أخــبـار مـحـلـيـة

فرص واعدة.. ماذا يعني ازدهار العلاقات التركية – الخليجية ؟

اختتم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولة خليجية هي الأولى له منذ إعادة انتخابه رئيساً في 28 مايو/أيار الماضي، وقد شملت الجولة أبرز دول مجلس التعاون الخليجي وهي السعودية وقطر والإمارات، التي تعد الدول الأكثر نشاطاً على المستويَين الإقليمي والدولي.

ولا يخفى على أحد أنّ الأجندة التي بُنيت عليها الزيارة كانت أجندة اقتصادية بالدرجة الأولى، لكنها تضمنت أبعاداً سياسية مهمة، منها أنها ألقت وراء ظهرها مرحلة سابقة من التوترات، ومهدت لمرحلة انتقالية لترميم العلاقات الإقليمية اشتملت على خطوات لبناء الثقة.

على الجانب الآخر تمنح هذه الزيارة صورة إقليمية جديدة لتركيا تتضمن رسالة لبقية دول الإقليم عن طبيعة الدور الذي ستلعبه تركيا في المرحلة القادمة، والذي ينبني على تحقيق مزيدٍ من الاستقرار في المنطقة والمساهمة في تكريس عمليات التعاون الإقليمية، إذ تريد تركيا من خلال دور الشريك الاستراتيجي للدول الخليجية بأن تظهر بمثابة ركيزة من ركائز الاستقرار في المنطقة، ومن هذا المنطلق رحّبت تركيا بالاتفاق الإيراني السعودي.

وفي السياق ذاته، تريد تركيا -التي تسعى لتطبيق رؤية القرن الخاصة بها- أن تستفيد من الصفحة الخليجية الجديدة للانفتاح على مساحات أخرى أو الاستفادة من الانفتاح على منطقة الخليج كرافعة للعلاقات مع دول أخرى ما زالت تسعى للانفتاح عليها، وتبدو مصر عند هذه النقطة مثالاً جيداً.

وبالطبع، فإنّ الاتفاقيات والمشاريع المشتركة التي جرى التوصل إليها هي مؤشر مهم على نجاح الجولة الأخيرة، لا سيّما في المجالات الحيوية مثل الاقتصاد، والدفاع والطاقة والتكنولوجيا وغيرها.

وعلى وجه الخصوص يبدو أنّ الاقتصاد يعد ملفاً ملحاً على طاولة الرئيس أردوغان في دورته الرئاسية الجديدة، ولهذا لا نجد صعوبة في أن نتوقع إعطاء تركيا أولوية وأهمية للعلاقات السياسية مع الدول ذات القدرة الاقتصادية والاستثمارية، وفي هذا الصدد تبدو دول الخليج وجهة منطقية جداً.

وبالنظر إلى نتيجة الجولة الخليجية للرئيس أردوغان والوفد المصاحب له -الذي تضمن نحو 200 من أبرز رجال الأعمال الأتراك بقطاعات العقارات والمقاولات والصناعة والزراعة والأغذية والمعلوماتية والمدن الذكية والمواني والمصارف- فإنّ الزيارة كانت إيجابية وفقاً لآراء عدد من رجال الأعمال المشاركين فيها، إذ أكد بعضهم أنّ هناك “إقبالاً جاداً على الاستثمار في تركيا، (…)، لذلك يمكن أن تغدو تركيا قاعدة إنتاج لدول الخليج”.

ومن الجدير بالذكر أنّ الشركات الخاصة التركية أبرمت خلال الزيارة 26 اتفاقية في السعودية وقطر والإمارات، وقد شملت الاتفاقيات قطاعات عديدة أبرزها الطاقة والصحة وتقنيات المعلومات والعقارات والغذاء، كما أنّ هناك استثمارات في مجال الصناعة، واتفاقيات تتعلق بالطاقة الشمسية والاستثمارات في مجال الهيدروجين، ومن المتوقع أن تُرى انعكاساتها تجارياً على المدى القصير.

كما أسّست جولة الرئيس أردوغان الخليجية الأخيرة روابط جديدة بين دول الخليج وعالم الأعمال التركي.

وتكشف أرقام الاتفاقيات مدى أهميتها، كاتفاقية الـ50.7 مليار دولار التي وقعت مع الإمارات، إذ تلقي بظلال إيجابية على مجال الاستثمارات في تركيا، وتعطي رسالة إلى المستثمرين الآخرين وترفع مستويات الثقة بتركيا كوجهة جاذبة للاستثمارات.

وخلال زياراته للدول الثلاث، حرص الرئيس أردوغان على تقديم هدية لزعماء هذه الدول ذات دلالة خاصّة، وهي سيارة توغ المحلية التي جرى إنتاجها في تركيا كنموذج للمنتجات التركية من جهة، ورسالة تعزيز للعلاقات الثنائية مع قادة هذه الدول.

وعلى مستوى خاص، قطعت علاقات تركيا وقطر عقداً كاملاً من التطور، استفاد خلاله البَلدان من بعضهما البعض، ويبدو أنّ هذه المرحلة ستشهد تطوراً أكبر لعلاقات تركيا مع كلّ من السعودية والإمارات، ويستدل على ذلك بالانفتاح الإماراتي والسعودي السريع على الاستثمارات مع تركيا.

على سبيل المثال، وقَّعت تركيا والسعودية اتفاقية تعاون بين وزارة الدفاع السعودية وشركة بايكار التركية، وثلاث مذكرات تعاون في مجالات تشجيع الاستثمار المباشر، والاتصالات، والطاقة، إضافةً إلى خطة تنفيذية للتعاون بين وزارة الدفاع التركية ونظيرتها السعودية.

ويشار إلى أنّ منتدى الأعمال بين البلدين شهد توقيع تسع مذكرات تفاهم، شملت قطاعات مختلفة كالطاقة والعقار والبناء والتعليم والتقنيات الرقمية والصحة والإعلام، وذلك بهدف تنمية وتعزيز العلاقات الاستثمارية والاقتصادية بين البلدين.

وفي الإمارات شملت الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المُوقَعة مجالات التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، واتفاقية تسليم المجرمين بين البلدين، والتعاون القانوني والقضائي في المسائل المدنية والتجارية، بالإضافة إلى توقيع مذكرة بشأن التعاون الفضائي في تطوير قدرات مركبات الإطلاق المشتركة للأغراض التجارية، ومذكرة تفاهم في مجال الصناعات الدفاعية، وأخرى للتمويل عن طريق الصكوك المالية للإغاثة من الزلازل، كما منح الرئيس الإماراتي نظيره التركي “وسام زايد”، وهو أعلى وسام تمنحه دولة الإمارات لقادة الدول.

وفي هذا السياق، يمكن القول إنّ الاقتصاد فتح أبواباً جديدة لتقوية العلاقات السياسية والتنموية بين البلدين، ويمكننا هنا أن نقتبس ما قاله السفير الإماراتي في أنقرة سعيد الظاهري، إنّ “الاتفاقيات بين تركيا والإمارات ليست اقتصادية فحسب، بل تعني أيضاً إقامة شراكة تنموية، وستوفر اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات وتركيا 25 ألف فرصة عمل لذوي المهارات العالية في دولة الإمارات و100 ألف فرصة عمل في السوق التركية على مدى 10 سنوات”.

ونعتقد أنّ تركيا في ظل سعيها لتقوية اقتصادها قد وضعت نفسها إقليمياً في قلب طموح التنويع الذي تبحث عنه دول الخليج الثلاث، وسيمكنها ذلك من الانفتاح على مزيدٍ من الفرص الإقليمية والدولية، كما أنّها في هذه المرحلة الجديدة تقطع الطريق على أي مناكفات غير ضرورية، مثل التي كانت تترافق مع أوقات التوتر وتستفيد منها أطراف أخرى مثل اليونان وجنوب قبرص وغيرها.

زر الذهاب إلى الأعلى