مقالات و أراء

كنا المهاجرين و كانوا الأنصار .. أردوغان رئيس تركيا و ليس السوريين .. هل السوريون حمائم سلام و وضعهم قانوني؟

تحوّل السوريون بتركيا، وبين ليلة وضحاها، من “مهاجرين” إلى “دودة حمراء بالطبيخ” كما تقول الأمثال السورية، أو هكذا تسوّق وسائل الإعلام التي يهمها الأمر على أقل تقدير.
فأين الحلقة المفقودة بقضية ترحيل السوريين التي شغلت، حتى الرأي العام الاقليمي، ولماذا تخلى الأتراك عن صفة “الأنصار” وبات السوريون بنظرهم، مصدر الازعاج وسبب البطالة وتردي واقع المعيشة، بل وبرأي الأحزاب المعارضة، أسباب سوء علاقات تركيا السياسية الدولية، كما برأي الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” أهم أسباب خسائر رئاسة البلديات الكبرى بتركيا.
ثمة مرتكزات، لابد من البدء منها، من قبيل الوفاء ورد الجميل.
هذا ما بدء به عدنان عبد الرزاق في مقاله لزمان الوصل و تابع ..
فتحت تركيا حدودها للسوريين منذ أول دم سفكه نظام الأسد عام 2011، وبقيت أبوابها مشرعة أمام السوريين دونما أي وثيقة أو “فيزا” حتى عام 2016، وقت بلغ عدد اللاجئين، نحو4 مليون لاجئ، وزاد عددهم ببعض الولايات عن أعداد الأتراك أنفسهم، كما في ولاية مرسين وغازي عنتاب ومعظم إقليم هاتاي الحدودي.
وقتها تركيا، بدأت تقونن دخول السوريين وتطلب فيزا، واقتصر دخول السوريين على “لم الشمل” والحالات الطبية الحرجة ..والتهريب، وتطلب على الدوام-وهذه مسألة مهمة- إلى السوريين، بضرورة استصدار بطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك” ليتمتعوا على الأقل، بما تقدمه تركيا، سواء منها أو من المساعدات الدولية، من مجانية التعليم والطبابة، ولتدخل الوافدين إلى سجلاتها لتميز بين اللاجئ ومن يدخل بثوب اللاجئين.
وضمن حالة التساهل التركي وفورة “الأنصار والمهاجرين” والاعتقاد ربما أن عمر نظام الأسد شارف على النهاية،  سمحت تركيا للسوريين، على خلاف كل الدول التي تستقبل اللاجئين، التنقل وتغيير أمكنة إقامتهم، بل وفتح شركات ومحال بشروط ميسّرة، شكلت غيرة وحساسية، حتى للأتراك أنفسهم، بواقع “تألق” السوري بقطاعات الخدمات والمطاعم وحتى الصناعة والتصدير.
ونتيجة “سياسة التسامح” وصلت-كمثال- أعداد الشركات والمحال والمتاجر السورية بإسطنبول وحدها، زهاء 20 ألف منشأة، وتصدرت الشركات السورية قائمة الاستثمار الخارجي، ولثلاثة أعوام على التوالي، وبلغ عدد الطلاب السوريين بالمدارس الحكومية التركية نحو 650 ألف طالب، فضلاً عن دخولهم الجامعات، طلاباً ومدرسين.
لكن إسطنبول، وهنا مكمن الأزمة، كانت محط أنظار معظم السوريين، بمن فيهم، من استصدر بطاقة حماية من ولايات أخرى، ليزيد عدد السوريين بإسطنبول عن 600 ألف لاجئ، ما جعلهم، رغم ضخامة المدينة التي تزيد مساحتها عن دولة لبنان وسكانها عن سكان سورية، وبسبب نشاطهم، أن يظهروا وينافسوا، بل وليكونوا عباءة واسعة يلبسها من يحتاج وأقرب لشماعة يعلق عليها الساسة وبعض الأتراك، أسباب فشلهم.
ولكن، أليس من زاوية أخرى، تقتضي الأمانة، النظر إليها ليستوي الأمر.
بمعنى، هل السوريون بإسطنبول خاصة، حمائم سلام ووضعهم قانوني، وما يحدث اليوم، من حملات ملاحقة، إنما هو استهداف وورقة يحاول البعض تسوية وضعه، عبر رميها على الطاولة أو تهديد أوروبا، برميها بالبحار.
أول القول، اسم الحملة “ملاحقة المخالفين” أي الذين تجاوزوا القانون، سواء بعدم الحصول على أذن عمل أو مخالفين بإقامتهم بإسطنبول لأن بطاقة حمايتهم من ولايات أخرى، أو يحملون أوراقاً مزورة-  وللمفارقة أن المكاتب السورية هي من استصدر أوراق مزورة لإخوتهم السوريين- ما يعني، وإن نظرياً، من حق تركيا أن تقونن وجود من هم على أرضها، خاصة بواقع احتدام خلافاتها مع أطراف ودول عدة، ولن نتطرق إلى من يدخل تركيا كمخرّب بثوب سوري، لئلا نعطي بعداً حساساً للأمر.
ولكن، بالوقت ذاته، ألا تتحمل تركيا بعض الوزر أو جلّه، لأنها تساهلت وغضت الطرف، لتقم بليلة ليلاء وتلاحق السوريين المخالفين، فترحلهم إلى داخل سورية أو إلى ولايات أخرى، حتى دونما أن تعطي مهلة ليسوي السوري أمور ممتلكاته وينقل أسرته، أو تحاسب من رأى بقرار “ملاحقة المخالفين” باباً ليمارس حقداً وتعسفاً واستقواء..
بل وربما الأهم بالأمر، لماذا لم تحدد تركيا ومنذ البداية، ما هو الشكل القانوني للسوريين على أراضيها، فكلمة مهاجرين وضيوف، تغلب عليها العاطفة التي ربما تزول أمام أي مطب يشكل خطراً على الأنصار والمضيفين.
ولو فعلت تركيا، كما ألمانيا وغيرها، فألزمت تعليم اللغة والمهن ووزعت اللاجئين بما تستوعب ديمغرافيتها، لربما استفادت وأفادت، إذ ملايين السوريين بتركيا، لم يزل مستقبلهم غائما، بل كستهم كل أشكال المخاوف والقلق، حينما أعلنت ولاية إسطنبول عن حملتها.
خلاصة القول أمران.
الأول، شكراً تركيا ولا يمكن لأي سوري منصف أن يتجاهل ما فعلته تركيا ولم تزل، ولكن يمكن لتسوية خطأ مشترك، أن تتم بغير ما لمس السوريون من تعسف، أججت موجة الكراهية التي تشتغل عليها أطراف، تركية وخارجية بإنتشاء، وربما إزاحة مشهد الأم التي تتوسل البوليس إنزال ابنها من باص الترحيل، لن تمحى من ذواكر السوريين بسهولة.
أما الثاني والذي أعتقده الأهم، أن تركيا دولة تتطلع خلال مئوية تأسيس الجمهورية 2023 لتكون ضمن العشرة الكبار، ولديها من العداوة والعقبات، ما يدفعها لرمي أي حمولة زائدة، خاصة تلك الداخلية التي قادها حزب الشعب الجمهوري المعارض، والذي حمّل السوريين ومنذ عام 2016، مشاكل تركيا منذ أرطغرل حتى أردوغان.
لذا، ومن منطق سياسي وقانوني، لتركيا كامل الحق، أن تجعل وجود السوريين على أراضيها شرعيا، وتعرف من يدخل وبأي صفة ولماذا وكيف يعيش، فهي لم تقترب من أي سوري يحمل أوراقاً رسمية حتى الآن..أما هل ستقترب لاحقاً، فذلك رهن تطورات سياسية واقتصادية وتسويات مقبلة.
أما أن يتم تحميل تركيا وزر فجائع الثورة ورخص المعارضة، ونكء جراح “خطوط أردوغان” منذ حمص وحماة إلى ما ابعد أستانة، ففي ذلك برأينا، مراهقة سياسية لسببين.
الأول أن السوريين أنفسهم، وعلى كلتا الضفتين، أجروا قرار قضيتهم وقبلوا موقع التابع والذيل، حتى تم اقصاءهم عن حضور المحافل المتعلقة بسوريتهم ولو من قبيل المتفرجين، ووصلوا لمتابعة مؤتمرات قضيتهم عبر شاشة التلفاز.
والسبب الثاني، أن مواقف جميع دول العالم قد تبدلت من الثورة والشعب السوري ولأسباب ومستويات كثيرة، لا يمكن تبرئة السوريين أنفسهم من جلها، فمن الخليج إلى أوروبا مشوار ومن واشنطن إلى أصدقاء الشعب السوري فجائع، فأين الغرابة بمواقف تركيا التي حوصرت يوماً كرمى ثورة السوريين وكادت تدفع إبان اسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر 2015، استقرارها ثمناً، بل وتم اختبار نهاية حكمها عبر انقلاب تموز 2016.
فأولاً وأخيراً، رجب طيب أردوغان هو رئيس الدولة التركية التي اختلف مناخها السياسي الداخلي والخارجي بالمطلق، وليس وصياً أو رئيساً على السوريين، هكذا تقول السياسة التي آثر السوريون عدم إجادة لعبتها وأبجدياتها، وبدأوا بنضالهم وثورتهم العادلة ولم يزلوا، يسوقون بمفردات العواطف حيناً وأفعال الهواة السذج الذين تنطلي عليهم الوعود، بقية الأحايين.

المقالات في تركيا الآن تعبر عن رأي كتّابها

زر الذهاب إلى الأعلى