مقالات و أراء

ضوء على العلاقات التركية العراقية

تمر العلاقات العراقية التركية بفترات مختلفة، بينها فترات من البرود وأحياناً من التوتر، ولكنها لم تشهد شوائب هامة تذكر تعكر صفوها، ويمكن اعتبار هذه العلاقة بانها علاقات طبيعية جداً مبنية على أساس الاحترام المتبادل بين الدولتين، ورغبة الجانبين على حل كل الأمور التي تعترض هذه العلاقة التاريخية والحفاظ دوماً على علاقة حسن الجوار. ومثلما يوجد هناك القاسم المشترك بين البلدين وهو وجود نهري دجلة والفرات، فان هناك ايضاً روابط اقتصادية مشتركة بينهما، وانطلاقاً من هذا الأساس فإن العلاقات يجب ان تكون في أفضل حالاتها وليس هناك خيار آخر، ويجب ان يعمل المسؤولين في البلدين على إبقاء هذه العلاقة بأفضل حالاتها.

فعلى صعيد العلاقات الاقتصادية بين تركيا والعراق، فقد تم تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي عام 2008، وبعدها بسنة واحدة تم توقيع اتفاقيات عديدة تجاوزت (48) اتفاقية في مجالات الأمن والطاقة والاقتصاد، واستمرت البضائع والسلع التركية بالتدفق الى السوق العراقية لسد الاحتياجات الضرورية وبشكل دائم. وبعد احتلال العراق عام 2003، وتوقف جميع المصانع والمنشآت الإنتاجية في العراق أصبح العراق سوقاً رئيسياً للمنتجات والصناعات التركية باعتبار ان تركيا أقرب البلدان جغرافيا، فضلا عن تطور الصناعات التركية وقبولها من قبل المستهلك العراقي، ولكون السلع التركية متميزة وتضاهي المصنوعات العالمية من حيث الجودة والسعر التنافسي، ووصل حجم التبادل التجاري خلال العام الماضي الى (30) مليار دولار سنويًا، في الوقت الذي كان فيه دون المليار دولار بين عامي 2003 و2004.

 

وهناك طموحات كبيرة عند الجانبين لتطوير العلاقة بينهما الى أكثر من تصدير النفط واستيراد سلع ومنتجات، لتشمل قطاعات أخرى مثل الطاقة والتعليم والثقافة والسياحة والمياه، ومجالات أخرى من شأنها أن تخدم المصالح المشتركة، ولتعود بالنفع والفائدة الى الطرفين.

وهنا لابد من الإشارة الى انه لا يمكن اغفال موضوع مياه نهري دجلة والفرات وحصة العراق من هذه المياه، حيث قامت تركيا ببناء سد ( اليسو) على نهر دجلة مما قلل حصة العراق من المياه، وقد شعر الجانب التركي بالحاجة الماسة للمياه في العراق هذه السنة تحديداً، وبسبب قلة تساقط الامطار في الأراضي العراقية ، فقام بإطلاق كميات إضافية من نهر دجلة الى العراق ، وتم تأجيل ملء حوض السد التركي (اليسو) بالمياه لفترة ما بعد حزيران الموعد الرسمي لملئه.

وبعيدا عن التعاون الاقتصادي والتجاري، فإن هناك جملة من الأمور التي تسعى اليها تركيا والعراق إلى حلها، ومن أبرز هذه الأمور هو الجانب الأمني، والذي هو ما يشغل الجانب التركي في الوقت الحاضر، مثل وجود عناصر حزب العمال الكردستاني (PKK) في جبال قنديل داخل الأراضي العراقية شمال العراق وقيامه ببعض الهجمات داخل تركيا، مما يعرض البلاد الى عدم الاستقرار، كما يمثل التنظيم الإرهابي حجر عثرة أمام انتشار القوات العراقية في كامل أراضيها، ويقلل من السيادة والاستقرار الأمني، رغم ان السلطات العراقية لا تسمح بأن تكون أراضيها مأوى لأي جماعات مسلحة تستهدف وحدة الأراضي التركية وتحت أي ذريعة، مما يستوجب وجود تعاون أمني مشترك بين البلدين ينهي الحوادث الحدودية ويمنع المتسللين لكلا الطرفين. وقد أعلن الرئيس التركي السيد رجب طيب أردوغان في مقابلة تلفزيونية يوم الخميس 7/6/ 2018 أن القوات التركية يمكن أن تشن “في أي وقت” عملية عسكرية في شمال العراق ضد القواعد الخلفية لمتمردي حزب العمال الكردستاني, وقال إن أنقرة لن تنتظر الموافقة من أحد لمواجهة أدنى تهديد لها مصدره العراق.

أما السفير التركي في بغداد فاتح يلدز فقد أعرب عن حرص بلاده على مساندة وحدة وسيادة العراق، وقال يلدز، ” نؤكد حرصنا على مساندة وحدة وسيادة البلاد على كافة أراضيه”. والى دعم بلاده للعملية السياسية في العراق”. أما الجانب العراقي فقد قال الجعفري وزير الخارجية ” ان العراق متمسك بإقامة أفضل العلاقات مع تركيا على أساس حُسن الجوار، ورفض تواجد أي قوات على أراضيه تقوم بزعزعة أمن واستقرار البلدين، والمنطقة”.

على العموم فان العلاقة التركية العراقية جيدة وتسير بشكل طبيعي وهي مهمة ومتعددة الجوانب، رغم انها مرّت ببعض التوتر في الآونة الأخيرة على مستوى بعض الملفات الثنائية، ورغم اختلاف وجهات نظر الطرفين بما يخص الأزمة السورية.

 

د. عبد السلام ياسين السعدي – خاص تركيا الآن

زر الذهاب إلى الأعلى