مقالات و أراء

صراع بين النظام العالمي الغربي ونظام العالم الجديد. عودة الأمم الصبورة. تركيا دولة رائدة. لا يمكن إيقافها من الداخل أيضًا.

ستحدث تصفية الحسابات الأكثر حدة بالقرن الحادي والعشرين بين أولئك الذين يستثمرون في التغيير العظيم للعالم لإعادة بنائه وأولئك الذين يريدون الحفاظ على النظام العالمي القائم الذي وضعه الغرب.

 

 

كما سيحدد الصراع على السلطة بين “القوى الصاعدة” و “الدول المنهكة” خريطة القوى والنظام السياسي والاقتصادي والرفاهية في القرن الحادي والعشرين.

وسيشهد القرن الحادي والعشرون صراعات بين “النظام العالمي الجديد” و “النظام العالمي الغربي”، فستحدث تحولات في القوة وهزات قوية تمتد إلى العالم بأسره.

 

 

 

التحدي الكبير بعد مئات السنين

انهيار النظام العالم الغربي

إن هذه موجة تغيير أقوى بكثير من الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة التي أسفرت عن انتصار العالم الغربي، بل إنها جعلت النظام العالمي الغربي أقوى بكثير.

لكن الموجة هذه المرة تحدث على نطاق لم نشهده منذ مئات السنين عقب “الاكتشافات الجغرافية” وإعادة رسم خريطة العالم وبداية “الاستعمار الأوروبي” والهيمنة الأمريكية على العالم.

إننا نشهد عودة قوية بأطروحات وابتكارات وطموحات قديمة وعبارات جديدة لأولئك الذين لديهم جينات إمبراطورية وتلك الحضارات والهويات التي اضطهدها الغرب وكذلك الدول والثقافات الشرقية القديمة والقوى التي نشأت من الفراغ الذي خلفه تحول القوى في القرن الحادي والعشرين.

الأمر ليس متعلقا فقط بالهيمنة الأوروبية والأمريكية؛ بل إن هناك تحد كبيرا لنظامهم القائم وإدراكهم للعالم ونظام السلطة واللغة السياسية والفلسفة والتعريفات الجغرافية التي يضعونها وفلسفتهم بمجالي التكنولوجيا والدفاع ونظريات الأمن ومفاهيم الدفاع والنظم الاقتصادية / المالية والنظريات الجيوسياسية.

عودة الدول والأمم والهويات التي دمرها ونهبها وأقصاها الغرب

نشهد اليوم عودة كل القوى والحضارات والهويات التي سحقها الغرب ودمرها وأقصاها من التاريخ وجعلها تنسى وعيها. فتلك الدول التي احتلها الغرب واستغلها ونهبها وشل عقولها وسلبها قوتها تستيقظ من سباتها. وكذلك فإن بقية الدول التي يعتقد الغرب نفذ بها الغرب مجازر جماعية بل وظن أنه دمرها تماما تنهض مجددا بشكل أكثر قوة.

إن الدول والأمم والمجتمعات التي نهب الغرب ثرواتها ومص دماءها حتى العظام عادت للحياة من جديد.

قوة الكراهية الجشع الذي اجتاح العالم لمئات السنين

انهارت مخططاتهم للقرن الحادي والعشرين

إن هذا ليس تحديا صوريا، بل إنه تحول تاريخي / سياسي مسلح بموارده واقتصاده وتمويله وتقنيته وهويته الحضارية وقوته البشرية ومعرفته ومعداته وطموحاته الجيوسياسية وكراهية الجشع الذي اجتاح العالم لقرون من الزمان.

سيصبح تدفق العكسي للتاريخ، الذي استمر منذ تسعينيات القرن الماضي ووصل الآن إلى مرحلته النهائية، أكثر وضوحا مع الحركات الجيوسياسية التي أعقبت جائحة كورونا.

لقد انهارت مباشرة بعد الحرب الباردة جميع المخططات التي تهدف إلى إعادة بناء العالم المتمركز حول الغرب كمخطط “القرن الأمريكي الجديد” للولايات المتحدة الأمريكية. نعم، لقد غزوا الدول، لكن دائرة نفوذهم ضاقت وتراجع سطوتهم، ولتعجل موجات الاحتلال هذه وتيرة الانهيار أكثر.

الغرب يخسر كذلك آخر قلاعه

لن يستطيعوا مرة أخرى غزو آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط

عندما ننظر إلى النزاعات حول إفريقيا وطرق التجارة الجديدة في آسيا والشراكات الاقتصادية والسياسية داخل آسيا نفسها والصحوة السياسية للحزام الأوسط الإسلامي من إندونيسيا إلى المغرب والمواقف الجديدة للدول حول العالم ندرك أن هذه العاصفة صارت لا رجوع فيها، فمن الواضح أنها قادمة.

لن يستطيع الغرب وتحالف القوى الأطلسي غزو آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط مرة أخرى، فلا يمكن إقامة مثل هذا المستقبل مرة أخرى. ذلك أن الولايات المتحدة وأوروبا تخسران حصونهما الأخيرة في كل هذه المجالات.

تشهد إفريقيا تقلص مساحات النفوذ الفرنسي، كما تشهد جنوب آسيا تقلص مساحات النفوذ البريطاني، ويشهد الشرق الأوسط ومعظم مناطق العالم تقلص مساحات النفوذ الأمريكي.

هذه عودة “الأمم الصابرة” إلى مسرع التاريخ

هذا هو “العالم الصاعد”، أما هم فإنهم “منهكو القوى”

لقد جروا العالم إلى تصفية الحسابات هذهبغطرستهم وجشعهم اللامحدود وأنانيتهم التي رفضت تقاسم سلطة الأرض وثروتها وأفكارهم وما ارتكبوا من إبادات جماعية ضد الحضارات والهويات الأخرى ونهبهم المستمر.

والآن هو “وقت عودة الدول الصبور إلى مسرح التاريخ”، وهو ما يحدث بالفعل. فاليوم هم الذين يشعرون بالإنهاك ويدخلون في مرحلة من مراحل الانحدار بينما يشهد بقية العالم موجة صعود قوية. ولقد تغير تصور الغرب والإيمان به داخل أذهان الغالبية العظمى من البشر، وهو ما كان أكبر خسارة وربما أقوى سلاح سينتقم منهم.

الذين قالوا “الإسلام سيشهد صراعا داخليا” سيقولون “الغرب سيشهد صراعا داخليا”

سنرى في السنوات القادمة صراعات على السلطة داخل الغرب نفسه. كما نشاهد معارك بين النظام القائم وأولئك الذين يريدون تغيير العالم. لقد رأينا ذلك في الولايات المتحدة في الانتخابات الأخيرة، ونراه في فرنسا، كما نرى بوادر صراعات داخلية في جميع دول أوروبا تقريبا.

تنهار الآن جميع هياكل الأسطح التي أنشأوها بعد الحرب العالمية الثانية. فنرى ذلك في الاتحاد الأوروبي بخروج بريطانيا. ويبدو أن الوقت قد حان بالنسبة لأولئك الذين يروجون للفكرة التي تقول إن “الإسلام سيشهد صراعا داخليا” ليقولوا إن “الغرب سيشهد صراعا داخليا”.

تركيا دولة رائدة

يستهدفون تركيا من الداخل والخارج

لأنها عادت بطموحاتها

تعتبر تركيا إحدى الدول الرائدة لموجة تحول القوة والصحوة والمطالبات والطموحات التي يعيشها العالم. فقد عادت إلى عالم القرن الحادي والعشرين بعقلية الإمبراطوريات وطموحات عظيمة وعقلية إقليمية قوية وقوة تاريخية وإدراك للعالم.

لقد حاولوا كثيرا إيقاف هذا التحول، فجربوا كل الوسائل مثل الإرهاب والانقلاب والهجوم المباشر ومحاولة اغتيال القادة وتصفية الكوادر والانهيار الاقتصادي والتطويق من الخارج والداخل وبناء الجبهات على الحدود.

لقد شهدت تركيا أشرس صراع بين من يرغبون في حجز مكان لنفسهم في المركز ومن يريدون للنظام العالمي الغربي أن يستمر في وقت أعيد فيه تأسيس النظام الدولي. كما أن الولايات المتحدة وأوروبا تخوضان هذا الصراع بكامل طاقتها. لذلك فهم يستهدفون تركيا بالتعاون مع من يرغبون في أن يكونوا جزءا من المحور الغربي.

لن تستطيعوا إيقافنا بعدما فشلت في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا

تدافع المعارضة في كل بلد عن التغيير وعن كل جديد، أما في تركيا فيحدث العكس. فالحكومة تدافع عن التجديد والتغيير الذي يحدث على الساحة الدولية وتجهز تركيا لهذا العالم الجديد. أما المعارضة، التي أقاموا منها جبهة واحدة، فتحاول إعادة تركيا إلى حفرة القرن العشرين مجددا.

لكن لا يمكن للجبهة الداخلية أن توقف تركيا في الوقت الذي تعجز فيه أمريكا وأوروبا عن فعل ذلك. فهؤلاء يفوتون على أنفسهم فرصة اللحاق بركب المستقبل والتاريخ.

وبغض النظر عن رغبتهم أو رفضهم، فإن الماضي يجد طريقا للوصول للجميع. وها هو قد وجدنا لنكمل المسيرة من حيث توقفنا بغض النظر عن الجبهات “الأجنبية” التي ينضم لها أي طرف من الأطراف.

 

 

إبراهيم قراغول

زر الذهاب إلى الأعلى