أخــبـار مـحـلـيـة

لماذا تسبق الإمارات مصر في التقارب مع تركيا؟

“لا عداوات دائمة أو صداقات دائمة”، يبدو أن هذا لسان حال تركيا من طرف ومصر والسعودية والإمارات من طرف آخر، بعد سنوات من القطيعة السياسية والاتهامات المتبادلة والتصعيد الإعلامي واستخدام جميع أوراق الضغط المتاحة لكل بلد.

 

 

من هذا المبدأ البراغماتي تشهد العلاقات بين الدول الأربع توجها نحو إعادة تطبيع العلاقات على المستويات كافة، انطلاقا من قمة “العلا” التي عُقدت في الخامس من يناير/كانون الثاني الماضي، وأسفرت عن إنهاء حصار فرضه الرباعي العربي (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) على قطر منذ يونيو/حزيران 2017.

ورغم أن مسارات تطبيع العلاقات مع تركيا كانت محل اتفاق من جانب الرباعي فيما يخص قطع أو تجميد علاقاتها مع أنقرة، فإن العودة كانت منفردة، حيث سلكت كل دولة طريقا مختلفا في عودتها نحو تطبيع علاقاتها مع تركيا حسب ما تقتضيه مصالحها الخاصة.

 

 

وإذا كانت المفاوضات تسير بشكل متسارع بين تركيا من جانب والإمارات والسعودية من جانب آخر، فإنها بطيئة نوعا ما مع مصر، حيث لم تسفر المباحثات بين البلدين عبر الوفود الدبلوماسية على مدى أشهر عن اختراق يذكر نحو تطبيع العلاقات، أو تبادل الزيارات على مستويات عليا.

وفي 29 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن الحوار بين بلاده وبين مصر مستمر. غير أن عملية التعيين المتبادل للسفراء لم تبدأ بعد.

في المقابل، بلغ التطبيع ذروته بين تركيا والإمارات بزيارة ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أنقرة أمس الأربعاء، لأول مرة منذ نحو 10 سنوات، تلبية لدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث وقّع الطرفان 10 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في عدد من المجالات التي تسهم في تعزيز علاقات التعاون وفتح آفاق جديدة للعمل المشترك بين الجانبين.

وفي مايو/أيار الماضي، زار وزير الخارجية التركي السعودية، وأجرى محادثات رسمية مع المسؤولين السعوديين، في أول زيارة لمسؤول تركي رفيع بعد القطيعة التي وقعت بين البلدين في أعقاب اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، في قنصلية بلاده بإسطنبول.

 

 

3 ملفات
يطرح التباطؤ المصري في عودة تطبيع العلاقات مع تركيا -مقابل التسارع الإماراتي والتقارب السعودي- سؤالا جوهريا بشأن اختلاف حسابات القاهرة عن حسابات أبو ظبي والرياض في مسألة تطبيع العلاقات مع أنقرة، وما تلك الملفات؟ وهل تراوح المفاوضات بين الجانبين مكانها في ظل ذوبان الجليد بين حلفائها في دول الخليج وتركيا؟

في هذا السياق، يحدد أستاذ العلوم السياسية خيري عمر 3 ملفات ثقيلة يرى أنها تبطئ وتيرة تقدم المفاوضات بين البلدين؛ هي ملف ترسيم الحدود البحرية بالبحر المتوسط، والملف الليبي وما يشمله من تواجد قوات تركية على الأراضي الليبية، وملف قيادات وعناصر جماعة الإخوان المسلمين المقيمين على الأراضي التركية.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الأكاديمي المصري المقيم في تركيا أن مثل هذه الملفات تعد من القضايا المهمة للجانبين، وأي تقدم في تطبيع العلاقات مرهون بإحراز نجاحات فيها جميعا، سواء من خلال الوصول إلى تفاهمات أو تنازلات متبادلة، في ظل مراوحة المفاوضات مكانها، وعدم قدرتها على إحداث اختراق يذكر حتى الآن.

لكن عمر استدرك بالقول إن الفروق بين الدول الأربع تتركز في الملف السياسي فقط، لكن العلاقات الاقتصادية تعمل بشكل شبه طبيعي وفي معزل تقريبا عن الخلافات السياسية التي امتدت سنوات طويلة؛ مضيفا أن الإمارات ومصر والسعودية شركاء تجاريون مهمون لتركيا، والعكس صحيح.

 

تصفير الأزمات
ووصف السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق “مسألة تطبيع الدول الثلاث علاقاتها مع تركيا بأنها مسألة وقت، بغض النظر عن الملفات العالقة بينها، “وإن كانت كل دولة تتصرف وفق ما تمليه عليها مصالحها، في ظل إعادة ترسيم العلاقات بالمنطقة المتوترة سياسيا”، حسب قوله.

وأكد الأشعل -في حديثه للجزيرة نت- أنه كلما تقدم التطبيع السعودي الإماراتي التركي حث ذلك المفاوض المصري على الوصول إلى تسوية سياسية مبدئية في شأن الملفات العالقة والشائكة مع تركيا، وهو أمر جيد للجميع.

لكن الأشعل استبعد أن يؤثر ملف جماعة الإخوان في ترسيم العلاقات مجددا بين الجانبين، وتوقع في الوقت ذاته أن تشهد المفاوضات دفعة جديدة في الأيام المقبلة؛ لأن التطورات المتسارعة تفرض على الجميع تصفير الأزمات.

ومطلع الشهر الماضي، وفي رده على سؤال بشأن تطورات العلاقات بين بلاده وتركيا، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن هناك قدرا من التقدم في العلاقات مع تركيا، نأمل أن يتم البناء عليه.

وكانت وزارة الخارجية التركية قالت في الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي إن الجولة الثانية من المشاورات الاستكشافية مع مصر أكدت رغبة البلدين في إحراز تقدم في قضايا محل نقاش وتطبيع العلاقات.

ووفق بيان مشترك عقب تلك الجولة، اتفق الطرفان على مواصلة تلك المشاورات، وتأكيد رغبتهما في تحقيق تقدم في الموضوعات محل النقاش، والحاجة لاتخاذ خطوات إضافية لتيسير تطبيع العلاقات بين الجانبين.

يذكر أن الجولة الأولى من المحادثات الاستكشافية بين البلدين عُقدت بالقاهرة في السادس والسابع من مايو/أيار الماضي بناء على دعوة من الجانب المصري، وفي ختامها صدر بيان مشترك وصف المحادثات التي جرت بالصريحة والمعمقة.

 

 

تململ تركي وتباطؤ مصري
في المقابل، يرى المحلل السياسي والخبير الاقتصادي التركي يوسف كاتب أوغلو أن سياسة بلاده تهدف إلى إزالة جميع الخلافات مع الدول الإقليمية، خاصة بعض الدول العربية في إطار حرصها على عودة العلاقات إلى سابق عهدها مع السعودية والإمارات ومصر، ولكنها لا تسير بشكل متواز؛ بسبب وجود مسائل عالقة هنا وهناك.

وفي تصريح للجزيرة نت، وصف كاتب أوغلو الوضع بين مصر وتركيا بالمتجمد، رغم عقد جولتين استكشافيتين خلال الشهور القليلة الماضية، مشيرا إلى أن المفاوضات لا تسير بشكل متفائل؛ بسبب الموقف المصري من وضع القوات التركية في ليبيا، وموقف الحكومة التركية المعروف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المتواجدين على أراضيها، إلى جانب تردد المصريين في مسألة ترسيم الحدود البحرية.

ورأى أوغلو أن حظوظ الوصول إلى توافق في إعادة بناء العلاقات بين تركيا والدول الثلاث ستكون أكبر مع الإمارات والسعودية منها مع مصر التي لم تحسم أمرها في العديد من الملفات التي تضعها في مقدمة المفاوضات، رغم المطالب التركية الواضحة بالتركيز على النقاط والمنافع المشتركة في تلك المرحلة.

 

 

المصدر : الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى