أخــبـار مـحـلـيـة

فاز أردوغان بولاية ثالثة.. ما تأثير نتائج انتخابات تركيا على علاقاتها مع العرب والغرب وروسيا؟

فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية ثالثة في الانتخابات التركية الأهم خلال قرن، بعد أن حسم جولة الإعادة على حساب كليجدار أوغلو، مرشح المعارضة، وتردد صدى النتيجة في العواصم العالمية والإقليمية على الفور.

ويطرح هذا الفوز تساؤلات عديدة بشأن علاقات تركيا الخارجية: فكيف ستكون علاقة تركيا أردوغان مع الغرب وحلف الناتو وأمريكا؟ وماذا عن العلاقات مع روسيا؟ وكيف سيؤثر ذلك على ملف اللاجئين السوريين والعلاقات مع نظام بشار الأسد؟ وماذا عن العلاقات مع دول الخليج ومع مصر وباقي الدول العربية؟

كانت تركيا قد شهدت حدثاً انتخابياً فريداً تمثل في تأجيل حسم الفائز بمنصب الرئيس إلى جولة الإعادة للمرة الأولى. وكانت الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والتي أُجريت الأحد 14 مايو/أيار، قد شهدت تقدم تحالف الجمهور، الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الحاكم برئاسة أردوغان، الانتخابات البرلمانية لصالحه، على حساب تحالف الأمة المعارض، الذي يقوده حزب الشعب الجمهوري برئاسة كليجدار أوغلو.

وانتظر الأتراك والعالم حتى الأحد 28 مايو/أيار، حين أجريت جولة الإعادة، لمعرفة هوية الرئيس الذي سيحكم البلاد لولاية مدتها 5 سنوات، وهو ما تأكد مساء نفس اليوم بعد إعلان النتائج الرسمية فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بنسبة 52.16% وخسارة كليجدار أوغلو، الذي حصل على 47.84% من أصوات الناخبين.

متابعة عالمية للانتخابات التركية

حظيت انتخابات تركيا 2023 بمتابعة دقيقة ومستمرة، ليس فقط داخل البلاد ولكن خارجها أيضاً؛ نظراً للأهمية الكبيرة التي تمتعت بها. وكانت هذه الأهمية حاضرة منذ مطلع العام الجاري، حيث نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريراً عنوانه “الانتخابات الأهم في العالم خلال عام 2023 ستكون في تركيا”، ألقى الضوء على الأسباب والملابسات التي تجعل ذلك السباق الانتخابي بهذه الأهمية، ليس فقط لتركيا، ولكن للعالم أيضاً.

فما قرره الناخبون الأتراك لن يتعلق فقط بمن سيحكم البلاد، لكن بكيفية الحكم أيضاً، والمسار الاقتصادي الذي ستسلكه تركيا، ودورها في تخفيف حدة الصراعات العالمية والإقليمية، مثل الحرب في أوكرانيا، والاضطرابات في الشرق الأوسط.

كما أن نتائج الانتخابات التركية سيكون لها تأثير مباشر على صياغة الحسابات الجيوسياسية في واشنطن وموسكو، إضافة إلى عواصم في أوروبا والشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا أيضاً. ولا شك أن الدور والتأثير التركي في الشؤون الدولية يمثل شهادة على إنجازات أردوغان خلال عقدين من وجوده على رأس السلطة في البلاد، ورغم ذلك فإن سعي المعارضة التركية للإطاحة بالرئيس صادف هوى الغرب بشكل لافت، وانعكس ذلك في التغطية الغربية الإعلامية للانتخابات.

فقبل الجولة الأولى، كانت استطلاعات الرأي الغربية والتحليلات تعطي الأغلبية البرلمانية للمعارضة وتضع كليجدار أوغلو في مقدمة السباق الرئاسي، لكن خلال الأسبوعين السابقين على جولة الحسم، تبدلت الآراء والتوقعات وبدا واضحاً أن بوصلة التوقعات الغربية قد أُجبرت على الاعتراف بالواقع على الأرض، والذي تمثل في قناعة غالبية الأتراك بالرئيس أردوغان وحكومته وبرامجه، رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد.

ولم تكن تلك الأوضاع الصعبة غائبة عن خطاب النصر، الذي ألقاه أردوغان للشعب التركي ككل؛ حيث شكر الجميع على المشاركة في التصويت والحفاظ على الديمقراطية، مؤكداً أن الوقت حان لتركز كل الجهود لإعادة بناء المنازل المتضررة من الزلزال ومحاربة التضخم ورفع الإنتاج. 

من الاحتفالات أمام منزل الرئيس في إسطنبول – الأناضول

ففي خطابه للجماهير المحتشدة أمام المقر الرئاسي بأنقرة احتفالاً بالفوز، قال الرئيس الفائز بولاية جديدة: ” لم تخيبوا آمال تحالف الجمهور وقد أوكلتم إلينا المهمة مجدداً، وسنستمر في بناء مئوية تركيا”، واعتبر أن “الفائز في هذه الانتخابات هو تركيا والديمقراطية وشعبنا بكل أطيافه. الانتخابات انتهت، وعلينا الآن أن نسخّر جهودنا للإنتاج وتوفير الخدمات للشعب وتضميد جروح ضحايا الزلزال”. 

وأضاف أردوغان: “كافة العراقيل التي واجهتها تركيا حتى يومنا هذا وكافة السلاسل التي ضربت على أقدامها كانت بهدف عرقلة هذا اليوم بالتحديد”، في إشارة إلى “المجلات والصحف الأوروبية التي استهدفت الرئيس خلال الفترة الماضية”. 

ماذا عن تأثير نتائج الانتخابات على سياسات تركيا الخارجية؟

يشير الانتصار الذي حققه الرئيس أردوغان وحزبه العدالة والتنمية إلى استمرار السياسات الرئيسية التي انتهجها الرئيس خلال رئاسته، خصوصاً بعد ضمان الائتلاف الحاكم أغلبية مريحة، بحسب منصة “أسباب” المعنية بالتحليل الاستراتيجي والسياسي؛ إذ لا يزال حزب العدالة والتنمية هو الحزب الأكثر تمثيلاً في عموم تركيا، وهي ميزة لا يتمتع بها أي حزب آخر من الأحزاب التركية، وتعكس عمق القاعدة الداعمة للحزب وسياساته.

ملف اللاجئين

وتهيمن التوجهات المحافظة على تفضيلات الناخبين الأتراك، وهو عامل مهم في توجيه السياسة الخارجية التركية المقبلة، حيث ستكون الحكومة الجديدة مطالبة بتأكيد السياسات التي تلبي توجهات القاعدة المحافظة، خاصة الالتزام بخطط إعادة اللاجئين السوريين بما يتطلب التطبيع مع نظام الأسد، ومواصلة المواقف الخارجية الحاسمة ومواجهة الضغوط الغربية، بالإضافة للمُضي قدماً في مشروعات الصناعات الدفاعية التي باتت تمثل واحدة من علامات الفخر الوطني.

بشأن عودة ملف اللاجئين السوريين إلى بلادهم، كان الرئيس أردوغان قد أعلن أن حكومته ستبني مساكن لإعادة نحو مليون لاجئ سوري إلى بلدهم بطريقة آمنة، رافضاً دعوات المعارضة التركية إلى طردهم فوراً بشكل جماعي.

العلاقة مع الغرب وحلف الناتو

وبشكل عام يمثل استمرار حكم أردوغان لسنوات خمس مقبلة تعزيزاً لمسيرة الصعود التركي كقوة دولية لها ثقلها واستقلالية قرارها، والتي يعمل فيها الرئيس على إرساء نهج خارجي متوازن تكون تركيا فيه عضواً فاعلاً في حلف الناتو، لكنّها مستقلة عن النفوذ الغربي ودون أن تكون معادية له بالضرورة.

لذلك؛ من المتوقع أن تواصل علاقة تركيا أردوغان مع الغرب تسجيل موجات من التوتر بين الجانبين. مع الإشارة هنا إلى أن تركيز الحكومة التركية الجديدة المتوقع على أولوية تحسين الاقتصاد سيجعل أنقرة أكثر ميلاً لاحتواء التوترات الخارجية عموماً.

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تحليلاً عنوانه “هل يؤدي فوز أردوغان إلى تخفيف معارضة تركيا لانضمام السويد إلى الناتو”، توقع أن يسعى الرئيس في ولايته الجديدة إلى تخفيف حدة التوترات مع الغرب، مع الحفاظ في الوقت نفسه على استقلالية القرار التركي، وهي السياسة ذاتها التي اتبعها بنجاح قبل الانتخابات الأكثر أهمية في تاريخ البلاد الحديث.

فمعارضة الرئيس أردوغان الشرسة لانضمام السويد إلى الناتو وجدت صدى إيجابياً واسعاً على المستوى القومي في تركيا، وانعكس ذلك في صناديق الاقتراع، إضافة إلى دور القوة الوسيطة في الصراع بين الغرب وروسيا منذ بداية الهجوم على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة” بينما يصفه الغرب بأنه “غزو عدواني غير مبرر”.

تركيا الناتو
القمة الرباعية في مدريد بين تركيا والسويد وفنلندا والناتو – getty images

فتركيا أردوغان اتخذت موقفاً محايداً في الصراع، وهو ما مكّنها من لعب دور أساسي منذ بدايتها، وكادت جهود الوساطة التركية أن تنهي الحرب بعد اندلاعها بأشهر قليلة، حين تمكن وفدا موسكو وكييف من التوصل لاتفاق سلام بالفعل، لكن زعماء غربيين، خصوصاً الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق بوريس جونسون، مارسوا ضغوطا كبيرة على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لرفض الاتفاق ومواصلة الحرب، حسبما أفادت تقارير إعلامية غربية لاحقاً بعد ضياع الفرصة.

كما لعبت تركيا الدور الأكبر في توقيع وتمديد اتفاقية الحبوب، التي تسمح بمرور شحنات الحبوب من أوكرانيا إلى الأسواق العالمية، ولولا ذلك الاتفاق لعاني عشرات الملايين من الجوع ولواصلت أسعار الغذاء العالمية ارتفاعاتها الجنونية، كون روسيا وأوكرانيا تمثلان معاً نحو 30% من تجارة الحبوب العالمية.

الآن وبعد التفويض الذي حصل عليه الرئيس أردوغان داخلياً، بفوزه في الانتخابات، سيصبح أكثر قدرة على مواصلة نفس المسار السياسي فيما يتعلق بالعلاقات التركية مع كل من روسيا والغرب، مع السعي لتخفيف التوترات كلما كان ذلك ممكناً لتحقيق مصالح تركيا الاقتصادية والسياسية.

إيان ليسر، خبير الشؤون التركية، قال لنيويورك تايمز: “انتصار أردوغان (الانتخابي) هام للغاية بالنسبة للمجتمع وللسياسات التركية، لكنه لن يمثل عامل اضطراب بالنسبة للسياسة الخارجية”، مضيفاً: “أرى أن العلاقات المتوترة مع الغرب ستكون أقل توتراً”.

ماذا عن علاقات تركيا العربية؟

من المرجّح أن تعطي نتائج الانتخابات التركية 2023 دفعة لسياسة تركيا تجاه دول المنطقة العربية، والتي تستهدف تعزيز التعاون والحد من الخلافات، خاصة وأن دول الخليج ستكون لها أهمية متزايدة في حسابات تركيا الإقليمية. وستكون دول الخليج في المقابل أكثر حماسة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية بعد أن أظهرت الانتخابات أن أردوغان ما زال رجل تركيا القوي.

وفي هذا السياق، كان أردوغان قد حدد الخطوط العريضة لعلاقات بلاده مع المنطقة العربية، فلم يستبعد التصالح مع نظام بشار الأسد في دمشق، لكنه أعلن رفضه الانسحاب من شمال سوريا. 

أما السعودية ومصر والإمارات وقطر، فيرى أردوغان أنها دول شقيقة وتعهد بتطوير العلاقات مع دول الخليج في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتجارية والثقافية.

السعودية
قمة جامعة الدول العربية في جدة / رويترز

ويشير التحليل لنتائج الانتخابات إلى أن العامل القومي سيكون عاملاً مهماً في توجيه السياسة الخارجية التركية؛ حيث ستكون حكومة الرئيس أردوغان المقبلة مطالبة بتأكيد السياسات التي تلبي توجهات القاعدة الانتخابية المحافظة، وهو ما يعني المُضي قُدماً في خطط إعادة اللاجئين السوريين بما يشمل التطبيع مع نظام الأسد.

كما أنه من المرجح أن تعطي نتائج الانتخابات دفعة لسياسة تركيا تجاه دول المنطقة والتي تستهدف تعزيز التعاون والحد من الخلافات، خاصة أن دول الخليج سيكون لها أهمية متزايدة في حسابات تركيا الإقليمية في ظل أنها مصدر مهم للاستثمارات، وفي نفس الوقت سوق مهمة للشركات المدنية والعسكرية التركية. 

وستكون دول الخليج في المقابل أكثر حماسة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية بعد أن أظهرت الانتخابات أن أردوغان ما زال رجل تركيا القوي. في حين أننا قد نشهد خطوات أسرع في مسار التطبيع مع مصر التي ربما كانت متحفظة في الأشهر الماضية في انتظار نتائج الانتخابات.

وماذا عن روسيا؟

أما فيما يتعلق بروسيا، فقد شدد أردوغان على أنه لا مشاكل بينها وبين أنقرة، وأن بلاده لن تلجأ إلى فرض عقوبات على موسكو، كما فعل الغرب، وفي الوقت نفسه عبرت رسالة التهنئة التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نظيره التركي بعد فوز الأخير مباشرة عن المعنى ذاته.

إذ هنأ بوتين “صديقه العزيز” أردوغان، قائلاً إن الفوز دليل على تقدير الشعب التركي للسياسة الخارجية المستقلة التي ينتهجها الرئيس، وقال الكرملين إن بوتين وجه رسالة لأردوغان قال فيها إن “الفوز في الانتخابات كان نتيجة طبيعية لعملكم المتفاني كرئيس للجمهورية التركية، وهو دليل واضح على دعم الشعب التركي لجهودكم في تعزيز سيادة الدولة وإدارة سياسة خارجية مستقلة”.

روسيا أوكرانيا أمريكا طائرات إف-16
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – رويترز

وأضاف بوتين: “نحن نقدر بشدة إسهامك الشخصي في تعزيز العلاقات الروسية التركية الودية والتعاون الثنائي المثمر في مختلف المجالات”. كما أشار الرئيس الروسي إلى أنه يعلق أهمية كبيرة على المشروعات المشتركة؛ مثل محطة أكويو للطاقة النووية في تركيا، والتي تشيدها شركة روساتوم الحكومية الروسية للطاقة، وإنشاء مركز الغاز الذي اقترحه بوتين في تركيا.

فعلى الرغم من أن الصعود التركي يزاحم أيضاً النفوذ الروسي في البحر الأسود والقوقاز وآسيا الوسطى، إلا أن موسكو ما زالت ترى في الصداقة مع أنقرة فوائد جيوسياسية مهمة في ظل العزلة الغربية التي تفرضها عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على خلفية حرب أوكرانيا.

العلاقة مع أمريكا

في الوقت الذي قد لا تشهد الخطوط العريضة للعلاقات بين أنقرة وواشنطن تغييرات جوهرية خلال السنوات الخمس المقبلة من حكم أردوغان، من المحتمل أن تشهد تحركات متبادلة نحو تخفيف حدة التوترات.

وفي هذا السياق، توقع تحليل نيويورك تايمز أن يكون تخفيف حدة المعارضة التركية لانضمام السويد إلى حلف الناتو خطوة محتملة مقابل موافقة واشنطن على بيع طائرات الإف-16 الأمريكية إلى أنقرة، إضافة إلى معدات تقنية لتحديث النماذج الأخرى من الطائرات التركية، وهي الصفقة التي يعطلها الكونغرس بسبب شراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية إس-400.

وهناك إجماع داخل أروقة السياسة الأمريكية على أن انضمام السويد إلى حلف الناتو هذا العام، قبل قمة الحلف المقررة في يوليو/تموز المقبل، يمثل حجر الزاوية في الموقف الغربي تجاه روسيا، وهذا ما عبر عنه مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكي السابق، بقوله إنه بعدم إعلان الرئيس التركي موافقته على انضمام السويد قريباً تحولت مسألة العضوية إلى أمر مؤجل لما بعد قمة الناتو، “سنفقد طاقتنا، وأخشى أن يراوح هذا الأمر الحيوي مكانه رغم أهميته القصوى لأمن السويد ومنطقة بحر البلطيق وأمن الناتو وأمن الولايات المتحدة”.

وفي هذا السياق، سارع الرئيس الأمريكي جو بايدن بتهنئة أردوغان، وقال على تويتر: “أتطلع إلى مواصلة العمل معاً كعضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بخصوص القضايا الثنائية والتحديات العالمية المشتركة”.

زر الذهاب إلى الأعلى