مقالات و أراء

لماذا يعادي بعض الحُكام العرب أردوغان وحزبه؟

لا شك أن فوز السيد رجب طيب أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية بشكل كاسح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في حزيران 2018 وقع كالصاعقة على خصومه في العالم عموماً وفي الشرق الأوسط والعالم العربي خصوصاً، وكنت اسأل نفسي دوماً لماذا هذا العداء من قبل بعض الحكام العرب لأردوغان ولأكثر من نصف الشعب التركي الذي يقف صفاً واحداً إلى جانبه؟ وماهي الحكمة التي يتباهى بامتلاكها هؤلاء الحكام من هذا العداء؟ وهل ان حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة أردوغان حزب إسلامي متطرف؟ وهل ان هذا الحزب هو حزب إرهابي وفاز في الانتخابات بالتزوير والاحتيال كما يحصل في بلداننا العربية؟ الم يكن وصول السيد اردوغان وحزبه إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع وبمراقبة جميع الأحزاب المشاركة في الانتخابات؟ لقد اثبت السيد اردوغان للعالم اجمع ان حزبه والذي هو جزء منه انه حزب إسلامي نموذجي فريد من نوعه وأن الإسلام لا يعادي الديمقراطية، ولا يعادي المفاهيم السياسية الحديثة.                     

 لقد التزم السيد أردوغان التزاماً حرفياً بالاسم الذي أطلقه على حزبه، واستخدمه لاحقاً كشعار سياسي والذي هو يتألف من كلمتين: ” العدالة والتنمية”، فعمل على تحقيق العدالة وحقق الكثير منها، وأنجز التنمية الفريدة من نوعها، وأصبح مضرباً للمثل في الارتقاء الاقتصادي، وكما أصبح مهاتير محمد رائد نهضة ماليزيا رمزاً إسلامياً عظيماً ينافس شخصيات عالمية بكل ثقة، أصبح أردوغان رائد نهضة تركيا رمزاً اسلامياً كذلك.       

فالأمر الذي يغيب عن بال بعض الحكام والساسة العرب اليوم وهم يناصبون تركيا العداء انهم لا يستحضرون دروس الماضي القريب، ومنها درس العراق عندما نصبوا العداء لصدام حسين وقاموا بتسهيل الغزو الامريكي للعراق عام 2003 والذي انتهى بتسليم العراق لكل من ايران وامريكا وبعض القوى الأجنبية الأخرى، مما ساهم في تفكيك الأمن القومي العربي، وكذلك لم يستوعبوا حقائق التاريخ ، فقد كان موقف العرب من الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى ودعمهم للحلفاء عبر ما سمي بثورة الشريف حسين، هذا الموقف الذي كان سبباً من اسباب تفكيك الدولة العثمانية والتي كان اهم نتائجها هو اغتصاب فلسطين وقيام دولة اسرائيل، واليوم وبعد مئة عام يعيد هؤلاء الحكام العرب نفس السيناريو ليكون من اهم آثاره المترتبة على اضعاف تركيا هو قيام كيان آخر في المنطقة يمثل حليفا استراتيجياً لإسرائيل.                             

ولو كان عند الحكام العرب بصيرة ونظرة ثاقبة بعيدة المدى، فإن خير من يتحالفون معه هو أردوغان وحزبه لأنه مثالي للعرب على الصعيد المذهبي والاقتصادي والديمقراطي، وكذلك عليهم التعلم من حزب العدالة والتنمية التركي كيف ينتقلون باقتصاداتهم الهزيلة إلى مصاف الاقتصاديات الصاعدة، ولم لا يتقربون منه، ويستفيدون من خبراته العظيمة في المجال الاقتصادي والتنمية البشرية، خاصة وأن تركيا دولة جارة لنا، ونشترك معها في إرث حضاري وإسلامي كبير، ولمن يريد ان يبني تحالفاته على أسس مذهبية، فحزب العدالة والتنمية حزب إسلامي سُني بامتياز، وهو يشترك بذلك مع أكثر من مليار مسلم في العالم، لكن العجيب ان بعض هؤلاء الحكام يشتكي من الخطر الإيراني المحدق بالمنطقة، ويعادي في الوقت نفسه الأحزاب الإسلامية السُنية التي يمكن أن تكون له سنداً في مواجهة ما يسمونه بالخطر الشيعي. وصدق الكاتب الاردني حسان الرواد حين قال:” ليس لتركيا ثروات العرب، ولا نفطهم، ولا بحارهم ولا أرضهم. كان شعبها كشعوبنا وأقل، كانت من العالم الثالث كنحن، لكنّ الله منّ عليها بزعيم وطني حقيقي ذي يد نظيفة، فنهض نهضة لم تنهضها العرب والعجم في وقت قياسي، فأخلص، وصدق، فتوفق ليصبح عملاق النهضة الإسلامية الحديثة”.                   

وأود في ختام هذه الاسطر ان أتوجه لهؤلاء الحكام العرب وأقول لهم: إذا اردتم تجنب اثار لعنة الناس والتاريخ لكم فعليكم معالجة الاسباب في داخل بلدانكم، أي اشاعة العدالة ومكافحة الفقر والفساد واتخاذ مواقف واضحة في السياسة الخارجية تجعلكم تستعيدون احترامكم وشرعيتكم امام شعوبكم، وليس التآمر على تركيا بالسر ومحاربتها بالعلن باعتبارها تمثل كابوسا يدلل على فشلكم، فتتصرفون بطريقة السلوك المنحرف للطالب الفاشل الذي يتمنى ان يفشل جميع اقرانه ليتخلص من عقدة الفشل الذي تلاحقه.

 

د. عبد السلام ياسين السعدي –  خاص تركيا الآن

زر الذهاب إلى الأعلى