أخــبـار مـحـلـيـة

عقيلة أردوغان:لن نستكين فلدينا حلم اسمه فلسطين (مقابلة)

 

أشارت أمينة أردوغان عقيلة الرئيس التركي، إلى تواصل الجهود الرامية لتفعيل القضايا التي ناقشتها قمة إسطنبول مؤخرا بمشاركة عقيلات رؤساء دول وحكومات حول مستجدات الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، مؤكدةً بالقول: “لن نتعب ولن نستكين لأن لدينا حلم اسمه فلسطين”.

جاء ذلك في مقابلة مع مجلة “نيوزويك” الأمريكية قيّمت فيها الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على غزة، والعمل الذي سيقومون به بعد القمة التي انعقدت بإسطنبول في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بمشاركة قرينات رؤساء وممثلي دول وحكومات.

سؤال:

لديكم مشاركات في العديد من المشاريع الاجتماعية وخاصة المتعلقة بالمرأة والأطفال. بناءً على خبرتكم، كيف تقيمين الوضع في قطاع غزة في خضم هذه الحرب؟

– للأسف، شهدت البشرية خلال آخر ربع قرن العديد من الحروب والصراعات والدمار. إن جزءًا كبيرًا من هذه الأزمات الإنسانية حصلت في المناطق المجاورة لنا؛ حدث ذلك في جغرافيتنا المجاورة مثل البوسنة وسوريا وأوكرانيا وليبيا.

هناك حقيقة مؤلمة تظهرها لنا كل هذه الصراعات، وهي أن النساء والأطفال يتأثرون بشكل مباشر وغير متناسب بكل السلبيات التي تخلقها تلك الصراعات.

اليوم نشهد أشد عواقب الحرب خطورةً على النساء والأطفال، مع الهجمات التي تشنها إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في غزة.

جميعنا نشعر بالرعب والقلق الشديدين عندما تمطر إسرائيل الرصاص والقنابل على المدنيين في فلسطين، هذه أعمال عنف لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث.

منذ بداية الحرب قُتل نحو 11 ألف فلسطيني، 73 بالمئة منهم نساء وأطفال. ما هو السبب الشرعي الذي يمكن أن يمنح دولةً ما حق في تحويل سطح مدينةٍ إلى جحيم لكل كائن حي، ويحول تحت الأرض إلى مقبرة جماعية للأطفال؟ لست أنا من أقول ذلك فقط، بل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وأيضا متحدث منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” جيمس إلدر.

اليوم، يُقتل 5 أطفال كل ساعة في غزة، ويولد 7 أطفال بين وابل القنابل، طبيب يعمل في مستشفى الشفاء قال إن أصعب شيء هو كتابة “طفل مجهول X” على جثة طفل صغير ميت، وهو ما يلخص الرعب الذي يعيشه أطفال غزة. من كان يظن أننا في يوم من الأيام سنستخدم للأطفال مصطلح “المجهول” الذي يطلق على الجنود المجهولين؟!

فمن ناحية، تقصف إسرائيل المدارس والمستشفيات ودور العبادة ومرافق الأمم المتحدة وحتى الممرات الإنسانية، ما تسبب بسقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، ومن ناحية أخرى، تقصف 18 مستشفى من أصل 35 مستشفى في قطاع غزة. إذ باتت هذه المستشفيات غير صالحة للعمل بسبب هجمات إسرائيل وندرة الموارد.

بينما لا نزال نحمل في قلوبنا آلام الأطفال الخدج الذين فقدناهم عندما توقفت المعدات الطبية بسبب انقطاع الكهرباء في المستشفيات، نعلم أن إسرائيل تستهدف وحدات العناية المركزة بشكل مباشر. كما استهدفت مستشفى الصداقة التركية الفلسطينية الذي بنته تركيا في غزة. وحتى المؤسسات الصحية التي تعالج مرضى السرطان راحت ضحية القصف الإسرائيلي.

ولسوء الحظ، لا يوجد مكان آمن في المنطقة لسكان غزة الذين اضطروا للهجرة القسرية (من شمال القطاع إلى جنوبه) بغية إنقاذ حياتهم والبالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، ومن بين هؤلاء نساء حوامل وأمهات مع أطفالهن وأطفال ذوي احتياجات خاصة. هل يمكنك أن تتخيل مدى صعوبة ظروف الصراع بالنسبة لهؤلاء؟

بغض النظر عن مكان ولادتهم، لكل طفل الحق في العيش في منزل آمن ودافئ والحصول على تعليم جيد ورعاية صحية جيدة. نحن نؤمن أنه ينبغي أن لا يكون هناك أي فرق في الوصول إلى الحقوق والفرص بين أطفال فلسطين وأطفال أوكرانيا أو أوروبا أو أمريكا أو تركيا أو غيرها من البلدان.

سؤال:

منذ بداية الصراع، اتهم الكثيرون في العالم الإسلامي دولهم بعدم القيام بما يكفي لتلبية الاحتياجات الإنسانية لسكان غزة. ما هي الخطوات التي تتخذها تركيا لتخفيف معاناة الفلسطينيين هناك وما الذي تقدمه بالضبط؟

– لا يمكن وصف ما يحدث في غزة اليوم بأنه حرب. إنها دولة تتصرف وفق ردود فعل تنظيمية وتنتهج أسلوب العقاب الجماعي بأسلحتها التكنولوجية الحديثة دون التمييز بين الرجال والنساء والأطفال وكبار السن.

أقول رد فعل تنظيمي، لأن هناك قانون تلتزم به الدول المتحضرة حتى في الحروب. غير أننا نرى إسرائيل تنتهك بشكل متهور أبسط مبادئ قانون الحرب في فلسطين، مثل عدم التمييز والرد المتناسب وعدم استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.

من الواضح أن إسرائيل ترتكب في فلسطين ممارسات ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية وتنتهك القيم الإنسانية العالمية والقانون الدولي.

لا يمكننا أن ننظر إلى هذه الوحشية باعتبارها مشكلة تخص فلسطين، أو بلدان المنطقة أو البلدان الإسلامية فقط. إن القيم العالمية المشتركة والقانون الدولي الذي تنتهكه إسرائيل اليوم بشكل سافر، اكتسبت نتيجة حروب وخسائر كبيرة كانت إسرائيل ذات يوم ضحية لها.

ولكي لا نتعرض لنفس الألم والخسائر مرة أخرى ولمنع تكرار نفس الكوارث، تم حظر استخدام العنف وتم إضفاء الطابع المؤسساتي على القواعد التي يجب اتباعها حتى في الحرب. لكن إسرائيل تلحق جراحاً لا يمكن علاجها في الضمير العالمي من خلال استهداف هذه القيم المشتركة والقانون بكل قنبلة تسقطها على غزة.

علينا أن نسأل الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي والمسؤولين عن حماية السلام والنظام والأمن في العالم ومسؤولي الأمم المتحدة والدول الغربية التي تدعي أنها المدافعة عن القيم العالمية، ماذا تنتظرون لضمان وقف إطلاق النار وإيصال مساعدات إنسانية إلى المنطقة بشكل عاجل؟ ماذا تنتظرون لوقف هذه الأزمة التي تهدد أمن العالم أجمع؟.

في صراع تم فيه استهداف المدنيين بشكل علني وعلى نطاق واسع، هناك أعضاء دائمون بمجلس الأمن قالوا لا لدعوة وقف إطلاق النار التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبينما التاريخ حافل بأمثلة على مجازر وحروب كبرى كان من الممكن منعها، لماذا تتهرب هذه الدول التي تمتلك القدرة على وقف الأزمة من تحمل المسؤولية؟ أريد أن أقول بصراحة ووضوح، لا توجد أيديولوجية ولا مصلحة سياسية ولا مكاسب اقتصادية أكثر قيمة من حياة شخص بريء.

من ناحية أخرى، لم تقتصر أهداف الهجمات الإسرائيلية على المسلمين والمساجد فقط، فالمسيحيون واليهود في غزة بالإضافة إلى أماكن عبادتهم ضحايا للقنابل الإسرائيلية. ليصبح كل صاحب ضمير في الشرق أو في الغرب مدافع عن قضية فلسطين العادلة في مواجهة هذه المظالم الواضحة.

في العديد من البلدان، حتى لو كانت الحكومات لديها سياسة مختلفة، يجتمع الملايين من الناس في الشوارع والميادين والجامعات للرد على هذه الوحشية. لأن آلاف الأشخاص الذين لا نعرف ديانتهم، يُقتلون في فلسطين.

نحلم بعالم لا نميز فيه المظلومين والأبرياء واللاجئين والمحتاجين على أساس الاختلافات الدينية أو اللغة أو العرق، نريد عالماً نتعامل فيه مع الجميع على قدم المساواة والعدل. نحن في تركيا قلوبنا تنبض من أجل الشعوب المضطهدة أينما وجدوا في العالم. ونحن مستمرون في بذل جهود مكثفة لوقف الهجمات بكل مؤسساتنا ووسائلنا.

وأنا كزوجة زعيم دولة، أجريت مكالمات هاتفية مع عقيلات قادة العديد من البلدان حول العالم وناقشنا ما يمكننا القيام به، خاصة فيما يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المنطقة. وباعتبارنا زوجات قادة، لدينا صوت قوي على المستوى الفردي، وصوت أقوى عندما نجتمع معًا. لقد عقدنا قمة “قلب واحد من أجل السلام في فلسطين” في إسطنبول يوم 15 نوفمبر، وقلنا إن أصواتنا يجب أن تكون صوت الفلسطينيين ونداء الإنسانية. وفي نهاية القمة، ظهرنا كزوجات 19 من القادة وممثلي البلدان أمام الصحافة العالمية ووجهنا نداء مشتركا إلى المجتمع الدولي من أجل وقف فوري لإطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى المنطقة.

أحضرنا في السابق قرابة 1500 طفل أوكراني إلى تركيا، بعضهم من ذوي الاحتياجات الخاصة ممن تأثروا بالحرب، وما زلنا نلبي جميع احتياجاتهم من خلال مؤسساتنا. لقد بدأنا مبادرة مماثلة مع وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية لدينا لجلب الأطفال الذين فقدوا أسرهم في غزة. أنا شخصياً أتابع العملية عن كثب.

من ناحية أخرى، أرسلت تركيا حتى الآن 10 طائرات مساعدات إنسانية تجاوزت حمولتها 230 طنًا إلى مطار العريش. وتستمر استعداداتنا لإرسال سفينتين مدنيتين للمساعدات الإنسانية إلى المنطقة.

وفي وقت سابق، وصل إلى مصر سفينة كبيرة تحمل 50 حاوية مليئة بمعدات المستشفيات الميدانية وإمدادات طبية وإغاثية أخرى. وتحمل السفينة التي غادرت إزمير مؤخراً حوالي 500 طن من مواد الإغاثة لتسليمها إلى غزة. وتضم السفينة معدات وأدوية وأجهزة طبية و8 مستشفيات ميدانية و20 سيارة إسعاف ومستلزمات طبية أخرى.

وستواصل بلادنا جهودها لتقديم كافة أنواع الدعم للشعب الفلسطيني في نطاق جهود المساعدات الإنسانية، ولا بد لي من التأكيد على أن تركيا هي الدولة الأساسية في حل الأزمات والمشاكل في المنطقة. وفي هذا السياق، نحن على استعداد لبذل الجهود اللازمة، بما في ذلك الضمانات، للحفاظ على السلام الذي سيتم إحلاله.

أريدكم أن تعلموا أننا مصممون على بذل كل ما بوسعنا لضمان أن يعيش الفلسطينيون بحرية وأمان في أرضهم. إننا نتوقع، وينبغي لنا أن نتوقع نفس الحساسية والنهج ليس فقط من المسلمين، بل أيضًا من كل دولة تتمتع بالضمير.

سؤال:

هناك انتقاد آخر كثيرا ما نسمعه وهو أن مثل هذه المساعدات تنطوي على خطر دعم “حماس” وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة في غزة. هل لدى تركيا إجراءات لضمان وصول هذه المساعدات إلى المدنيين؟

– خلال 40 يوما فقط، أسقطت أكثر من 25 ألف طن من القنابل على غزة التي يعيش فيها 2.5 مليون نسمة وتبلغ مساحتها 365 كيلومترا مربعا، وهي المدينة التي بها أكبر عدد سكان في العالم من حيث المساحة. هذه الكمية من القنابل تعادل قنبلتين ذريتين.

إن مناقشة إرسال المساعدات الإنسانية إلى مثل هذه المنطقة التي لا تعمل فيها المستشفيات والبنية التحتية، ولا يوجد مكان للمأوى فيها، تظهر افتقارًا خطيرًا إلى المنظور الضميري.

إن المساعدات الإنسانية التي تعارضها إسرائيل بسبب ادعاءاتها غير الواقعية والتي لا أساس لها من الصحة بأنها تذهب إلى “حماس”، ليست خياراً بالنسبة للفلسطينيين الأبرياء الذين تستهدفهم، بل هي مسألة حياة أو موت.

إذا لم تكن لدى إسرائيل خطة لإجبار الفلسطينيين في غزة على الهجرة ومن ثم اغتصاب أراضيهم، وإذا كانت ترغب في العيش بسلام مع الفلسطينيين وفقا لقرارات الأمم المتحدة والاتفاقات الموقعة حتى الآن، فينبغي عليها أن تظل ملتزمة بحماية حقوق الفلسطينيين أكثر من كراهيتها لـ”حماس”.

لكن للأسف، فإن التصريحات التي صدرت على أعلى المستويات، والهجمات التي نفذت بادعاءات كاذبة، وجرائم الحرب التي ارتكبوها حتى الآن، تظهر أن إسرائيل تسعى إلى الحرب والصراع والمكاسب السياسية والعسكرية بدلاً من السلام.

إنهم يظهرون عقلية تمييزية وانتقامية وبغيضة تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم ​​تمامًا وتقلل من قيمة أولئك الذين ليسوا مثلهم.

فوزير الدفاع الإسرائيلي الذي يشن هذه الحرب يشبّه الفلسطينيين بـ “الحيوانات”، ووسائل الإعلام الغربية لا تناقش الجرائم التي يرتكبها هؤلاء الأشخاص بقدر ما تناقش إمكانية وصول المساعدات الإنسانية المرسلة إلى فلسطين، ليد حركة “حماس”.

وإذا كنا نسعى إلى سلام عادل ودائم ومستدام، علينا أن نقدم للشباب الفلسطيني إمكانية تحقيق مستقبل كريم وإنساني، بدلاً وضعهم بين خياري الموت أو القتل. أي نوع من الحلم في المستقبل يمكن أن يكون لطفل دمرت الصواريخ منزله، وتعرضت منشأة الأمم المتحدة التي لجأ إليها للقصف، وفقد أسرته في الهجمات، وليس لديه مكان آمن يذهب إليه، ولا يستطيع حتى العثور على مأوى أو مستشفى ليتعالج فيه.

كيف يمكن أن يكون رد فعل شاب شاهد كل هذه القسوة الرهيبة والذي حُرم من أبسط حقوق الإنسان؟ كيف يمكن لشاب فلسطيني محاط بالألم والخسارة والموت ألا يختار العنف رداً على ذلك؟ إن الكلمات التي قالها الزعيم الحكيم علي عزت بيغوفيتش: “سوف نسعى لتحقيق العدالة، وليس الانتقام” بسبب الفظائع التي ارتكبت في البوسنة، تشير إلى سر السلام الدائم.

علينا أن نقف ضد العقلية المظلمة التي تعوض الخسارة الواحدة بقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص آخرين، ونعمل على إحلال السلام العادل للجميع في المنطقة. وسبيل ذلك واضح وهو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وعلى أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

تركيا على استعداد للقيام بأي واجب يقع على عاتقها في هذه المرحلة. ونسعى حاليًا إلى القيام بدور قيادي في المبادرات مع المجتمع الدولي لوقف الأزمة الإنسانية في فلسطين وزيادة تعاوننا مع دول المنطقة، وخاصة مصر.

وفي هذا السياق، وبالتعاون مع المنظمات الدولية، سنحشد كل الفرص المتاحة لنا لضمان وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن ومن ثم إعادة بناء غزة بطريقة يمكن أن تبشر بمستقبل مفعم بالأمل لأطفالها وشعبها.

سؤال:

الولايات المتحدة الأمريكية دعت أيضا إلى زيادة المساعدات الإنسانية لغزة، لكنها زادت أيضًا مساعداتها العسكرية لإسرائيل. هل ترون أن دور واشنطن في هذا الصراع أكثر فائدةً أم ضرراً؟

– في وضع مظلم مثل الوضع الذي نعيشه اليوم، ينبغي على جميع الجهات الدولية الفاعلة أن تعمل على ضمان وقف دائم لإطلاق النار في غزة في أقرب وقت ممكن، وإيصال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل إلى الشعب الفلسطيني. جميع المنظمات الدولية مثل مكاتب الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية ومنظمات الصحة الدولية تؤكد خطورة الوضع الحالي في غزة.

وفي حين أن هذه الوحشية وهذه المجزرة واضحة بالصور والأدلة، فإن تأجيج نار الصراع الذي يحرق الأطفال وإرسال المزيد من الأسلحة والمزيد من القنابل والمزيد من السفن الحربية إلى المنطقة، ما هو إلا تواطؤ في هذه المذبحة.

إن الصواريخ التي ترسلها الولايات المتحدة إلى إسرائيل تستهدف المستشفيات والأطفال حديثي الولادة في حاضنات العناية المركزة والمدارس والمساجد والكنائس وسيارات الإسعاف التي تنقل المرضى ومخيمات اللاجئين. من يستطيع أن يدعي أن واشنطن لعبت أي دور مفيد في الصراع بعد تورطها في هذه الفظائع؟ وهل هناك أي مثل أعلى يمكن للولايات المتحدة والعالم الغربي أن يعدا به العالم بعد الآن؟.

وبينما تفرض إسرائيل حصارا مشددا على غزة وتكثف قصفها وتأتي الإدانات من دول غير غربية، فإن الدعم الثابت لتل أبيب من قبل زعيم دولة تقدم نفسها كزعيم للغرب، يؤدي إلى تعميق العداء الإسرائيلي – الفلسطيني ويشكل تهديدا للسلام والنظام العالميين.

إن زيادة الولايات المتحدة تواجدها العسكري في المنطقة، تصعد مخاطرة انتشار الصراع إلى لبنان وسوريا والمناطق المجاورة الأخرى، وتشجع إسرائيل على أن تصبح أكثر جرأة في جرائمها ضد الشعب الفلسطيني وزيادة محاولاتها لتهجير ملايين الأشخاص قسراً.

رغم كل هذا، لدينا أسباب لإبقاء الأمل حيا على المستوى العالمي. واليوم، ينمو لدى الرأي العام الغربي وعي سياسي ضد وحشية إسرائيل رغم كل محاولاتها الدعائية المباشرة وغير المباشرة، وتُنظّم مظاهرات كبيرة ضد إسرائيل في العواصم الغربية.

إن هذه المظاهرات هي صوت الضمير العالمي، لا يمكن إسكات هذا الصوت. إننا نتوقع من كل دولة تريد السلام العادل والدائم في المنطقة والعالم أن تستمع إلى هذا الصوت المتصاعد من الشعب بدلا من إسكاته. ويجب عليهم حشد كافة الوسائل المتاحة لهم لوقف الصراعات.

سؤال:

في الأسابيع الأخيرة، شهدنا تصاعد التوترات بين تركيا وإسرائيل وسحب كلا البلدين سفيريهما. فهل يكون لهذه التطورات تأثير على قدرة تركيا على تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهل أنتم قلقون من أن إسرائيل قد تسعى إلى تقييد هذه الجهود، كما حدث في واقعة أسطول الحرية (مافي مرمرة) عام 2010؟.

– موقف تركيا بشأن القضايا الإنسانية موقف مبدئي، إن تراجع العلاقات الدبلوماسية لهذا الحد مع دولة ترتكب مجزرة ممنهجة تستهدف الأطفال غير المفطومين وأمهات الأطفال والمدنيين دون تردد وتعلن هذا الوضع دون أي علامات خجل، يجب أن يكون تطوراً متوقعاً لكل دولة لديها ضمير وحس وجداني.

ومع ذلك، فإن تركيا، تعتبر وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية دون انقطاع بمثابة أولوية مهمة. لا نريد وقفاً لإطلاق النار لبضع ساعات، بل وقف دائم. وعلى حد تعبير المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، فإن قرار وقف الهجمات الإسرائيلية لمدة 4 ساعات بعد الوحشية التي شهدناها منذ أسابيع، هو حقا “مضحك وظالم”.

أرى أنه من واجب الإنسانية العمل على ضمان وصول منظمات المساعدة الإنسانية إلى غزة دون عوائق. وفي حين شبه متحدث مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة شمال غزة بالجحيم، فإن كل مبادرة مساعدات لا يمكن إيصالها إلى المنطقة يجب أن تشكل مشكلة ليس فقط للدولة التي تقدم المساعدات، بل للإنسانية جمعاء.

وباعتبارنا أحد أعضاء المجتمع الدولي، فإننا نطالب بإعطاء الأولوية لرفاهية السكان المدنيين في غزة وبأن تصل المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين دون عوائق. ونعتقد أنه ينبغي ممارسة الضغط على إسرائيل من أجل ذلك. تركيا ستواصل موقفها المبدئي مهما كان، وستعمل على إرسال المساعدات الإنسانية لغزة تحت كل الظروف، وأعتقد أن الإنسانية ستنتصر في النهاية.

سؤال:

مع استمرار ارتفاع عدد القتلى في فلسطين، هناك مخاوف من أن المساعدات الإنسانية لن تكون ذات فائدة للفلسطينيين إذا استمر الصراع في التصاعد وسيطرت إسرائيل على غزة، كما صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. هل لديكم أو لدى الرئيس خط أحمر فيما يتعلق بتصرفات إسرائيل والوضع في غزة، وما هي الأدوات الأخرى التي يمكن أن تستخدمها تركيا لدعم وضع سكان غزة؟.

– الخط الأحمر لكل إنسان ذي ضميري حي، يجب أن يكون حياة شخص بريء أُخذ بجريمة لم يرتكبها، أو دمعة طفل، أو صرخة طفل يقول “أريد أن أعيش”.

بالنسبة للمجتمع الدولي، كان ينبغي لنا جميعا أن نعتبر بأن الخط الأحمر تم تجاوزه عندما أُسقطت الأسلحة الكيميائية على الأطفال، وعندما تم استهداف التجمعات المدنية، بما في ذلك منشآت الأمم المتحدة، وعندما صرخ عمال الإغاثة الإنسانية الذين كان علينا حمايتهم.

حسب معتقدنا، فإن موت شخص بريء يعادل “موت الإنسانية”. أي خط أحمر يمكن أن نتحدث عنه عندما ندفن إنسانيتنا مع إخواننا الفلسطينيين الذين يقتلون واحدا تلو الآخر؟ وهنا علينا أن نسأل المجتمع الدولي: أين الخط الأحمر للإنسانية؟ ما هي عتبة الموت المتوقعة لوقف هذه الفظائع؟ إننا نواجه صمت المجتمع الدولي في مواجهة الهجمات المستمرة منذ أسابيع.

تركيا سوف تدافع عن التفاهم العالمي الذي يحتضن الناس بالرحمة ويعتبرهم ذوي قيمة بطبيعتهم، بغض النظر عن لغتهم أو دينهم أو عرقهم. وستتخذ كل الخطوات اللازمة لبناء الثقة والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم.

لن نتعب ولن نتوقف. لأن لدينا حلم اسمه فلسطين. نحلم برؤية الأطفال الفلسطينيين وهم يركضون على شواطئ غزة يداً بيد بغض النظر عن دينهم أو عرقهم. نحلم أن يتمكن أطفال الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة من تقاسم نفس المائدة بسلام وهدوء.




زر الذهاب إلى الأعلى