أخــبـار مـحـلـيـةاقـتصــاديـةعـالـمـيـة

قرار تركيا بخصوص القمح الروسي وتبعاته على القطاع الزراعي الروسي

تلوح أزمة جديدة في أفق العلاقات التجارية الثنائية التركية الروسية قد تحمل العديد من التبعات على القطاع التجاري والزراعي الروسي وبالتالي على العلاقات الروسية التركية.

في الواقع، قد تدفع قرارات أنقرة الجديدة بروسيا للبحث عن مستوردين آخرين للحبوب الروسية. ووفقا لذلك، يقول وزير الزراعة الروسي، ألكسندر تكاشف، إنه بإمكان روسيا إيجاد مستهلكين جدد للحبوب الروسية بسهولة والتخلي عن السوق التركية. في المقابل، يرى محللون أن عدم شراء تركيا للقمح والذرة الروسي سيؤدي إلى تعفن الكثير من الحبوب ما سينجرّ عنه خسارة حوالي 500 مليون دولار.

وتجدر الإشارة إلى أن الآراء حول هذه المسألة متباينة، إذ يعتبر البعض أن السوق التركية ستتأثر بقرارها الأخير، وستستفيد في المقابل السوق الداخلية الروسية. بينما يعتبر البعض الآخر أن السوق الداخلية الروسية لن تكون قادرة على الاستفادة من الكميات الفائضة الكبيرة من الحبوب التي ستؤدي إلى إنتاج كميات كبيرة من الدقيق والخبز سيكون مصيرها في نهاية المطاف التلف.

ومن جهته، أعرب وزير الزراعة الروسي عن خيبة أمله بسبب موقف تركيا، الذي يقصي روسيا من الدول المعفاة من الجمارك، والذي يفرض عقوبات على استيراد القمح والذرة الروسية ما من شأنه أن يؤدي إلى الحد من القدرة التنافسية للحبوب الروسية في السوق التركية.

في المقابل، أكدت وزارة الزراعة الروسية، أنه بإمكان روسيا تنويع تدفق صادراتها بسهولة، حيث صرّح وزير الزراعة الروسي في بيان رسمي أنه “نظرا لمكانتها الرائدة في سوق الحبوب العالمية بالإضافة إلى جودة المنتجات الزراعية الروسية، أنا واثق بأن بلادنا ستتمكن من توزيع منتوجاتها الزراعية في وقت قصير في مناطق أخرى من العالم”.

ومع ذلك، لا تحظى وزارة الزراعة بدعم الجميع، حيث يعيب بعض الخبراء على السلطات الروسية موقفها المتفائل ورد فعلها الهادئ تجاه التدابير التركية. فعلى سبيل المثال، يعتبر مدير شركة “سوف إيكون” أندري سيزف أن قرار تركيا له تداعيات سلبية كبيرة على الاقتصاد الروسي حيث قال: “نحن نتحدث عن شحنات تقدر بمليونيْ طن من الحبوب ستبقى حملا على السوق الروسية”.

والجدير بالذكر أن تركيا تعتبر ثاني أكبر بلد مستورد للقمح الروسي بعد مصر، وأحد أكبر أسواق الذرة وزيت دوارالشمس الروسي. كما أن القمح الروسي يعدّ أحد أهم مصادر إمدادات مطاحن الدقيق في تركيا، مما يشير إلى مدى أهمية السوق التركية بالنسبة للمنتجات الزراعية الروسية وبالتالي مدى خطورة التدابير والإجراءات التركية على الاقتصاد والتجارة الروسية.

وأضاف سيزف أن معظم الحبوب ذات الجودة العالية تتجه إلى السوق التركية، مما يعني أن توقف تركيا عن استيراد الحبوب الروسية وفرضها لإجراءات صارمة سيشكل أزمة حقيقية في السوق المحلية الروسية. ووفقا للخبراء، فإن الفائض سيصل إلى مليون طن من القمح و700 ألف طن من الذرة.

وفي حال لم تجد روسيا سوقا بديلة للسوق التركية فستبقى الحبوب حملا يثقل كاهل الاقتصاد الروسي وستضطر لبيعه بأسعار أقل. ولذلك، قد تصل خسارة روسيا إلى 500 مليون دولار. وفي هذا السياق، يدعو الخبراء السلطات الروسية إما إلى التفاوض مع تركيا ومحاولة إيجاد حلول سريعة لهذه المشكلة تحسبا لتبعات قرارها أو إيجاد بديل عن السوق التركية.

وخلافا لذلك، تعد وجهة نظر المطاحن والمخابز المحلية الروسية مختلفة إذ لا يعتبرون أن قرار تركيا سينعكس سلبا على السوق المحلية الروسية، بل على العكس تماما، يعتبرون أن السوق الداخلية الروسية ستستفيد من ذلك، خاصة وأن الحبوب التي لن يتم تصديرها بسبب القرار التركي هي حبوب ذات جودة عالية جدا.

والجدير بالذكر، أن القرار التركي بفرض رسوم جمركية على الواردات من المنتجات الزراعية الروسية يعد بمثابة وسيلة ضغط تهدف لمنع عودة المنتجات الروسية للسوق التركية، ما من شأنه أن يؤدي إلى الوقف الكامل لتصدير المنتجات الزراعية الروسية لتركيا على غرار الذرة، والفول، والأرز، وغيرها من المنتجات الزراعية.

وفي السياق نفسه، يُذكر أن القاهرة تمثل المستورد الأول للقمح الروسي مما يعني أنه من الممكن أن تمثّل السوق المصرية حلا بديلا. علاوة على ذلك، ووفقا لبعض الخبراء في قطاع الصناعة، فإن إغلاق الجانب التركي بصفة نهائية الباب أمام المنتجات الروسية سيؤدي إلى مد السوق المحلية بحواليْ مليونيْ طن من القمح الأمر الذي من الممكن استغلاله في تطوير الصناعة الروسية.

بالإضافة إلى ذلك، سيساعد قبول الأسواق المحلية لكميات إضافية من الحبوب في تحقيق التوازن بين الأسعار والجودة، إلا أن السلطات الروسية لا تدعم هذه المواقف نظرا للخسائر الجسيمة التي ستتكبدها.

وأشار الخبراء إلى أن روسيا تقع أمام أزمة فائض من إنتاج الحبوب، وأكدوا أن هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها العالم أزمة من هذا النوع، إذ أن العديد من دول العالم واجهت هذا النوع من الأزمات. كما أضاف الخبراء أنه في بلدان أخرى يتم توجيه المواد الخام إلى الصناعة الكيميائية على سبيل المثال لإنتاج الوقود الحيوي.

وفي هذا السياق، أكد رئيس جمعية صناعة الوقود الحيوي أليكسي أبلايف أن تصنيع الحبوب لا يشمل صناعة المواد الغذائية فقط وإنما أيضا صناعة المواد الكيميائية على غرار الوقود الحيوي”. والجدير بالذكر أن هذا النوع من الصناعات يواجه العديد من العقبات خلال تطوره في روسيا ولذلك تعد هذه الفرصة مناسبة لمحاولة تطويرها.

من وجهة نظر أخرى، تشير عضوة الغرفة التجارية السيدة أنّا فوفك أن المواطنين الروس لن يتمكنوا من تحمل أسعار المنتجات ذات الجودة العالية، ما قد يتسبب في اختلال توازن السوق المحلية الروسية. وفي السياق نفسه، أكدت الرئيسة التنفيذية، نينا كوزلوفا، لشركة “فين إيكبيرتزا” الروسية أن النموذج الاقتصادي الحالي لروسيا يعتمد على التصدير حيث يعد التعامل مع الأسواق الخارجية مربحا أكثر من التعامل مع السوق المحلية خاصة مع انخفاض قيمة الروبل الروسي مقابل الدولار.

ووفقا لوكالة الأنباء الروسية تاس، أكد السفير التركي في روسيا أنه يأمل في إيجاد حلول سريعة في المستقبل القريب، للأزمة التجارية بين روسيا وتركيا التي كان سببها قرار تركيا بفرض الرسوم الجمركية على المنتجات الزراعية الروسية. فقد أدى هذا القرار إلى حدوث اختلاف كبير في وجهات النظر بين المزارعين والخبراء والتجار والعاملين في القطاع الزراعي الروسي، حيث أن بينهم من يعتبر قرار تركيا مفيدا للسوق المحلية الروسية، في حين يعتبره البعض الآخر مضرا بالقطاع الزراعي وبالاقتصاد الروسي ككل.

وفي هذا السياق، أكد نائب رئيس الاتحاد الروسي لشركات الحبوب والمطاحن، إيغور سفيريدينكو، أن عدم تصدير الحبوب الروسية إلى السوق التركية، لن يُعالج بتوجيه فائض الحبوب نحو السوق المحلية، إذ أن متطلبات السوق المحلية محدودة للغاية نظرا لأنها تملك كميات تفوق حجم الاستهلاك المحلي. بالإضافة إلى ذلك، لن تستوعب المصانع والمطاحن الروسية الكميات الكبيرة من الحبوب التي تفوق الاحتياجات اللازمة للمصانع، ما سيؤدي إلى كساد كميات كبيرة من الخبز والمعجنات التي ستتجه إلى النفايات في حال تم تصنيع الحبوب.

وأضاف سفيريدينكو أن تنافس تركيا وروسيا على توريد الدقيق للبلدان الأخرى غير وارد. فروسيا بالمقارنة مع تركيا، تفتقر إلى المهارة اللوجستية. فضلا عن ذلك، تقع مصانع إنتاج الدقيق التركية بالقرب من الموانئ البحرية ما يُسهل عملية تصديرها بينما تنتشر المصانع الروسية على مساحات شاسعة من شمال وغرب سيبيريا التي تقع على بعد آلاف الكيلومترات من الموانئ البحرية.

ووفقا لما ذكر آنفا، فإن التدابير التي تتخذها تركيا تجاه إمدادات القمح الروسية تعد موجعة جدا للاقتصاد الروسي. في المقابل، ونظر للعلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا، لا تعد هذه القرارات في مصلحة التعاون الثنائي. فماذا ستكون ردود الفعل الروسية تجاه الشريك التركي؟

زر الذهاب إلى الأعلى