرياً للأجهزة الأمنية ضد زعيمه ومنظمته، ظهرت تطورات غير متوقعة. وانفجر الجدل بعد تهريب سيرتتشليك في وقت لاحق من العام نفسه إلى الخارج، وحديثه علانية عن سيناريوهات مسبقة تم رسمها له من قبل الأجهزة الأمنية، مع ظهور تسجيلات صوتية بين الشاهد السري ومسؤولين كبار في جهاز الشرطة في أنقرة طلبوا فيها منه توريط بعض القادة الكبار في حزب العدالة والتنمية في هذه القضية في شهادته السرية.

واستهدف مسؤولو الشرطة المذكورون بشكل خاص الوزير السابق سليمان صويلو، ووزير الصحة فخر الدين كوجا، ومستشار الرئيس حسن دوغان، ووزير العدل السابق عبد الله غول، وغيرهم. وفي هذا السياق، تم يوم الأربعاء الماضي رسمياً إيقاف ثلاثة مسؤولين كبار في جهاز الشرطة في أنقرة واعتقالهم وتفتيش أملاكهم والتحقيق معهم بتهمة محاولة التلاعب بشهادة سرية وإدخال أسماء سياسيين وبيروقراطيين من الحزب الحاكم فيها. ثم أصبحت هذه التطورات تعرف باسم “فضيحة الشاهد السري” أو “أزمة الأجهزة الأمنية”.

بدوره، صرح يرلي كايا، صباح الأربعاء الماضي، بأن وزارته ستدمر مؤامرات وفخاخ من يتعاون مع المنظمات الإرهابية والإجرامية وتجار المخدرات، ومهربي اللاجئين، والتنظيمات المرتبطة بأجهزة الاستخبارات الأجنبية لاستهداف الرئيس والحكومة والساسة بتكتيكات جماعة غولن، وبدعم من دعاية وسائل التواصل الاجتماعي. من جهته، علق زعيم الحركة القومية دولت بهجلي بالقول إن أحداث العام 2013 انتهت بمحاولة تطبيق مخطط انقلاب في تركيا في 15 يوليو/تموز 2016، محذراً من وقوع شيء شبيه في حال لم يتم تدارك الأمر فوراً هذه المرة.

وقال نائب رئيس الاستخبارات العسكرية السابق في رئاسة الأركان التركية، إسماعيل حقي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن الصراعات الساخنة المباشرة أو الباردة المستترة داخل بُنية الدولة التركية، وبين مراكز القوى المختلفة فيها، هي واحدة من سمات الجمهورية التي يمكن ملاحظتها باستمرار طوال أكثر من قرن من عمرها، وبشكل خاص برزت هذه الصراعات في العقدين الأخيرين كما حدث مع جماعة غولن قبل سنوات قليلة فقط.

وأضاف حقي: “من تداعيات القضية دخول التحالف الحاكم في وضعية هجومية تسعى لكشف كل تفاصيل هذه التطورات والتعامل معها بشكل حاسم وسريع، بما لا يهدد بيئة وصورة الاستقرار السياسي التي يجري تصديرها للداخل والخارج”. وأشار إلى أن أردوغان وقيادة حزب العدالة والتنمية يتعاملان مع التطورات الأخيرة باعتبارها محاولة لتطبيق مخطط انقلاب في تركيا على نفس نمط أساليب جماعة فتح الله غولن.

من جهته، وضع الباحث في كلية العلوم السياسية بجامعة سكاريا نور الدين أحمد، في حديث لـ”العربي الجديد”، سيناريوهين للتكهن بالتطورات المنتظرة للفضيحة. وقال: “السيناريو الأول هو محاولة من تيارات منافسة للتحالف الحاكم لإضعافه أو السعي لتطبيق مخطط انقلاب في تركيا عليه مستقبلاً. فتكتيك الشاهد السري من أبرز تكتيكات جماعة غولن، المتهم الأول في سيناريو الهجوم الخارجي بما يشير إلى احتمالية وجود خلايا نائمة للجماعة في البيروقراطية التركية نجت من عملية التطهير الموسعة التي تمت في السنوات الأخيرة”.

ولفت أحمد إلى أن ما يحدث قد يكون أيضاً في إطار خطوات جديدة من التيار الأتاتوركي الوطني داخل الدولة على غرار منظمة أرغينكون سابقاً، وبالتالي قد تكون هذه الجهات الكمالية الوطنية تسعى لاستغلال هزيمة “العدالة والتنمية” الأخيرة بهدف إضعافه أكثر لصالح حزب الشعب الجمهوري بما يدفع البلاد إلى انتخابات مبكرة. ورأى أن سيناريو الهجوم الخارجي ضعيف نسبياً نظراً لأن “العدالة والتنمية” بعد 21 سنة في السلطة، تمكن على عدة مراحل من تصفية البيروقراطية التركية من القوى المعادية له.

أما السيناريو الثاني، حسب الباحث في جامعة سكاريا التركية، فهو صراع القوى بين نفوذ الحركة القومية داخل البيروقراطية الأمنية ووزير الداخلية علي يرلي كايا، خصوصاً في ظل محاولات الأخير فرض سيطرته على وزارة الداخلية، بما يقلل من نفوذ القوميين المتنامي، مع تركيزه اللافت على محاربة عصابات الجريمة المنظمة وأي ارتباطات لها بالدولة، وبالتالي فإن هذه المؤامرة والكشف عنها أيضاً يعتبرها البعض عملية مدبرة كهجوم مضاد ضد يرلي كايا لخلق مخاوف من تطبيق مخطط انقلاب في تركيا وإظهار ضعف سيطرة الوزير الجديد على الوزارة والدفع نحو إطاحته من الحكومة.

ورأى أن عدم شمل يرلي كايا في اجتماع أردوغان مع كالن وتونتش مؤشر سلبي ضده، عدا عن أن تصريحاته عقب هذه القضية يستشف منها شعوره بأنه يتعرض لهجوم ما، يدفعه لتأكيد عزمه العمل على حل هذه القضية. ورجح الباحث السيناريو الثاني، أي التنافس داخل وزارة الداخلية، لكونه أكثر تماسكاً من الأول بحيث إن احتماليته مرتفعة نسبياً. وتبقى هذه القضية غامضة بعد، لكنها متدحرجة بسرعة بحيث إنها من الممكن أن تؤثر على توازنات الحكومة والتحالف الحاكم وكذلك السياسة التركية بشكل عام.

Exit mobile version