مقالات و أراء

ما الذي يحدث في كازاخستان؟ لمن تشكل منظمة الدول التركية تهديدًا؟

هل ستولد تلك القوة العظمى!؟

اندلعت أولى أزمات العام 2022 في كازاخستان. ذلك البلد في آسيا الوسطى، المستقر والغني بالموارد، قد شهد فورة غضب جماهيرية نتيجة ارتفاع الأسعار.

لكن أُلغي ارتفاع الأسعار وقُطعت الوعود، إلا أن الغضب الجماهيري لم يتوقف. بل تحول الأمر إلى تمرد داخلي، لقد أصبح قضية نظام، وتدخل خارجي.

مطالب الحرية والرفاهية في البلد يتم توجيهها نحو نقطة تهدف للقضاء على السلطة المركزية. ليتحول الوضع إلى تناقض بات أهم عامل يفتح الأبواب أمام التداخل الخارجي.

من يدير موجة الغضب هذه؟

يبرز في المقدمة سؤال ضروري: من يدير موجة الغضب هذه؟ القضية الأكثر أهمية الآن هي محاولة العثور على القوة والإرادة واللعبة والعقل الذي يقف وراء كل هذه السيناريوهات.

أما السلطات الكازاخستانية فقد لجأت إلى طلب الحصول على مساعدة خارجية من أجل قمع هذ الغضب. لتجيب روسيا وأعضاء “منظمة الأمن الجماعي” على ذلك الطلب بتقديم الدعم العسكري. وفي هذه النقطة بالذات خسرت الدولة والمحتجون على حد سواء.

قلب آسيا:

لمن تشكّل منظمة الدول التركية تهديدًا؟

آسيا الوسطى هي قلب أوراسيا. فهي مركز التدفق الاقتصادي وخطوط الإمداد والحسابات الجيوسياسية بين الصين وأوروبا، بين الصين وإفريقيا، بين الشرق والغرب.

آسيا الوسطى تعتبر الآن المحور الرئيسي لجميع الخطط الاقتصادية والأمنية في العالم. إنها منطقة الصراع الرئيسية بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى.

إن الدول التركية من خلال مواردها القوية ومواقعها التي لا تقدر بثمن تُعتبر كلمة الفصل في جميع المشاريع العالمية. وإن مسألة تأسيس قوة خاصة بهذه الجغرافيا الحرجة يعتبر تهديدًا كبيرًا بالنسبة للقوى المركزية.

ولهذا السبب يُنظر إلى منظمة الدول التركية التي ظهرت بقوة في الفترة الماضية على أنها تهديد لكل من الشرق والغرب.

قوة مشتركة لحزام جديد

في حزام الإمبراطوريات

يريدون رؤية آسيا الوسطى بوضع مثل وضع الشرق الأوسط. فمواردها كثيرة، لكن هذه الموارد يجب أن تتدفق إما إلى الشرق أو الغرب!

وإن تحديد “المصير” لذلك يعني فترة طويلة جدًا من الانتداب والاستعمار والسيطرة.

إن الطريق الوحيد لإنقاذ الوضع هو إنشاء قوة حزام مشترك يمتد من الأناضول إلى سور الصين العظيم.

يجب إعادة تنشيط حزام الإمبراطوريات.

هذا هو الفكر الأسياسي بالنسبة لتركيا. وهذا هو المكان الذي أُطلق عليه اسم الجمهوريات التركية. ويمكن للمحور التركي أن يستقر في قلب خريطة القوى العالمية.

الحرية والرفاهية،

وجود الدولة.

مجال جديد للتدخل.

هذا الفكر يشكل خطرًا بالنسبة للشرق والغرب على حد سواء. لأنه يعني إنشاء منطقة للعبة جديدة، وإضافة لاعب جديد إلى القوى المركزية المحددة.

إن القضية في كازاخستان ليست قضية محلية فحسب. فالوضع يقدم مثالًا واضحًا على كيفية استغلال المطالب البريئة بالحرية والرفاهية.

إن كلًا من الدولة والشعب الآن عالقَين ما بين مطالب الحرية من جهة ووجود الدولة والبلد من ناحية أخرى. وإن هذا العجز يفتح بدوره بابًا جديدًا أمام تدخل القوى المركزية ويسهّل تموضعها الجغرافي كذلك.

استخدام الجماهير كسلاح

وأسقط الدول:

هكذا يتم توجيه الحروب.

لقد بدأ نوع جديد من أساليب الحروب، من خلال استغلال ضعف ومطالب الشعوب من أجل إسقاط الدول. يجربون ذلك في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى.

بدأ ذلك عبر ثورات مخملية في دول مثل أوكرانيا وجورجيا. لينتقل الوضع نحو العالم العربي من خلال استغلال موجات الغضب التي تجلت في “الربيع العربي”.

والآن وصل الوضع إلى مرحلة جديدة. من خلال خطة تقوم على استخدام الجماهير كسلاح بهدف إسقاط الدول وتدمير البلاد وعدم ترك نظام قائم على رجليه.

كل بلد ضمن ذلك الحزام؛ يواجه هذا التهديد

لنكن واضحين؛ إن كل بلد ضمن ذلك الحزام بدءًا من الصين إلى آسيا الوسطى وجنوب آسيا فإيران فالأناضول فالبلقان فأوروبا الشرقية فخليج البصرة فالبحر الأحمر إلى شمال إفريقيا ووسط إفريقيا؛ يواجه التهديد ذاته وجهًا لوجه.

إنه صراع على القوة بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى. إنها حرب تقاسم. وإذا لم تتأسس لغة سياسية وقوة وشراكة جديدة في هذا الحزام فسنشهد نوعًا مخيفًا للغاية من الانهيارات.

وقد تبدأ صراعات لا نهاية لها في هذه المناطق، في الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين.

عاصفة قوية:

تركيا تدعو إلى زعزعة هذا النظام

ولذلك فإن تركيا في حالة صراع مع هذه العاصفة القوية. إنها تدعو الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وشمال ووسط إفريقيا إلى زعزعة نظام القوى الاستعمارية الجديد الذي تأسس من أجل القرن الحادي والعشرين. إنها تدعو لحماية الدول وحماية البلاد وحماية الشعوب، والنهوض بهذه الجغرافيا.

ولهذا السبب تم توجيه أعنف الضربات والهجمات ضد تركيا. وجرت محاولات شتى من أجل تطويقها وحصارها وجعلها غير قادرة على رفع رأسها في الخارج والداخل.

ستولد قوة جديدة

لكن تركيا نجحت في تجاوز جميع تلك المحن. لقد استطاعت قراءة جميع الحسابات العالمية والإقليمية بنجاح، وبدأت النضال من نقطة الصفر. ولهذا السبب تشن القوى المركزية في الشرق والغرب هجمات لا هوادة فيها كي تمنع ولادة قوة عظمى جديدة في دائرة المحور الرئيسي للعالم.

فهل يمكن أن ينجحوا في ذلك؟ لن ينجحوا سواء على المدى المتوسط أو البعيد. لن يتكمنوا من إيقاف تركيا. وستكمل تركيا طريقها لا محالة، وحينئذ سيتغير محور هذا العالم.

سلاح الحرية وجيش العبيد

إن الحرية والرفاهية حق للأفراد والجماهير وللناس جميعًا دون شك. لكن يبدو من الصعب البقاء من خلال هذه الحقوق وحدها في القرن الحادي والعشرين. فهم يستغلون هذه الحقوق ويسلحونها بكل سهولة. وبهذا السلاح يضربون وطنَ ودولة ومستقبل كلّ من يطلب بالحرية.

ومن خلال هذا السلاح ذاته يحولون مطالب الجماهير إلى أداة تدخل اجنبي من أجل إسقاط الدول والأوطان. ومصير هذا الوضع معروف، حيث تبقى الشعوب بلا صاحب، وتتحول إلى جيش من العبيد للشركات متعددة الجنسيات.

حقيقة القرن الحادي والعشرين:

خسارة الشعوب حينما تضيع الأوطان

سيشهد هذا القرن خسارة الشعوب التي فقدت أوطانها. ومن يستطيع تعزيز منطقة قوته المركزية سيبقى على قيد الحياة. ولهذا السبب تعزز تركيا بجهود استثنائية دروعها الدفاعية. ولهذا السبب تعزز قوّتها المركزية. ولذلك توصي جميع الدول الصديقة بهذا الجانب.

وما يحدث في كازاخستان ربما نشهده في دول أخرى ضمن الحزام الذي تحدثنا عنه. ولنكن حذرين حيال نقاط ضعفنا وإهمالنا، فذلك سيجعل بلادنا تدفع ثمنًا باهظًا ويفقدها الكثير. وفي النهاية نحن والدولة والبلد نخرج خاسرين دون استثناء.

من الذي سيربح إذن؟ جواب هذا السؤال يبدو كافيًا لرية الحقيقة.

سيحدث انفجار قوة.

متسلحون بالأمل والحذر معًا.

يجب أن لا يتحول المحور الرئيسي لهذا العالم مرة أخرى عبدًا للشرق أو الغرب. يجب أن لا يضيع قرن آخر على هذا النحو. يجب على الدول والشعوب على حد سواء أن تدرك بأن الأخطاء الصغيرة يمكن أن تسفر عن كوارث كبيرة.

ستتجاوز كازاخستان هذه المحنة. وستشهد دول آسيا الوسطى هذا الفخ ذاته. وستواصل تركيا دعوة هذه الدول نحو الطريق الصحيح. وسيحدث انفجار قوة في الجغرافيا الكبرى العالقة ما بين الشرق والغرب.

لسنا قلقين بل متسلحون بالأمل، لكننا حذرين للغاية في الوقت ذاته!

 

 

ابراهيم قراغل – يني شفق

زر الذهاب إلى الأعلى