اقـتصــاديـة

لماذا انحدرت الليرة التركية أمام الدولار؟ وما الحلول لدعمها؟

هبطت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها منذ مايو/أيار الماضي، بعد تصريحات لوزير الخزانة التركي أشارت إلى أن البنك المركزي قد يواصل خفض أسعار الفائدة، في وقت يستعد فيه الجيش التركي لمزيد من المواجهات في سوريا.

وتراجعت الليرة 0.6% لتصل إلى 6.0275 ليرات مقابل الدولار الواحد في تعاملات الجمعة الماضي، قبل أن تعوض بعض خسائرها في تعاملات اليوم، لكنها ظلت تراوح حول عتبة الست ليرات للدولار.

ويوم الجمعة الماضي، أعلنت تركيا أنها استكملت إصدار سندات بقيمة أربع مليارات دولار.

وبحسب وكالة بلومبيرغ، فإن سبب الهبوط الأخير لليرة التركية يعود إلى إعلان بيانات الوظائف الأميركية الإيجابي الذي أدى إلى زيادة الطلب على الدولار، وبالتالي ارتفاعه مقابل العملات الأخرى، مما انعكس على بعض العملات ومن ضمنها الليرة التركية والروبية الهندية.

التضخم والفائدة
وبناء على تجربة سابقة تخطت فيها الليرة التركية حاجز الست ليرات للدولار الواحد، يتوقع مراقبون  استمرار هبوط سعر الليرة ليشكل عتبة جديدة مستقرة.

وكانت وكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيفات، صنفت الأسبوع الماضي نظام العملات الأجنبية في تركيا على أنه “تعويم مُدار”، وهو نظام يسمح للبنك المركزي بالتدخل بانتظام في أسواق العملات الأجنبية، من أجل تغيير اتجاه تعويم العملة ودعم ميزان المدفوعات في فترات التقلبات الحادة.

لكن الباحث الاقتصادي في جامعة إيجه بمدينة إزمير محمد أبو عليان، أكد للجزيرة نت أن الليرة التركية تتبع نظام الصرف الحر منذ عام 2000، أي أنها تخضع لقوى العرض والطلب، نافيا خضوعها لسعر الصرف المدار، حيث تم التخلي عن سعر الصرف الثابت لليرة على إثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في حينه والحصول على قرض منه مقابل تطبيق سياساته، بعد الأزمات الاقتصادية التي عاشتها تركيا نهاية التسعينيات.

ولفت إلى أن الليرة في آخر ثلاث سنوات خسرت حوالي 50% من قيمتها، وهذا غير ممكن في سعر الصرف المدار، كما أن تدخلات البنك المركزي في سعر الصرف الحر لا تجعله نظاما مدارا.

وأرجع أبو عليان سبب هبوط الليرة الحاد مؤخرا إلى أن ارتفاع معدل التضخم وتخفيض معدل الفائدة، يدفعان المستثمرين نحو ملاذات أكثر جدوى من بينها الدولار، مما يقلل الطلب على الليرة التركية، وهو ما يشير -بحسب المتحدث نفسه- إلى استمرار تراجع سعر الصرف ببطء خلال الفترة القادمة.

حلول
وقال أبو عليان إن “تركيا منذ محاولة الانقلاب منتصف 2016 وهي تعيش في مرحلة عدم اليقين التي تتجدد مع كل حدث سياسي داخلي أو خارجي، بالإضافة إلى توتر العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة الأميركية من وقت لآخر، مما يجعل الاستثمارات تبحث عن فرص أكثر استقرارا من الاقتصاد التركي، وهذا يزيد من ضغط الطلب على العملات الأجنبية أمام الليرة، فضلا عن تفضيل المقيمين في تركيا تحويل مدخراتهم أو جزءا منها للعملات الأجنبية خوفا من فقدان قيمتها.

وفي معرض رده على سؤال بشأن ما يمكن أن تفعله السلطات التركية للحفاظ على قوة عملتها؟ أجاب الباحث أبو عليان بالقول إن “الليرة التركية بحاجة للحمائية وتخفيض اعتماد الاقتصاد التركي الكبير على العالم الخارجي، من خلال تخفيض مؤشرات الانكشاف التجاري، والدين الخارجي، وعجز الميزان التجاري وبالتالي الحساب الجاري، وضغط الواردات وخصوصا الكمالية منها، وتطبيق سياسات مالية ونقدية واقتصادية تتوافق مع واقع الاقتصاد”، مضيفا أن “على الحكومة ضبط النفقات العامة واللجوء للتقشف في الإنفاق الحكومي”.

يشار إلى أن السلطات التنظيمية في تركيا شددت القيود على المضاربة في الليرة وذلك للحد من تراجع سعر صرفها.


أحد الأفراد يجري معاملة مالية عبر الصراف الآلي لبنك وقف الحكومي في تركيا (الجزيرة)
أحد الأفراد يجري معاملة مالية عبر الصراف الآلي لبنك وقف الحكومي في تركيا (الجزيرة)

الثقة الاقتصادية
في هذا السياق، ذكر أحمد إسماعيل الصحفي الاقتصادي بجريدة ديلي صباح -المقربة من الحكومة التركية- أنه في أوقات الثقة العالية في الحكومة يكون معدل الودائع بالعملات الأجنبية الصعبة منخفضا، ولكن عندما تهتز الثقة تصبح العملات الصعبة ملاذا آمنا.

وقال إسماعيل للجزيرة نت “اعتبارا من 24 يناير/كانون الثاني الماضي، تم إيداع 51% من الودائع في حسابات العملات الأجنبية، وفقا لبيانات البنك المركزي. وتذبذب المعدل حول 30% في سنوات الحكومات ذات الثقة، وتجاوزت معدل 40% عندما تضعف الثقة. على الرغم من دعوات الرئيس رجب طيب أردوغان للمواطنين إلى الوثوق بالليرة التركية”.

وأضاف إسماعيل أن الحكومة التركية عملت على دعم الليرة، فبالإضافة إلى فرض تخفيضات على أسعار الفائدة، استخدمت وسائل أخرى لدعمها وكبح جماح أسعار العملات الأجنبية، واعتمدت هذه التدخلات على مبيعات العملات الأجنبية لبنوك الدولة من احتياطات البنك المركزي.

ولفت الصحفي الاقتصادي في جريدة ديلي صباح إلى أن أنقرة نجحت في التحكم بالأسعار من خلال هذه الطريقة حتى الآن، ولكن هذا جاء على حساب هز الثقة بين مالكي الأموال المحليين والأجانب.

وأكد إسماعيل أن مؤشر الثقة الاقتصادية -وهو مقياس مركب مستمد من 20 مؤشرا، يعكس تقييمات وتوقعات المستهلكين ورجال الأعمال على مستوى الاقتصاد العام- بلغ 97 في يناير/كانون الثاني الماضي، وهو أفضل من 82 نقطة المسجلة في مايو/أيار 2019.

وكانت الليرة انخفضت 11% العام الماضي، لأسباب من بينها التوغل العسكري التركي في سوريا، لتصل خسائرها على مدى عامين إلى 36%.

المصدر : الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى