Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات و أراء

لماذا حرق العمال الكردستاني أسلحته أمام أردوغان؟

    في 11 يوليو/تموز الجاري، شهدت مدينة السليمانية العراقية لحظة رمزية لافتة، حين أقدم 30 عنصرًا من حزب العمال الكردستاني (PKK) – 15 رجلًا و15 امرأة – على إحراق أسلحتهم أمام كهف كاسينا. خطوة جاءت في إطار مبادرة “تركيا خالية من الإرهاب” التي أطلقتها الدولة التركية، وسط آمال بأن تُحدث هذه المبادرة تغييرًا جذريًا لا في تركيا وحدها، بل في عموم الشرق الأوسط.

    بهذا الإعلان الرمزي، سقط حلم الانفصال الذي لاحق التنظيم طوال نصف قرن. فمنذ تأسيسه عام 1978 على يد عبدالله أوجلان، عقب لقاء تمهيدي عام 1973 جمع الانفصاليين تحت ما عُرف حينها بـ”الأبوجيين”، خاض PKK مسارًا دمويًا بدأ بعملية اغتيال في 29 يوليو/تموز 1979 استهدفت النائب عن أورفا محمد علي بوجاق. أعقب ذلك إعلانهم ما سُمّي بـ”قرار المؤتمر الأول”، الذي دعا إلى تأسيس “دكتاتورية شعبية في كردستان موحدة ومستقلة”.

    وفي 15 أغسطس/آب 1984، أطلق التنظيم أولى هجماته المسلحة في إروه وشمدينلي، مستهدفًا موظفين رسميين، وأسفرت عن مقتل جنديين وتسعة مدنيين. ومنذ ذلك التاريخ، دخلت تركيا في مواجهة طويلة أسفرت عن استشهاد نحو 15 ألف شخص، وتكبّدت الدولة خسائر اقتصادية قُدّرت بتريليونَي دولار.

    الشمس قوية؟ بشرتك أقوى مع رادينس عبوة 75 مل – كفاية وفعالية تدوم

     

     

    وعلى مدار 40 عامًا من الصراع، تم تحييد أكثر من 46 ألف عنصر من التنظيم. لكن هدف التنظيم الحقيقي – تقويض الأخوة التاريخية بين الأتراك والأكراد – فشل رغم كل محاولاته، إذ بقيت هذه الأواصر راسخة.

    التحول الأيديولوجي والتنظيمي

    في 27 فبراير/شباط 2025، أعلن عبدالله أوجلان من سجنه – حيث يقضي حكمًا بالسجن المؤبد منذ 1999 – عن حلّ التنظيم من الناحية الأيديولوجية، مشيرًا إلى أن مشروع الانفصال فقد معناه. وأوضح أن مفاهيم الدولة القومية والفيدرالية والحكم الذاتي، لم تعد تجيب عن أسئلة السوسيولوجيا التاريخية، خصوصًا بعد انهيار الاشتراكية وتغير السياسات المحلية المتعلقة بالهوية وحرية التعبير.

    وفي مايو/أيار 2025، تبنّى المؤتمر الثاني عشر لـPKK قرارات أوجلان، معلنًا حلّ البنية التنظيمية للحزب، وإنهاء الكفاح المسلح رسميًا.

    من المواجهة إلى الحسم

    أظهرت التجربة التركية بعد محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016 أن الحل العسكري الصارم – وليس المفاوضات – هو الطريق الفعّال لإنهاء الإرهاب. وقد أثمرت عمليات مثل “درع الفرات”، و”غصن الزيتون”، و”نبع السلام” في شمال سوريا عن إنشاء مناطق آمنة، رغم المعارضة الأميركية والروسية. كما نفذت القوات التركية سلسلة عمليات دقيقة في العراق ضمن “سلسلة المخلب”، أدّت إلى تقويض قدرات PKK بشكل كبير.

    ونجحت الاستخبارات التركية في تحييد نحو 200 قيادي بارز داخل التنظيم، ما أدى إلى شلّ مركز قراره. ومع تلاشي وجوده الفعلي داخل تركيا، تراجعت أيضًا قدرته على التحرك في سوريا والعراق.

    التبدّل في الدعم الدولي

    السياسات الدولية شهدت تغيرًا ملحوظًا. نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة، والتحولات في الموقف الأوروبي، ساهمت في تقليص الدعم الخارجي للتنظيم. أما ما تبقى له من دعم – لا سيما من إسرائيل وبعض الجهات الإيرانية – فلم يعد كافيًا لإبقائه حيًا.

    انتصار الثورة السورية في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وما تبعه من اندماج جناح PKK السوري (PYD/YPG) ضمن النظام السوري الجديد، أسهم أيضًا في تفكيك ما تبقى من التنظيم.

    الموقف الأميركي الجديد

    تصريحات توم باراك، السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا، أكدت التغير في السياسة الأميركية تجاه YPG، قائلًا:
    “قوات سوريا الديمقراطية (SDG) هي YPG، وYPG هي فرع من PKK. لن نسمح بوجود دولة داخل الدولة، ولا بد من دولة سورية واحدة موحدة، بدستور واحد، وبرلمان واحد، وعلم واحد”.

    ويعني ذلك انتهاء سياسة التسليح والدعم التي وفّرت خلالها واشنطن نحو 60 ألف شاحنة أسلحة وذخيرة لـPYD/YPG منذ عام 2013. إذ باتت أولويات الولايات المتحدة مرتبطة بعلاقتها الجديدة مع النظام السوري، ولم تعد مستعدة للمجازفة باستقرار المنطقة عبر دعم كيان انفصالي.

    نحو تصفية شاملة

    بعد إحراق الأسلحة في العراق، يُنتظر أن يتم تسليم ما تبقى من ترسانة PKK، إضافة إلى تفكيك أذرعه في إيران (PJAK) وسوريا (PYD/YPG). أما العناصر غير المتورطة في جرائم، فستُدمج ضمن النظام السوري الجديد.

    وأكد عمر تشيليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، أن تركيا تدير هذا المسار بحزم كامل وبآلية تحقق ذاتية، دون تدخل أطراف ثالثة. وصرّح:
    “هدفنا هو تركيا خالية من الإرهاب. العملية تشمل جميع امتدادات PKK الأيديولوجية والمالية والتنظيمية، كـPYD وPJAK وKCK”.

    خلاصة المشهد

    اليوم، وبعد أن فقد تنظيم PKK جميع حواضنه الإقليمية والدولية، لم يعد أمامه سوى خيار وحيد: إلقاء السلاح. حتى ما يُحتمل من دعم إسرائيلي محدود لا يبدو كافيًا لإبقائه حيًا.

    هكذا تُطوى صفحة خمسة عقود من العنف والانفصال، في مشهد يعكس تغيّر المعادلات الإقليمية والدولية، ويمنح شعوب المنطقة فرصة جديدة للسلام والاستقرار.

    نديم شنر

    كاتب وصحفي تركي

    اترك تعليقاً

    زر الذهاب إلى الأعلى