أخــبـار مـحـلـيـةمـنـوعــات

كل ما تريد أن تعرفه عن ولع الأتراك بالشاي

وصلت ثقافة الشاي إلى إسطنبول في عام 1856 مع قدوم الجنود البريطانيين والفرنسيين إلى المدينة حلفاء في حرب القرم التي اندلعت في عام 1853. صارت حفلات الشاي التي أقيمت في السفارات رائجة أيضا بين أفراد المجتمع البارزين، وبدأ الأتراك يعيدون تقديم الشاي. وفور أن عرف الشاي طريقه إلى بيوت إسطنبول، لم يكن يقدم للضيف فنجان من القهوة فقط، بل كان يقدم له الشاي أيضا.

جاءت معرفة الأناضول بثقافة الشاي متأخرة. وصل الشاي وإبريق الشاي المعروف باسم السماور إلى الأناضول مع المهاجرين القادمين من القوقاز في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومع ذلك فقد صار الشاي والسماور ذائعين إلى حد أنهما صارا جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، حتى أن الشاي نافس القهوة وأطاح بها من على العرش. صار الشاي محل تقدير الناس من جميع الطبقات والخلفيات.

أحب السلطان عبد الحميد الثاني الشاي، بينما كان السلطان محمد الخامس مدمنا لشربه. زرعت بذور الشاي التي جلبت من اليابان في عام 1878 في مدينة بورصة، لكن أحفقت محاولة زراعته. وعندما اتضح أن منطقة البحر الأسود أكثر ملاءمة، زرعت بذور الشاي في مدينة باتومي عام 1918 . عُرف علي رضا أرتين، مدير مدرسة الزراعة، بأنه أول شخص حاول زراعة الشاي في تركيا. صدر قانون زراعة الشاي في عام 1924 ، وجلبت بذوره من باتومي إلى مدينة ريزا، وكانت النتائج واعدة. أسس أول مصنع للشاي في تركيا في المدينة نفسها عام 1947 ، وعلى الفور احتكرت الدولة صناعة الشاي، واستمر ذلك حتى عام 1984.

كل ما تريد أن تعرفه عن ولع الأتراك بالشاي

التأثير الصيني

نشأ الشاي في الصين. كان الإمبراطور الصيني شين يونج الذي حكم حوالي عام 2500 ق.م لا يشرب سوى الماء الساخن؛ لأنه كان مهووسا بالنظافة. وتقول بعض الروايات التاريخية إنه في يوم صيفي قائظ سقطت ورقتان في كوب الماء الذي كان يشربه في الحديقة، فأعجب الإمبراطور بهذا المشروب المنعش. وقد أشاد كونفوشيوس أيضا بالشاي، وفي عام 758 ألف الفيلسوف، لو يو، كتابا بعنوان ” كتاب الشاي الكلاسيكي” شرح فيه كيفية زراعة الشاي وصناعته وشربه. أولع اليابانيون بالشاي أيضا، ووضعوا ” فلسفة الشاي” وكانوا يقدمون الشاي في تقليد يعرف بتشانويو، وتحدث الشاعر الياباني أوكاكورا كاكوزو عن الشاي في كتاب بعنوان” كتاب الشاي ” بأسلوب يذهل القارئ.

عندما جاء الشاي إلى أوروبا تعرف عليه الأوروبيون من تجار البندقية. بدأ البرتغاليون تجارة الشاي منذ عام 1560 ، ونظرا لغلاء سعره، كان الشاي يباع في الصديليات فقط، ولم يكن سوي بمقدور الأغنياء تناوله. في عام 1650 أرسل تاجر يدعى بيتر ستويفيسانت أول شحنة شاي من هولندا إلى نيو أمستردام التي صارت مدينة نيويورك فيما بعد . سيطر البريطانيون على إنتاج الشاي في الصين، وعندما خسروا احتكاره بدؤوا في إنتاجه في الهند وسيلان، ومن ثم تمكنوا من السيطرة على سوق الشاي دون أي منازعات.

الشاي الأخضر في مقابل الشاي الأسود

هناك نوعان رئيسيان للشاي: الشاي الأـسود المختمر، والأخضر غير المختمر. أغرم أهل الأناضول بالشاي الأسود، بينما يحلف أهل تركستان بالشاي الأخضر. تجري معالجة عالية للشاي الأسود، وعند صناعته تعلق أوراق الشاي أولا على خطاطيف وتجفف بالهواء الساخن، ثم ينخل عن طريق الضغط على الأوراق في مكان رطب بارد، وبعذ ذلك تسود الأوراق وتلتقط من جذورها. ومن ناحية أخرى فإن عملية صنع الشاي الأخضر سهلة للغاية. وهذا النوع أفتح لونا ويحتوي على عدد أكثر من الأحماض، ويستخدم غالبا مدرا للبول. أما الشاي الأسود فهو أكثر حساسية، وينبغي أن يوضع في مكان مظلم في صندوق مغلق. هناك أيضا أنواع من الشاي المعطرة بنكهة الفواكه والزهور، وأكثر أنواع الشاي عطرية هو إيرل جراي الذي يصنع بخلط زيت البرغاموت.

الطوارق سكان أفريقيا الأصليون يصبون الماء المغلي على أوراق الشاي الأخضر، إذ يجففون الأوراق ويصبون عليها الماء المغلي مرة أخرى، وبعد انتظار لمدة ثلاث دقائق يضيفون ورقتين أو ثلاثة أوراق من النعناع والسكر قبل تقديمه للضيوف. يفضل العرب الشاي الأسود مع النعناع أيضا، في حين يضيف أهل التبت الزبدة والملح إلى الشاي، بينما يضيف المغول الدقيق. يشرب الإنجليز الشاي بالحليب، ويضيف بعضهم مشروب البراندي أيضا. في مدن روسيا الباردة حيث يحب الناس الشاي، يوضع كثير من أوراق الشاي الأخضر في كوب صغير ويضاف الماء المغلي. ومن أجل استنشاق رائحته الجميلة، فإنهم يصبون الشاي في صحن الكوب ثم يشربونه. عرفت مجافظات الأناضول الشرقية تقليد ” التيكلاما ( قضم مكعب من السكر ثم رشفة من الشاي) وإضافة شرائح الليمون إلى الشاي من روسيا. أما إبريق السماور الذي يعتقد أنه يجلب الحظ السعيد لأهل البيت ويحمي المنزل من الشر فقد جاء إلى الأناضول أيضا من روسيا. تعني كلمة السماور في اللغة الروسية الشئ الذي يحرق نفسه. وفي الواقع دهش قرويو الأناضول الذين شاهدوا إبريق السماور لأول مرة ، وسألوا كيف تستمر النار في غلي الماء.

ظل الشاي لمدة طويلة في الماضي جزءا رئيسا من وجبتي الفطور والعشاء. وفي عام 1708 عندما شعرت دوقة بيدفورد بأنها ” مثل سفينة على وشك الغرق” في وقت ما بعد الظهر، بدأت تتناول وجبة صغيرة في الساعة الخامسة مساء تتكون من كعكة صغير وخبز وقليل من الزبد إلى جانب كوب من الشاي بالطبع. وهكذا ظهر تقليد شاي الساعة الخامسة. خلال هذه الفترة كان الإنجليز أكثر الشعوب تناولا للشاي. قالت ليدي أستور لتشرشل ” لو كنت زوجتك،لوضعت لك السم في الشاي الذي تشربه. فأجابها تشرشل: لو كنت زوجتي لشربته”.

يحتوي الشاي على الكافايين الذي يسبب توسيع الشعيرات الدموية في الدماغ، وعندما ينخفض ضغط الدم بعد شرب الشاي يخف الألم ويشعر الناس بالراحة. وفور اتساع الشعيرات الدموية في الجلد، تنخفض الحمى، ويشعر من يشرب الشاي بالبرودة. شرب الشاي يسهل الهضم ولا يسبب حموضة المعدة، وعلاوة على ذلك فإن الشاي مشروب منعش يزيد الطاقة، وهو فعال جدا لعلاج الإرهاق الذهني. يمر فيتامين بي الموجود في أوراق الشاي إلى الماء عندما تنقع فيه، كما أن من مميزات أوراق الشاي أنها تحتوي على فيتامين إي وكي والمعادن المفيدة. النحاس والحديد الموجودان في الشاي مفيدان في علاج فقر الدم، كما أن الفلورايد والألومنيوم يحميان الأسنان. إذا شُرب الشاي بعد نقعه لمدة خمس دقائق، فإنه يعمل مثل منشط، أما إذا شرب بعد خمس عشرة دقيقة فإنه يكون مهدئا للأعصاب.

الشاي له أوراق طويلة ورفيعة، وأزهاره ملونة. تحصد أوراق الشاي بضع مرات في العام قد تصل إلى أربع مرات، ويحصد أول مرة في شهر مايو/أيار ويسمى حصاد الإمبراطور، وهو أفضل أنواعه لأن الأوراق تكون صغيرة. تنمو أوراق الشاي في الأماكن الحارة شديدة الرطوبة، ويحتاج الشاي إلى أمطار غزيرة ودرجات حرارة متباينة بين النهار والليل . تقع جميع الدول المنتجة للشاي على خط عرض 36 ، ويأتي في طليعة هذه الدول الصين والهند وسيلان واليابان. ترتبط جودة الشاي بأوراقه، والشاي المنتج في الهند أفضل من الشاي المنتج في الصين.

الشاي شراب الأولياء

كان خوجة أحمد يسوي عالم دين شهير عاش في تركستان في القرن الثاني عشر، وسافر إلى كاثي بالقرب من الحدود الصينية. وفي يوم قائظ وبينما كان خوجة أحمد يلهث على جانب الطريق دعا لامرأة أحد القروين التي كانت تضع حملها. مرت ولادة الطفل بسهولة، ولما قدم القروي الشاي ليسوي وكان لم يره من قبل، شعر بالراحة والسكينة، ورفع يديه إلى المساء ودعا قائلا ” يا إلهي أدعوك أن يذيع هذا المشروب، وأن يشربه من يحبنا وينتفع به”. ترتبط شعبية الشاي بين التركستان، وخاصة بين الصوفية، بالصلاة غالبا، حيث إنه يجعل الدراويش متيقظين وعقولهم مفتوحة، ولذلك يعرف الشاي بشراب الأولياء، وتوجد ابتهالات عن الشاي.

هناك عدد من الخطوات اللازمة لإعداد الشاي الجيد والتمتع به، فيجب أن يصب الشاي في كوب صغير شفاف، ويجب أن يكون ساخنا لللفح الشفاه قليلا. في المقاهي قد يشعر بعض الرواد بالأسى إذا جئ له بكوب شاي ممتلئ إلى نصفه فقط. حتى عام 1950 كان سعر الشاي غاليا، ثم انخفضت أسعاره بعد ذلك العام. اعتاد الشعب التركي أن يشرب الشاي كل صباح، ولا يمكن أن يتخيل أن يمر يوم دون شرب الشاي. ولا يستطيع الأتراك مقاومة الشاي إذا قدم مع بعض المعجنات الطازجة والكعك.

زر الذهاب إلى الأعلى