اقـتصــاديـة

ما فرص نجاح تركيا والمغرب بتصنيع سيارات كهربائية محلية بالكامل ومن المؤهل للحاق بهما من دول المنطقة؟

في توقيتين متقاربين، أعلنت تركيا والمغرب عن إنتاج أول سياراتين كهربائيتين مصنعتين بنسبة 100% في البلدين، حسب مسؤولين بالدولتين، فكيف تحقق ذلك؟ وهل يستطيع البلدان أن يقدما سيارات كهربائية قادرة على المنافسة عالمياً؟ وما  دول المنطقة الأخرى المرشحة للحاق بركب تصنيع السيارات الكهربائية؟

 

 

وينظر للسيارات الكهربائية، باعتبارها المستقبل في صناعة السيارات، وللمغرب وتركيا على السواء ميزة تنافسية في مجال صناعة السيارات عامة، والكهربائية بصفة خاصة.

لماذا يمتلك المغرب ميزة نسبية في مجال السيارات الكهربائية؟

 

 

 

يُعتبر المغرب أكبر مصنع للسيارات في إفريقيا والعالم العربي، ففي عام 2018 تفوّق على جنوب إفريقيا، لتصبح البلاد أكبر منتجي سيارات الركاب في قارة إفريقيا.

ويشغّل قطاع صناعة السيارات بالمغرب نحو 230 ألف عامل، وتبلغ قيمة إنتاجه هذا العام، نحو 9 مليارات دولار و341 مليوناً، وهو رقم قياسي بالنسبة للرباط، حسبما قال رياض مزور، وزير التجارة والصناعة المغربي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022،

وأصبح المغرب مركز مفضلاً من قبل الشركات في مجال تجميع وتصنيع السيارات لاسيما الفرنسية، وتحول هذا القطاع لقاطرة رئيسية لاقتصاد البلاد، وفي الوقت ذاته، لدى المغرب ميزة خاصة في السيارات الكهربائية باعتباره من الدول النادرة التي تمتلك احتياطات كبيرة من معدن الكوبالت الأساسي في مجال تصنيع بطاريات أيون-الليثيوم القابلة لإعادة الشحن، والمستخدمة في المركبات الكهربائية، حسب تقرير لموقع  Middle East Eye البريطاني.

 

يقول عثمان قوتاري، أحد كبار مستشاري مجموعة “أولبرايت ستونبريدج” المتخصصة في هذا المجال، إنَّ “هدف المغرب في مجال صناعة السيارات الكهربائية أن يتجاوز مرحلة مجرد توفير المواد الخام إلى معالجتها داخل البلاد واستخدامها في بطاريات محلية الصنع، إنَّهم يريدون ربط الكوبالت بتصنيع المركبات الكهربائية”.

 

شركة رينو الفرنسية تصنع سيارتها الصغيرة سانديرو التي تسوق في أوروبا باسم داتشيا سانديرو في المغرب/رويترز، أرشيفية

وأضاف أنَّ “الدعم الحكومي لهذه الخطة ووجود مركز كبير بالفعل لتصنيع السيارات في المغرب قد أثار اهتمام المستثمرين”.

وتابع: “تتمثّل الفكرة في بناء نظام بيئي حاضن لبطارية السيارة الكهربائية، ينتقل من إنتاج السلعة إلى إعادة تدوير البطاريات القديمة”، مشيراً إلى أنَّ جميع المكوّنات موجودة بالفعل في المغرب.

 

 

قال مايكل تانتشوم، الزميل غير المقيم في برنامج الاقتصاد والطاقة بمعهد الشرق الأوسط، لموقع “Middle East Eye” إنَّ المغرب لديه سجل أداء ناجح في جذب الاستثمار الأجنبي، مضيفاً أنَّ هذا التطور سيتناسب مع هدف الحكومة المتمثّل في تعزيز الإنتاج المحلي في مجال صناعة المركبات.

وأضاف أنَّ “إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية داخل المغرب من شأنه تحفيز التوسّع في قطاع تصنيع السيارات الكهربائية”.

 

 

مصنع جديد للبطاريات

في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي (2021)، اقترح قانون المالية العامة المغربي لعام 2022 خفض رسوم خلايا بطاريات الليثيوم آيون من مستواها الحالي البالغ 40% إلى 17.5%، لدعم تجميع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب محلياً، اعتماداً على واردات الخلايا من شرق آسيا.

وأعلنت الرباط مؤخًراً توقيع اتفاقية وشيكة لبناء مصنع “غيغافاكتوري” لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب.

ويعدّ مصنع “غيغا فاكتوري” مصطلحاً أطلقته شركة “تيسلا” على المصانع التي تنتج بطاريات السيارات الكهربائية بنطاق فائق الاتساع، بما يكفي لتصنيع بطاريات لما يتراوح بين 30 ألفاً و45 ألف سيارة كهربائية، وفق حجمها وطرازها، وقد يتسع إلى إنتاج بطاريات لـ300 ألف سيارة كهربائية إضافية.

وهذا التوقيع يعزز موقع المغرب في مجال النقل الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

 

فمفتاح تقدم المغرب، ليكون عملاق تصنيع في مجال التنقل الأخضر، هو التوسع في تصنيع بطاريات الليثيوم أيون محلياً، التي تشكّل 30% إلى 40% من متوسط تكلفة السيارة الكهربائية، حسبما ورد في تقرير لموقع الطاقة.

واستفاد قطاع تصنيع السيارات الكهربائية في المغرب من تركيز أوروبا على تقريب سلاسل التوريد من القارة الأوروبية وعدم الاعتماد على آسيا، خاصة الصين، الذي ظهرت عيوبه خلال جائحة كورونا إضافة للقلق من التوترات بين الغرب وبكين.

ومع توافر موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إضافة إلى البنية التحتية على نطاق المرافق القائمة، فإن الرباط تحظى بقدرات تؤهلها لتكون مركزاً لصناعة السيارات الكهربائية.

 

 

نجاح  المغرب في صناعة السيارات التقليدية يؤهله للانتقال للكهربائية

دعمت الرباط خطط التقريب عبر خطة تسريع صناعي اتّبعتها خلال المدة من 2014 حتى 2020، طورت فيها النقل عالي السرعة والسعة بصورة متزامنة، من خلال بناء ميناء طنجة الذي يوصف بأنه أكبر المواني في البحر المتوسط.

وعزز تطوير المغرب للموانئ والسكك الحديدية من اتجاه مجموعة “رينو” الفرنسية إلى إنشاء مصنع ثانٍ لها في المملكة، بالإضافة إلى إنشاء مجموعة “بي إس إيه” -أحد أعضاء تكتل ستيلانتس- مصنع “بيجو” في القنيطرة شمال الرباط.

ويحظى مصنعا “رينو” و”بيجو” بدعم 250 مورداً دولياً من أميركا وأوروبا واليابان وبلدان أخرى تشغّل مصانعها المحلية الخاصة.

وبفعل سياسات التقارب أيضاً؛ تصنع بالمغرب سياراتان من الأكثر مبيعاً في أوروبا، وهما (بيجوب 208، وداسيا سانديرو التابعة لـ”رينو، حيث نقلت الشركة الأخيرة إنتاجها الكامل لهذا الطراز من رومانيا إلى مصانعها في الدار البيضاء وطنجة بالمغرب؛ لانخفاض تكلفة العمالة بنسبة 50%.

 

 

قصة أول سيارة كهربائية مصنوعة بالكامل في المغرب

أفضت هذه الاستراتيجية إلى تمكين المغرب من صُنع أوّل سيارة “مغربية مائة في المائة”، حسبما أعلن وهي سيارة تشتغل بالطاقة الكهربائية تحمل ماركة “أوبل”، جرى عرضها مؤخراً في باحة مجلس النواب.

وأكد رياض مزور، وزير التجارة والصناعة، أن السيارة التي يبلغ سعرها عشرة ملايين سنتيم مغربي (نحو 9340 دولاراً)، وتبلغ سرعتها القصوى 75 كيلومتراً في الساعة، تم تصميمها وصُنعها بشكل كامل في المغرب.

رغم أنه من الصعب تخيل تصنيع سيارة كهربائية أو أي منتج حديث بالكامل في أي دولة سواء المغرب أو تركيا، ولكن المؤكد أن تصنيع سيارة كهربائية بنسبة كبيرة إنجاز مهم، خاصة إذا تمت على يد شركة عالمية مثل ستيلانتس التي تمتلك أول.

وإضافة إلى سيارة أوبل المشار إليها، أعلنت شركة رينو الفرنسية أنها ستشرع في إنتاج سيارة كهربائية بالمغرب في الربع الأول من العام المقبل، بقدرة إنتاجية في حدود 17 ألف سيارة، حيث يرتقب توجيه الإنتاج إلى السوق الأوروبية.

كما تم الإعلان من قبل شركة سيتروين عن إنتاج سيارة المدينة الصغيرة إيمي (التي تعد بمثابة بديل للدراجة النارية أو السكوتر).

 

 

تركيا أكبر مصدر سيارات لأوروبا وألمانيا سوقها الأهم

تعد تركيا منتجاً رئيسياً  للسيارات على المستوى الدولي، حيث تحتل المركز الثالث عشر من بين الدول المنتجة للسيارات في العالم بعد فرنسا، وقبل إندونيسيا، وفقاً لإحصاءات عام 2021.

وصدرت البلاد ما قيمته 29.3 مليار دولار من قطاع السيارات في عام 2021، حيث يحتل هذا القطاع المرتبة الأولى في إجمالي صادرات البلاد بنسبة 13.3%، وفقاً لجمعية جمعية مصدري صناعة السيارات في أولوداغ (OIB).

وتعتبر أنقرة أكبر مصدر لأوروبا، وفي العام الماضي، أصبحت ألمانيا أكبر سوق تصدير، حيث زادت صادرات تركيا لبرلين ألمانيا بنسبة 17% مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى 4.1 مليار دولار.

وارتفعت الصادرات أيضاً إلى فرنسا والمملكة المتحدة، بنسبة 14% و 39%، كما كانت هناك زيادة بنسبة 22% في الصادرات إلى المغرب.

سيارة توغ التركية الكهربائية في معرض مفتوح للجمهور/ الأناضول

 

وشكلت صناعة السيارات في تركيا ما يقرب من 20% من إجمالي صادرات تركيا في النصف الأول من عام 2022، ولا يزال هذا الرقم في تزايد.

وعلى مدى السنوات الأخيرة، أصبحت تركيا واحدة من مراكز الإنتاج الأكثر شهرة في العالم للعديد من العلامات التجارية للسيارات العالمية، ويرجع ذلك أساساً إلى موقعها الجغرافي بين أوروبا وآسيا، ومهارات العمالة ورخصها النسبي مقارنة بالمنافسين، خاصة في أوروبا، إضافة إلى شبكة صناعات مغذية للسيارات قوية، وتسهيلات حكومية متعددة.

ويوجد أكثر من 250 مصنعاً ومورداً عالمياً للسيارات في تركيا ، بما في ذلك Ford و Fiat و Daimler و AVL و Segula، التي لديها أنشطة التصميم والهندسة وتطوير المنتجات في تركيا.

ويوجد في تركيا واحد من مراكز البحث والتطوير العالمية الثلاثة التابعة لشركة فورد الأمريكية، ومركز شركة فيات للبحث والتطوير الوحيد خارج إيطاليا يوجد في بورصة التركية، والذي يخدم السوق الأوروبية. وتطور شركة Daimler الألمانية للحافلات عمليات التصنيع في مركز البحث والتطوير الموجود في تركيا.

 

أنقرة اختارت مساراً مختلفاً عن الرباط عبر التركيز على بناء علامة وطنية

يتشابه نموذجا تصنيع السيارات في تركيا والمغرب إلى حد ما، باعتمادهما بشكل كبير على استضافة مصانع الشركات العالمية، مع ارتفاع نسبة المكون والتصميم المحلي في تركيا عن المغرب.

ولكن في مجال السيارات الكهربائية يسير البلدان في طريقين مختلفين نسبياً، فبينما يركز المغرب على أن يصبح مركزاً لصناعة السيارات الكهربائية الصغيرة الرخيصة المخصصة لأسواق أوروبا والشرق الأوسط التي تنتج من قبل شركات عالمية، فإن أنقرة تركز على حلم أن يكون لديها علامتها التجارية الخاصة، وألا تكتفي بمكانتها كواحدة من أهم منصات التجميع والتصنيع للشركات العالمية، وأن تكون السيارة المحلية الصنع متوسطة الحجم وعالية الأداء نسبياً.

وهي مسألة أكثر صعوبة، وخاصة أن جهود أنقرة لإطلاق علامة وطنية للسيارات، جُوبهت تقليدياً بتشكك محلي ودولي، ولكن تركيا باتت أقرب لتحقيق هذا الحلم الذي يعود لأكثر من 60 عاماً بعد إطلاق سيارتها “توغ”.

 

 

أردوغان يفتتح المصنع ووزير الصناعة يختبر تسارعها

افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نهاية أكتوبر/تشرين الأول مصنع إنتاج السيارة الكهربائية المحلية “توغ” (TOGG) في منطقة غمليك بولاية بورصة، تزامناً مع الذكرى السنوية التاسعة والتسعين لتأسيس الجمهورية التركية.

ونُشر فيديو لوزير الصناعة والتكنولوجيا التركي وهو يختبر تسارع السيارة مع الصحفيين، الذي فوجئوا بتسارعها العالي.

والآن تستعد توغ للسير على الطرقات التركية في الأشهر الأولى من العام المقبل، حسب موقع قناة TRT التركية، حيث يتوقع أن تطرح في الأسواق خلال الربع الأول من العام المقبل، علماً بأن تركيا لديها سمعة قوية في أسواق السيارات بأوروبا والشرق الأوسط وروسيا تمثل رصيداً للسيارة.

بالنسبة للأتراك، فإن “توغ” أكثر من مجرد سيارة، فهي رمز وطني، ويقولون إن تصميمها مستوحى من العمارة والطبيعة التركية.

وركزت تركيا في مشروع السيارة محلية الصنع على أن تكون كهربائية، باعتبارها السيارات الكهربائية تقنية جديدة، مما جعل من المقبول والشائع عالمياً أن يتم إنتاجها من قبل علامات جديدة رائدة، بينما سيارات الاحتراق الداخلي تنتجها شركات عريقة يصعب منافسة علامتها التجارية العتيقة.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن “بلاده تهدف إلى أن تكون أكبر مركز عالمي لصناعة السيارات الكهربائية، ومن أكبر مراكز صناعة البطاريات”.

وتأسس كونسورتيوم تصنيع السيارة “توغ” في منتصف 2018 على يد 5 مجموعات صناعية، من بينها شركات تكنولوجيا، مع رعاية وتسهيلات حكومية واسعة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، قُدمت طرازات سيارات الدفع الرباعي والسيدان من “توغ” لأول مرة بحضور الرئيس التركي.

وتركز أنقرة على الجانب التقني في السيارة بحيث تحتوي على شاشات عرض وتكنولوجيا اتصال مميزة، وغيرها من التقنيات الحديثة، وهي سمة أساسية للسيارات الكهربائية سنتها شركة تيسلا الأمريكية الرائدة، ولذا يصف  الأتراك توغ بأنها: “ليست سيارة فحسب، بل ستكون حاسوباً يمشي”.

وسبق أن أكد الرئيس التركي أن البرمجة هي العنصر الأكثر أهمية وكفاءة للتكنولوجيا الحديثة، متعهداً بزيادة عدد المبرمجين من 170 ألفاً إلى أكثر من 500 ألف.

وبحلول 20 مارس/آذار 2022 تجاوزت “توغ” جميع الاختبارات بنجاح، وكان آخرها اختبارات الشتاء في ظروف قاسية تصل إلى 40 درجة تحت الصفر في أقرب نقطة من القطب الجنوبي (مركز الاختبار المعتمد في أوشوايا بالأرجنتين).

وجرى تصميم وتطوير “توغ” لتكون سيارة كهربائية بالكامل منذ التصميم، ويصل مداها بالشحنة الواحدة إلى 500 كيلومتر، ما سيتيح لسائقيها السفر مسافات طويلة بسعر مناسب بفضل ميزة الشحن السريع.

ويُنتظر أن تصنع المجموعة 18 ألف سيارة خلال السنة الأولى على أن يرتفع الرقم إلى 174 ألف سيارة سنوياً. وفيما سيكون تركيز البيع في السوق المحلية أولاً بعد طرحها للبيع في مارس/آذار 2023، سيجرى الانفتاح على السوق الدولي بعد عامين؛ أي في 2025.

 

 

كيف أنتجت تركيا هذه السيارة؟

لدى تركيا شبكة واسعة من مصانع أجزاء السيارات وتجميعها، ولكن يظل أصعب شيء في مجال إنتاج سيارة هو المحرك والشاسيه أو قاعدة العجلات وكذلك العلامة التجارية ذاتها، وهي مسائل كانت تركيا تعاني فيها مقارنة بالمصنّعين الكبار.

وهنا تأتي ميزة السيارة الكهربائية بالنسبة لتركيا.

فبالنسبة للشاسيه أو قاعدة العجلات، فقد أفادت تقارير إعلامية بأن السيارة الكهربائية التركية TOGG سوف تعتمد على منصة من شركة ساب السويدية الشهيرة الخاصة بالسيارة (Saab 9-3)، وهي شركة عانت تاريخياً من مشكلات مادية، ولكن تظل لديها ميزة التفوق السويدي التقليدي في إنتاج سيارات فاخرة وصلبة ومعاملات الأمان فيها مرتفعة للغاية.

وبالنسبة للمحرك، فإن هذه ميزة إضافية للسيارة الكهربائية بالنسبة لتركيا.

فليس على البلاد أن تبدأ من الصفر في محاولة إنتاج تكنولوجيا محركات الاحتراق الداخلي التي تعتمد على الوقود الأحفوري، أمام منافسين سبقوها منذ عشرات السنين.

بل إنها وفقاً للخطة الحالية، ستدخل مجالاً جديداً بطبيعته، حتى بالنسبة لصناع سيارات مشهورين كالألمان.

الأهم أن تركيا لديها خبرة مسبقة في مجال إنتاج المحركات الكهربائية والبطاريات؛ لأن لديها تجربة في إنتاج الحافلات الكهربائية، كما أن لديها تجارب في إنتاج محركات كهربائية أيضاً لبعض مركباتها العسكرية.

وفي الوقت ذاته، فإن تركيا دولة فقيرة نفطياً، ومن ثَم فإن التوسع في استخدام المحركات الكهربائية بالسيارات سيقلل فاتورة استيراد النفط التي تُثقل كاهل الميزان التجاري للبلاد.

وبقدر ما تمثل تقنيات السيارة سبيلاً مُهماً لنجاحها، فإن هناك مسألة مهمة تركز عليها الحكومة التركية، وهي تشجيع تسويق السيارة محلياً عبر إعطائها امتيازات ضريبية، وكذلك التوسع في مجال محطات شحن السيارات الكهربائية.

ويذكر أنه من المخطط إنتاج ما مجموعه مليون سيارة في 5 نماذج مختلفة من منصة واحدة بحلول عام 2030.

 

 

من يستطيع اللحاق بتركيا والمغرب من بقية دول المنطقة؟

يمثل نموذجا تركيا والمغرب في صناعة السيارات ولا سيما السيارات الكهربائية، تجربة مفيدة للعديد من دول الشرق الأوسط ولاسيما الدول العربية.

وتعتبر إيران ثاني أكبر مصنع سيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتاسع عشر على مستوى العالم،  وصناعة السيارات الإيرانية تعتمد على نفسها بشكل كبير في إنتاج المكونات بسبب عزلة البلاد، ولكنها تفتقر للجودة والاقتصادية مقارنة، بتركيا والمغرب؛ نظراً للطابع البيروقراطي والحصار الغربي، وغيرها من مشكلات إيران، وهو ما يعرقل تحولها لمجال السيارات الكهربائية، خاصة أن طهران لديها واحد من أكبر احتياطيات النفط العالمية، وواحد من أدنى معدلات أسعار الوقود في العالم في ظل العقوبات الأمريكية على البلاد التي تجعلها تمتلك كثيراً من النفط الذي لا تستطيع تصديره، إلى جانب صعوبة الحصول على التكنولوجيا والاستثمارات الخارجية.

كل هذا يجعل صناعة السيارات الإيرانية أسيرة ظروفها الخاصة التي تجعلها شبيهة بصناعة السيارات في الاتحاد السوفييتي المنحل، تعتمد على السياسات الحمائية بشكل كبير.

ثلاث دول عربية مرشحة لدخول مجال السيارات الكهربائية

ولأن صناعة السيارات تتطلب بالأساس سوقاً كبيرة نسبياً، فإن هناك ثلاث دول عربية مرشحة للتقدم فيها بما في ذلك السيارات الكهربائية.

من هذه الدول  الجزائر، والتي لديها صناعة سيارات قائمة بالفعل، ولكن تواجه بعض المشكلات غير أنه يوجد بها سوقا كبيرة نسبياً بمعايير المنطقة، وأسعار طاقة رخيصة، وانفتاح نسبي على أوروبا، وموارد مالية حكومية متأتية من صادرات الطاقة، ولكنها تحتاج لتطوير التشريعات، وخاصة المتعلقة بأسعار الصرف، وتوفير ظروف مرنة للشركات وتقوية القطاع الخاص وتدريب العمالة، ولكن الجزائر لديها نفط وغاز وفيران، مما يجعل الحافز قليلاً لديها للتوجه نحو السيارات الكهربائية.

وهناك مصر، التي لديها سوق كبيرة نسبياً أيضاً بالمعايير العربية والإفريقية، وخبرة لا  بأس بها من قِبل عدد من شركات تجميع السيارات، كما أن الأيدي العاملة المصرية باتت رخيصة بعد تراجع الجنيه مؤخراً، بنحو 60%، إضافة إلى أن القاهرة مستورد للنفط، وبالتالي لديها حافز للتوجه للسيارات الكهربائية لتقليل فاتورة استيراد الطاقة.

فضلاً عن أن مصر مضيف مؤتمر كوب 27 لمجابهة التغيرات المناخية، الأمر الذي يعزز فرصها في ملف السيارات الصديقة للبيئة، وهي لديها ميزة نسبية تحديداً في السيارات العاملة بالغاز الطبيعي الأقل إضراراً بالبيئة من البنزين والسولار، إضافة لحافز آخر، هو أزمة الدولار لديها والتي أحد أسبابها توسع فاتورة استيراد السيارات التي بلغت قبل الأزمة الأخيرة نحو 4 مليارات دولار، مرشحة لتصل إلى 8 مليارات دولار، حسب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، مما يجعل من المهم تعزيز الصناعة المحلية لتكون بديلاً للواردات

وتحتاج مصر لتوفير تسهيلات مختلفة للشركات المحلية القائمة في مجال صناعة السيارات، والتي لديها فائض كبير في الطاقة الإنتاجية بجانب اجتذاب الشركات الأجنبية، وهي في حاجة لتطوير مراكز التدريب، وتعميق صناعة السيارات المحلية لديها عبر زيادة المكون المحلي.

أما الدولة الثالثة فهي المملكة العربية السعودية، والتي لديها أكبر سوق سيارات في العالم العربي، وفوائض مالية كبيرة، ورغم أن السعودية أكبر دولة نفطية في العالم، فإنها تولي اهتماماً شديداً، بصناعة السيارات الكهربائية؛ لأن لديها وعي بأن صعود هذه الصناعة سيكون على حساب النفط، ولذا فإن الاستثمار بها أفضل سبيل للتحوط من تراجع أهمية النفط.

واتبعت السعودية التي لم يكن لديها صناعة سيارات محلية تذكر استراتيجية مختلفة عن بقية دول المنطقة، وهي الاستثمار في شركة “لوسيد” الأمريكية الرائدة التي ينظر لها كأقوى منافس لتيسلا، بحيث يساعد ذلك على جذب الشركة لإنشاء مصنع بالمملكة، والتي يتوفر بها العديد من المزايا من الأرض الرخيصة، وبنية تحتية قوية وطاقة رخيصة إلى روؤس أموال، وقدرة على استقدام الأيدي العاملة الأجنبية، إضافة لجهود المملكة في تدريب الأيدي العاملة المحلية، خاصة في ظل اهتمامها بالتعليم في مجالات التكنولوجيا الحديثة.

ووقعت شركة لوسيد اتفاقاً في مايو/أيار 2022، مع الرياض لبناء مصنع بالمملكة، وقال الرئيس التنفيذي ورئيس التكنولوجيا في “لوسيد” للسيارات الكهربائية بيتر رولينسون، إن الشركة تستهدف إنتاج 150 ألف سيارة سنوياً في السعودية بحلول عام 2027، حيث حصلت تمويل وحوافز بـ3.4 مليار دولار من الحكومة السعودية لإنشاء المصنع، وستستفيد الشركة من إنتاج السعودية المحلي من الألمنيوم والبلاستيك في صناعة سياراتها.

زر الذهاب إلى الأعلى