مقالات و أراء

لقاء أردوغان ــ بوتين وفرص الحل الشامل

اتجهت الأنظار خلال الأيام الماضية إلى مدينة سوتشي الروسية، وذلك لاستضافة هذه المدينة الرئيس التركي السيد رجب طيب أردوغان في قمة جمعته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولمن لا يعرف شيئاً عن هذه المدينة، أوضح له ان هذه المدينة تعتبر العاصمة الدولية لإدارة الأزمة السورية بعد أن زارها الرئيس الأسد مرتين، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك أنها استضافت مؤتمر الحوار السوري ـ السوري في العام 2018، كما استضافت القمة التركيةـ الروسيةـ الإيرانية من قبل.    

 

السيد أردوغان الذي واجه أزمات وتحديات كبيرة ومركبة، بدءاً من الأزمة الاقتصادية وما نتج عنها من آثار سلبية بسبب العقوبات الامريكية على تركيا، والشرخ الذي احدثه الانقلاب العسكري عام 2016 والذي لم تندمل جراحه بعد، مروراً بالأزمة التي حصلت نتيجة شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية، والخلاف الذي حصل مع بعض القيادات السابقة لحزبه، لكن اكبر هذه الأزمات هو استمرار المواجهة مع الإرهابيين في الحدود الجنوبية والمسألة السورية، ورغم كل الخلاف مع بعض الأطراف على عملية نبع السلام ، واهمها معارضة بعض الدول العربية وجامعة الدول العربية، وحتى بعض الأطراف الاوربية والعالمية، لكن تركيا بدت واثقة من خطواتها واستمرت في عملياتها حتى تم تحقيق أهدافها والوصول للاتفاق التركي الأمريكي بين السيد اردوغان وبنس نائب الرئيس الأمريكي على صيغة للمنطقة الآمنة وابعاد المنظمات التي تعتبرها تركيا منظمات إرهابية عن حدودها بمسافة لا تقل عن 32كم، وكما تم إعلانه واصبح معروفاً للجميع، ( يمكن العودة الى نص الاتفاق).             

                                                                   

ورغم كل هذه التحديات التي مرت على تركيا ونتائج عملية نبع السلام، جعلت السيد أردوغان بحاجة الى أن يطلع ويستمع إلى الرئيس بوتين وليوحدا موقفهما تجاه القضية السورية، فروسيا تمسك بكامل خيوط الأزمة السورية، بعد الخروج المهين للقوات الأمريكية منها، وبعد اعلان ترامب نفسه أن الولايات المتحدة لن تكون شرطياً للعالم بعد اليوم، هذا الاعلان الذي ينظر له الى انه الاعلان الحقيقي لنهاية عصر القطبية الأحادية الأمريكية، والبدء ببزوغ نظام دولي آخر جديد تلعب فيه روسيا الاتحادية الدور الكبير سياسياً وعسكرياً، وتكتسحه الصين اقتصادياً. والمراقب للأحداث يرى أن عصابات “قسد” كانت تفتقد إلى الرؤية السياسية، وهذا أمر طبيعي، لأنها لا تملك رؤية او سلوك سياسي الذي ينبع من ثقافة سياسية، أما الحكومة السورية فلا حول لها ولا قوة لأن مقاليد الأمور ليس بيدها فأتصور انها تأخذ طابع الصبر على ما يجري، وليس أكثر من مبادرة انتشار الجيش السوري على بعض المناطق في منبج بعد الاتفاق المتأخر مع مجموعات قسد، وبالاعتماد على بعض مواقف الدعم لسورية بأن من حقها في الدفاع عن نفسها، والتنسيق الكامل مع الحلفاء الروس والايرانيين.                

 

بعد الإعلان عن تنفيذ الاتفاق مع أمريكا والمهلة التي أعطيت للجماعات المسلحة لترك المنطقة وهي 120 ساعة، وهو الوقت الذي كان يفصل عن موعد لقاء السيد اردوغان بالرئيس بوتين في سوتشي، سيستمع السيد أردوغان لكلام روسي واضح أن روسيا تتفهم لمطلب تركيا الأمني الذي سيدفعها إلى تفعيل اتفاق اضنة لعام 1998 بين سورية وتركيا، ولو أفرطنا في التفاؤل ربما تؤسس قمة سوتشي لبداية بث الروح في عودة العلاقات الدبلوماسية بين سورية وتركيا، برعاية روسية ودعم إيراني وعدم معارضة سعودية إماراتية هذه المرة، السعودية التي زارها بوتين منذ أيام وأرسل موفده لافرينتيف إلى دمشق لاطلاع الرئيس الأسد على نتائج الزيارة. وسيستمع السيد اردوغان من الرئيس الروسي نتائج زيارته الى كل من السعودية والامارات بشأن مبادرته بإعادة العلاقات مع النظام السوري والتي ظهرت بعض الإشارات عن هذه المبادرة ببدء الامارات بالإفراج عن (700مليون) دولار من الأموال الإيرانية المجمدة لديها كبادرة حسن نية لعودة العلاقات بين البلدين وهو ما سينعكس إيجاباً على العلاقات بين دمشق وأبو ظبي، ومن التطورات الهامة والملفتة هو الشروع بتقديم قرار في الجامعة العربية يمهد لعودة سورية إليها، وهذا هو ايضاً ضمن هذه المبادرة. 

 

 وما سيسمعه السيد أردوغان من الرئيس بوتين ايضاً هو العودة إلى اتفاق أضنة وتفعيله فعلياً، والشروع في ضبط حقيقي للحدود بين البلدين ربما باستخدام تقنيات روسية متطورة، والحث على اعادة العلاقات بين البلدين ، فروسيا التي دعمت السيد اردوغان ضد الانقلابيين وزودته بمنظومة الصواريخ  لها الحق في تقديم النصح له وحتى الاستمرار في دعمه، اما الموقف الامريكي فيتمثل انه في تنفيذ الانسحاب الكامل من الاراضي السورية  فأنه سيساعد في الإسراع بتحقيق الحل في سورية، وكذلك التزام “قسد” بتطبيق بنود الاتفاق والتوقف عن الارتماء في الحضن الامريكي الذي لفظهم واحتقرهم وأشعرهم بمدى سذاجتهم وغبائهم السياسي. هذا ما يمكن استنتاجه من اللقاء بين الزعيمين، وربما سيكون الفرصة الأخيرة للحل الشامل للأزمة السورية.

 

 

الدكتور عبد السلام ياسين السعدي – تركيا الآن

زر الذهاب إلى الأعلى