أخــبـار مـحـلـيـةمقالات و أراء

قصة الزلازل التي هزت الأناضول

إذا وقعت هزة أرضية واحدة في أي مكان، يسمع الجميع ناقوس الخطر، ويسأل الناس على الفور عما إذا كان الزلزال قد ضرب وطنهم، ويتضاعف خوفهم إذا كانوا يعيشون في منطقة معرضة للزلازل. عدد العلماء الذين يعملون في مجال الزلازل ليل نهار ليس صغيرا، حيث يعملون على التنبؤ بالزلازل المحتمل وقوعها في شتى أنحاء العالم.

تعرّض جزء كبير من الأناضول للزلازل لفترة طويلة، وقد دمرت هذه الزلازل مدنا، وقضت على حياة كثيرين، ومحت حضارات لا تحصى. تقول الكتب المقدسة إن العالم سينتهي بوقوع زلازل، لكنها لا تمنع الناس من الفرار من الكوارث للنجاة بحياتهم.

نالت إسطنبول نصيبها من الزلازل، فمنذ إنشائها وحتى عام 1453 عندما فتح العثمانيون القسطنطينية، عانت المدينة من أكثر من 50 زلزالا تم تسجيلها. حطم الزلزال الذي وقع في عام 557 أسوار المدينة، وأسقط قبة آيا صوفيا، أما الزلزال الذي وقع في عام 989 وشعر به سكان إيطاليا فقد ألحق أضرارا جسيمة أيضا بقبة آيا صوفيا التي كانت قد رممت في أعقاب الزلزال السابق، واستمر الزلزال الذي وقع في عام 1343  لمدة اثني عشر يوما، في حين استمر الزلزال الذي ضرب المدينة عام 1346 عاما كاملا بسبب الهزات الارتدادية.

وقع أكبر زلزال في أعقاب فتح القسطنطينية في عام 1509، وأطلق عليه “نهاية العالم الصغرى”. كان هذا الزلزال نهاية للعالم بالنسبة لسكان الأناضول، واستمر 45 يوما، وانهارت معظم مباني المدينة، ولقي آلاف السكان حتفهم. ظل السلطان العثماني بايزيد الثاني في الخيمة التي نصبت في حديقة قصر توب كابي لفترة من الزمن ثم توجه إلى إدرنة. وبلغ من قوة الزلزال أن نهر تونجا فاض وأغرق المدينة بأكملها.

كان زلزال عام 1509 نقطة تحول في مجال العمارة الحضرية العثمانية، فخلال إعادة بناء المدينة فُضل استخدام المواد الخشبية على الأحجار التي تسببت بخسائر كبيرة أثناء الزلزال، في حين لا تنهار المباني الخشبية بسهولة على الرغم من اهتزازها مثل مهد الطفل خلال الزلازل. وعلى الرغم من خطر اندلاع النيران في المباني الخشبية خلال الزلازل، فإنها فُضلت على المباني الحجرية التي يمكن أن تنهار، حيث إنه من الممكن النجاة من الحرائق.

سُجل ثاني أكبر زلزال في تاريخ إسطنبول في الثاني والعشرين من مايو/آيار عام 1766 ، لكن  هذا الزلزال الذي تسبب في تدمير كثير من المساجد، وقتل 300 شخصًا، ألحق بالمدينة تدميرا أقل مما ألحقه زلزال عام 1509، بيد أن هزاته الارتدادية التي التي استمرت لعامين ونصف كان لها أثر كبير في معنويات الناس. قُدر مركز الزلزال في خليج إزميت، وتشير الرسوم التي خطت خلال هذه الفترة إلى أن العديد من المباني قد سويت بالأرض، وأن المناطق الساحلية لإسطنبول غمرتها مياه البحر. دمر مسجد محمد الفاتح ومسجد أبي أيوب الأنصاري، وأنفق السلطان العثماني مصطفى الثالث ثروة طائلة لإعادة بناء المدينة، على الرغم من استمرار الحرب مع روسيا.

كارثة مثل كارثة تسونامي

وقع ثالث أكبر زلزال ضرب إسطنبول في العاشر من يوليو/تموز عام 1894، وبدأ بعد ظهيرة يوم صيفي، وقد وصف وكتب عن هذا الزلزال اعتمادا على الأساليب العملية. كان مركز الزلزال في منطقة سان ستيفانو الساحلية، ويتكون من عدد قليل من الهزات، واستمر لبضع ثوان قبل حدوث تسونامي في بحر مرمرة. شعر بهذا الزلزال في جزيرة كريت وبوخارست ومدينة يوانينا شمال غربي اليونان، وحتى في الجزء الخلفي من هضبة الأناضول.

في ذلك الوقت فرض السلطان عبد الحميد الثاني الرقابة على الصحف بسبب قلقه على معنويات الأتراك، لكن على الرغم من جهوده، فقد كشف أن الزلزال تسبب في وفاة 500 شخص. وبعد الزلزال بدأ السلطان حملة لجمع التبرعات، افتتحها بالتبرع ب1500 ليرة ذهبية، وخلال شهرين جمعت الحملة 100 ألف ليرة ذهبية، وقدمت لكل عائلة من عئلات ضخايا الزلزال 10 ليرات ذهبية، وحصلت الأرامل والأيتام على خمس ليرات ذهبية لكل فرد.وعلاوة على ذلك أمر السلطان بشراء جهازين لرصد وتسجيل الزلازل من إيطاليا، قيمة كل واحد منهما 3200 فرنك، وضع أحدهما في مرصد قنديلي، والآخر في قصر يلديز.

الزلازل التالية

ضربت العديد من الزلازل تركيا وخاصة الأناضول، خلال العهد الجمهوري. وكان من أكبر هذه الزلازل زلزال ولاية إرزينجان الذي وقع في ليلة السابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الثاني عام 1937. استمر هذا الزلزال بضع دقائق، لكن هزاته الارتدادية استمرت عدة أشهر، حيث سويت المدينة بأكملها بالأرض، باستثناء محطة القطار التي بناها الألمان عام 1930، وحمام عمومي بناه السلاجقة في القرن الثاني عشر. وبغض النظر عن الدمار الذي حاق بالمدينة، فقد لقي ما يقرب من 40 ألف شخص حتفهم، بيد أن معظم الوفيات حدثت نتيجة البرد القارس والجوع . ومنذ بناء المدينة الجديدة بالقرب من موقع المدينة القديمة التي دمرت في عام 1939 وقع زلزالان آخران في عام 1984 وعام 1992 أسفرا عن كثير من القتلى.

دُمرت قرية فارتو الواقعة في شرقي الأناضول تماما جراء زلزال وقع في 31 مايو/ أيارعام 1946، وقتل 839 شخصا، ثم ضرب المنطقة زلزال آخر مرة أخرى في عام 1966، ونتيجة لهذا الزلزال الذي عادلت قوته تأثير انفجار 400 قنبلة نووية وزنها 20 كيلو غرام، توفي ما يقرب من 3000 شخص في قرية فارتو والمناطق المحيطة بها، ومحيت منطقة مركز الزلزال و92 منطقة مجاورة لها من الخريطة، وترك الآلاف بلا مأوى. ومن بين أكثر الزلازل فتكا في تاريخ الجمهورية التركية، الزلازل التي وقعت في أعوام 1930 في هكاري (2500 قتيل) وفي 1942 في نيكسار (3000 قتيل) وفي 1943 في توسيا (3000 قتيل) وفي 1944 في بولو (4000 قتيل) وفي 1970 في جيديز ( 1100 قتيل) وفي 1975 في ديار بكر (2400 قتيل) وفي 1976 في فان-جالديران (3800 قتيل) وفي 1983 في أرض الروم- خراسان (1500 قتيل) وفي 1999 في جول تشوك (17 ألف قتيل).

وعلى الرغم من أن الزلزال كارثة طبيعية، فإن الجوع والجفاف والأوبئة والسرقة والطقس البارد والثلج وغيرها من المشاكل التي تأتي بعد وقوع الزلزال تعادل الكارثة نفسها.يدفن الموتى تحت الأنقاض، وتقوم فرق المتطوعين والجنود بمسح الحطام، ويُحضر حتى المساجين في بعض الأحيان من المحافظات والمناطق المجاورة للمساعدة في البحث، ويسحب الناجون من تحت الأنقاض حتى بعد مرور أيام على وقوع الزلزال.

مساعدات أقل للضحايا

بدأت حملات المساعدات العالمية بعد وقوع الزلازل الكبرى، لكن كانت هناك حالات لم تصل فيها المساعدات إلى الضحايا، وقيل إن الحزب السياسي الوحيد في ذلك الوقت، حزب الشعب الجمهوري أقام منازل لموظفي الخدمة المدنية، عرفت باسم منازل ساراتش أوغلو، في العاصمة أنقرة بأموال المساعدات التي جمعت لضحايا زلزال إرزينجان. جمعت الحملة التي نظمتها إحدى الصحف لصالح ضحايا زلزال 1966 في قرية فارتو مبلغ 1.5 مليون ليرة تركية، بينما تمكنت الحملات الأخرى التي نظمتها الصحيفة ذاتها من جمع 17 مليون ليرة  للقوات الجوية التركية، و1.5 مليون ليرة لصالح النصب التذكاري لحرب جناق قلعة، ونصف مليون ليرة لإقامة تسعة تماثيل لأتاتورك.

لا يقل من أثروا من الزلازل سوءا عن تجار الحروب، فقد كان بيع الأغذية المحفوظة والبطاطين التي أرسلت لضحايا الزلازل مشهدا مألوفا، واشتكى العديد من ضحايا الزلازل من أن المنازل التي أعادت الدولة بناءها بعد الزلازل لم تلب احتياجاتهم أو تناسب الظروف الجغرافية لمناطقهم، وفي بعض الأحيان لم تصمد هذه المباني سوى لبضعة سنوات، وانتشرت مزاعم حول الفساد.

إكرم بوغرا إيكينجي – ديلي صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى