أخــبـار مـحـلـيـةاقـتصــاديـة

كيف تتحول إسطنبول إلى مركز مالي عالمي

دفع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الكثيرين للتساؤل هل ستبقى لندن مركزا ماليا رئيسا في أوروبا أم لا. وعلى الرغم من كل ما يتردد من أن زيورخ أو فرانكفورت ستسرق تاج لندن، فإن مدينة إسطنبول تبذل قصارى جهدها لكي ترتقي في سلسلة التصنيف العالمي.

صحيح أن إسطنبول قد تكون حاليا خارج المنافسة، وتعاني من الهجمات الإرهابية الأخيرة، لكن الحكومة التركية عازمة على تعزيز إمكانات المدينة لتصير مركزا ماليا عالميا.

في عصر التحرر المالي في جميع أنحاء العالم زادت المراكز المالية الدولية زيادة ملحوظة في العدد وفي الامتداد الجغرافي منذ أواخر عقد السبعينيات، ويمكن رؤية هذه المراكز في النظام المالي العالمي، وفي الوساطة في الحصول على القروض، وديون القطاعين العام والخاص خارج الحدود.

يعد مؤشر المراكز المالية العالمية “جي إف سي آي” النصف سنوي المؤشر الأشهر في العالم، ويصنف 87 مدينة وفقا لعدد كبير من المعايير من بينها معيار التنظيم، وبيئة الأعمال، ورأس المال البشري، والبنية التحيتة، وعوامل السمعة . ويعتمد هذه المؤشر في الواقع على عدد كبير من البيانات العالمية المتعلقة بهذه المعايير، وعلى آراء المتخصصين في القطاع المالي الدولي. وخلال السنوات الأخيرة تصدرت لندن باستمرار مؤشر المراكز المالية العالمية.

يوضح أداء لندن كمركز مالي السبب في جدية تعامل الساسة والشركات مع هذا المؤشر، ورغبتهم في أن تصبح عواصم أعمالهم التجارية في تصنيف أعلى، ذلك أن لندن تساهم مساهمة كبيرة في النمو الاقتصادي للملكة المتحدة، والتشغيل، وفي عائدات الحكومة، وعلى ذلك فليس من المستغرب وجود كثير من المبادرات التي تقوم بها الدول لرفع تصنيف مدنها مثل جاكرتا والدوحة والدار البيضاء وشنغهاي في النظام المالي العالمي.

إسطنبول من بين المدن الساعية لرفع تصنيفها على مؤشر المراكز المالية، فمنذ عام 2007 كانت رؤية الدولة التركية جعل إسطنبول مركزا ماليا إقليميا أولا، ومن ثم مركزا ماليا عالميا، ولهذا طرح حزب العدالة والتنمية الحاكم مجموعة من المبادرات لرفع تصنيف إسطنبول إلى أول 25 مدينة على المؤشر بحلول عام 2018.

أعطى حزب العدالة والتنمية الأولوية لمبادرتين لتحويل إسطنبول إلى مركز مالي عالمي: إعادة بناء أجزاء من البنية التحتية العاملة فعليا، وتحويل الخدمات المالية في إسطنبول إلى التركيز على التمويل الإسلامي. وقد نفذت الأولوية الأولى بنقل البنوك المملوكة للدولة والجهات المنظمة للسوق من العاصمة الإدارية والسياسية أنقرة إلى إسطنبول، في حين ركزت الأولوية الثانية على التمويل الإسلامي لجذب المدخرين المتدينين والمستثمرين إلى النظام المالي التركي.

على أن أيا من هاتين المبادرتين لن تساعد إسطنبول في الصعود على مؤشر المراكز المالية في أي وقت قريب، ففي عصر الاتصالات الفورية وتناقص أهمية القرب المادي، فإن الانتقال إلى إسطنبول لن يرفع رصيدها من عوامل البنية التحتية على مؤشر المركز المالية، وسيكون من الصعب على تركيا المنافسة مع المراكز المالية الإسلامية الموجودة مثل لندن التي تقدم خدمات شاملة. وفي المقابل يمكن فهم هذه السياسات على أنها جزء من سياسة العدالة والتنمية للمساعدة في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال مشاريع البنية التحتية وبناء المشروعات، في الوقت الذي يتحول فيه الاقتصاد التركي ليكون ذا توجه إسلامي.

إسطنبول هي مركز المال والأعمال في تركيا، فهي تقدم ربع الناتج المحلي الإجمالي التركي، وتستوعب ما يقرب من خمس سكان تركيا البالغ عددهم 79 مليون نسمة. وفي عام 2015 وصف مؤشر المراكز المالية العالمية إسطنبول بأنها مركز مالي عالمي متطور إلى جانب شيكاغو وميونخ وطوكيو، وجاء هذا التوصيف بفضل تميز إسطنبول في الخدمات المالية والأسواق وتنوعها وترابطها. لكن على الرغم من ربط إسطنبول بهذه المدن المتقدمة فقد انخفض تصنيفها على المؤشر المالي 12 مرتبة لتحل في المركز ال57 في عام 2016، وذلك يرجع إلى الإرهاب والنزاعات المسلحة مع الأكراد في الداخل أو في دول الجوار، فتقييم المؤشر المالي تقييم حساس تجاه الأحداث السلبية( ولذلك يتوقع أن يهبط تصنيف لندن لعام 2017 بسبب البريكزيت)

إذا أرادت إسطنبول أن تصل قريبا إلى أفضل 25 مركز مالي، فإن على تركيا تطوير المعايير التنظيمية المالية وبيئة الأعمال وجودة المنتج. وسيساعد التركيز الجديد على التمويل الإسلامي إسطنبول عبر توسيع العروض المالية، بشرط ألا يكون تشجيع التمويل الإسلامي على حساب الخدمات المالية العلمانية المتوفرة في المدينة بالفعل، لأن تركيا ستستفيد من استمرار هذه الخدمات.

زر الذهاب إلى الأعلى