أخــبـار مـحـلـيـة

قراءة تركية.. سؤال واحد يدور في خلد الأمريكيين للانسحاب من المنطقة

أكد الكاتب الصحفي التركي يحيى بستان، أن الولايات المتحدة تسعى إلى الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، وأن هناك سؤال واحد تبحث عن إجابة له قبل البدء بالانسحاب.

وقال بستان إنه تلقى في شهر أغسطس/ آب، أنباء مثيرة للاهتمام تفيد بأن واشنطن ترسل رسائل إيجابية للغاية إلى أنقرة بشأن مسار العلاقات الثنائية ومستقبل المنطقة. بيد أن أزمة الثقة بين البلدين حالت دون إظهار مضمون تلك الرسائل للرأي العام، مما دفع تركيا إلى اتباع نهج مشابه للنهج الأمريكي.

وأضاف: “على ضوء ذلك، كتبت مقالاً يتناول مستقبل دعم الولايات المتحدة لتنظيم “بي كي كي” الإرهابي في شمال سوريا، بعنوان “هل تحافظ أمريكا على مسافة بينها وبين تنظيم “بي كي كي” الإرهابي؟ أغسطس 2023″.

وفي خضم هذه المرحلة – يضيف بستان في مقال بصحيفة يني شفق – وصلت النقاشات حول انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة إلى الرأي العام. وسرعان ما بدأت واشنطن محادثات رسمية مع بغداد بشأن عملية انسحابها من العراق. وبدأت تُطرح تساؤلاتٌ مُلحّة حول إمكانية تطبيق سيناريو مماثل في سوريا.

وبحسب الكاتب، يهيمن على هذه التساؤلات سؤالٌ محوري: “هل ستنسحب الولايات المتحدة فعلاً من سوريا؟ وماذا سيحدث إذا انسحبت؟” وتثير مسألة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا مخاوف جدية بالنسبة لأمن تركيا، خاصة فيما يتعلق بمن سيحل محل الأمريكيين مع وجود تنظيم “بي كي كي” الإرهابي في البلاد.

“وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين الأمريكيين أن الانسحاب من سوريا ليس على جدول أعمالهم، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى أنهم قد يضطرون إلى اتخاذ هذا القرار.

فماذا سيحدث بعد ذلك؟ سأشارككم بعض التحليلات المعتمدة التي سمعتها في أنقرة بخصوص هذا الموضوع، لكن أولاً سأقدم وجهة نظري: إن انسحاب الولايات المتحدة من وجودها العسكري في العراق هو عملية جادة. لكن من غير المرجح أن تنسحب الولايات المتحدة من العراق بالكامل (ربما تنقل قواتها إلى شمال البلاد). وينطبق الوضع نفسه على سوريا، إذ لا تُخطط الولايات المتحدة لسحب وجودها العسكري بشكل كامل، حتى تضمن أمن إسرائيل”.

وتابع الكاتب: هنا يكمن بيت القصيد. فالسبب الرئيسي لوجود الولايات المتحدة في سوريا والعراق هو ضمان أمن إسرائيل. وهذا هو الدافع وراء دعمها غير المشروط لتنظيم “بي كي كي/واي بي جي” الإرهابي. تسعى الولايات المتحدة إلى توحيد شمال سوريا والعراق لإنشاء دولة أو ممر إرهابي يمنع أي تهديدات محتملة من إيران لإسرائيل. بعبارة أخرى، تحاول الولايات المتحدة إنشاء مظلة استراتيجية لإسرائيل. وتستغل إسرائيل هذه المظلة لإنشاء مناطق عازلة في لبنان وسوريا، وتهدف إلى زعزعة استقرار سوريا والعراق.

حتى الآن كل شيء واضح. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تنسحب من سوريا؟ وفيما يلي بعض التحليلات التي سمعتها حول الإجابة على هذا السؤال على النحو التالي:

التهديد الرئيسي للولايات المتحدة هو الصين. وتقوم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) بتسريب معلومات استخبارية عبر وسائل الإعلام الأمريكية تفيد بأن الصين قد تغزو تايوان في عام 2027. وترغب واشنطن في تركيز اهتمامها على “الشرق الأقصى”، لكن التطورات في المنطقة تعيق ذلك.

فالحرب في أوكرانيا كانت فرصة كبيرة لإضعاف روسيا، المعارضة لأمريكا في صراعها مع الصين. واستغلت الولايات المتحدة هذه الفرصة وأضعفت روسيا. لكن بسبب الاضطرابات التي سببتها إسرائيل، لم تعد الولايات المتحدة قادرة على التركيز حتى على أوكرانيا. فهي تبذل كل طاقاتها للحفاظ على أمن إسرائيل.

منذ 7 أكتوبر، تسعى الولايات المتحدة إلى احتواء الأزمة الإقليمية المتصاعدة، لأن انتشارها لا يصب في مصلحتها. لذلك تحاول واشنطن كبح جماح إسرائيل. وكما أشرت في مقالاتي السابقة، تتبع الولايات المتحدة نهجًا منخفض الحدة في ردودها على الأحداث في البحر الأحمر.

وحتى في أعقاب هجوم الأردن الذي أودى بحياة ثلاثة جنود أمريكيين، أكّد الرئيس بايدن على رغبة الولايات المتحدةِ في تجنب أي حربٍ أوسعَ في المنطقة. وتُؤتي دبلوماسية الباب الخلفي بين واشنطن وطهران ثمارها، حيث يستمرُّ الأخذ والعطاءُ بين الجانبين. ويبدو أنّ رد الولايات المتحدةِ على إيران ووكلائها سيكونُ منخفض الحدة أيضاً، وموزعاً على مدارِ الوقت، ومُقتصرًا على ردود أفعال مدروسة ومحددة.

أريد أن أنوه إلى أمر مهم، إن سياسةَ الولايات المتحدةِ مُنخفضةِ الحدة تُثير استياءَ إدارة نتنياهو، التي لا تكتفي بدعمٍ أمريكيٍّ لسياسةِ الإبادةِ الجماعيةِ التي تتبعها، بل تسعى أيضًا إلى جرّها إلى خوضِ الحرب إلى جانبها. وتجدر الإشارة إلى أن دبلوماسيًا أمريكيًا صرَّح لمحاوره التركي في دولة ثالثة برغبة نتنياهو في إلحاق الهزيمة بالرئيسِ بايدن في الانتخابات القادمة (هذا موضوع سنتطرق إليه في مقالات لاحقة)، ولتحقيق ذلك تبذل إسرائيل قصارى جهدها لزيادة التوتر والضغط، حتى أنها تضغط على جميع الأزرار.

في ضوء هذه الصورة، تسعى الولايات المتحدة إلى الانسحاب من المنطقة. ويُعتقد أن واشنطن تسعى إلى ذلك منذ حوالي عام من خلال محادثات مغلقة. ويرى البعض أن زيارات وزير الخارجية الأمريكي “بلينكن” المتكررة للمنطقة بعد أزمة 7 أكتوبر مرتبطة جزئيًا بهذا الأمر. تسعى الولايات المتحدة للعثور على إجابة لسؤالها: كيف يمكننا توحيد الدول وضمان أمن إسرائيل قبل انسحابنا من المنطقة؟

في هذا السياق تعد أهميةُ تركيا قد زادت بشكل ملحوظ، خاصةً مع اندلاع الحرب الأوكرانية. ويؤكدُ على ذلك اللقاء بين الرئيس أردوغان ونظيرهِ الأمريكي بايدن في يونيو، وزيارات وزير الخارجيةِ الأمريكي بلينكن إلى أنقرةِ، وحواره معَ وزيرِ الخارجيةِ التركي هاكان فيدان، ناهيك عن الرسائل الإيجابية التي وجهتها القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند، خلال زيارتها لأنقرة. ويشير البعض إلى أن موقف الولايات المتحدة الإيجابي تجاه صفقة طائرات إف-16 له أبعاد تتجاوز قرار أنقرة بشأن السويد.

زر الذهاب إلى الأعلى