أخــبـار مـحـلـيـة

ما قصة نهر “آراس”.. وهل تثير كلمة أردوغان بباكو أزمة مع إيران؟

ألقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أثناء مشاركته في “احتفالات النصر” بالعاصمة الأذرية باكو، أبيات شعر أثارت حفيظة إيران، إذ أطلق وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، تغريدة غاضبة، قبل أن يتم استدعاء سفير أنقرة لدى طهران للاحتجاج.

 

 

 

وتطرقت الأبيات التي ألقاها أردوغان إلى “نهر آراس” الحدودي بين أذربيجان وإيران، على اعتبار أنه يقسم الشعب الأذري، في إشارة إلى المناطق التي تقطنها أغلبية تركية الأصل في الشمال الإيراني.

وجاء في الأبيات: “لقد فرقوا نهر أراس.. وملؤوه بالرمل..لم أكن أريد فراقك.. ففرقونا قسرا”.

 

 

وفي تغريدة شديدة اللهجة، قال ظريف إن أردوغان لم يتم إخباره بأن الشعر الذي ردده في باكو “بشكل خاطئ” يتعلق بـ”الفصل القسري لمناطق شمال آراس عن الوطن الأم إيران”، في تلميح إلى اعتباره أن أذربيجان الحالية كانت جزءا من إيران سابقا.

 

واستدرك ظريف باتهام الرئيس التركي بالتعدي على استقلالية أذربيجان، التي وصفها بـ”العزيزة”، فيما اعتبرت الخارجية الإيرانية أن أردوغان قام بالتدخل بالشأن الإيراني، وطالبت بتوضيحات من أنقرة.

وشددت الخارجية الإيرانية على أن طهران “لن تسمح لأي طرف باستهداف وحدة أراضيها ولن تتوانى عن الدفاع عن أمنها القومي”.

وأثار رد الفعل الإيراني تساؤلات حول خلفيات القضية، وما إذا كان بيت الشعر الذي ألقاه أردوغان في غمرة احتفال أذربيجان بنصر “قره باغ” قد يتسبب في نهاية المطاف بأزمة إقليمية متعددة الأطراف.

وفي حديث لـ”عربي21“، أوضح رئيس تحرير وكالة “تريند” الأذرية، روفيز حافظ أوغلو، أن ذلك الشعر “تقليدي وقديم يمتد عمره لمئات السنين في أذربيجان”.

 

وأعرب “حافظ أوغلو” عن استغرابه للغضب الإيراني، لا سيما وأن القنوات الفضائية في أذربيجان دائما ما تبث أغاني تردد ذلك النص.

 

وأضاف: “ليس هناك أي معنى سياسي لترديد هذا الشعر، وأذربيجان بالفعل مقسمة إلى قسمين، أحدهما في إيران، وهذه حقيقة تاريخية”.

 

“نهر أذري”

 

ويمتد نهر آراس من شرق تركيا ويشكل جزءا من حدودها مع أرمينيا، ويتواصل عند نقطة التقاء حدود البلدين كذلك مع كل من إيران وإقليم ناختشيفان الأذري.

 

ومع سير مجراه شرقا، يشكل النهر العلامة الأبرز لحدود إيران الشمالية، ولا سيما مع أذربيجان، ما أكسبه أهمية ثقافية خاصة بالمكون التركي الذي يقطن المنطقة منذ قرون.

 

 

واعتبر حافظ أوغلو أن “المشكلة ليست في ذكر اسم نهر آراس، لكن طهران حساسة بشأن نفوذ باكو في المناطق ذات المكون الأذري في إيران”.

 

وفي هذا السياق، شدد حافظ أوغلو على أنه “ليس من السهل الحديث عن المطالبة بمناطق ذات أغلبية أذرية في إيران.. نعم نحن شعب واحد، ولكننا نحترم حدود إيران ولا نؤيد أي حركة انفصالية هناك”، مجددا التأكيد على أن تلك الأبيات لا تحمل أي معنى سياسي.

 

لا خلاف حدوديا “رسميا”

ونفى الخبير الأذري حدوث أي مشكلة حدودية بين البلدين بخصوص المناطق ذات الأغلبية الأذرية في إيران.

 

ورغم حديث أحزاب ومجموعات أذرية عن وجود “اضطهاد” لذلك المكون من قبل السلطات في طهران، “لكن هذا ليس موقف باكو الرسمي”، بحسب حافظ أوغلو.

وقال: “تكرر باكو تأكيدها على احترام حدود الجار الجنوبي، ولم تحدث أي مشكلة من قبل بهذا الخصوص بين الجانبين”.

 

وبشأن الوضع التاريخي للمنطقة، لفت حافظ أوغلو إلى أن “إيران وروسيا توصلتا قبل أكثر من قرن إلى معاهدة أطلق عليها اسم كلستان، وهي في حقيقة الأمر اتفاقية على تقاسم الأراضي الأذرية”.

 

وتعتبر أوساط إيرانية، في المقابل، أن تلك المعاهدة “انتزعت” الأراضي التي تشكل اليوم جمهورية أذربيجان، لكن هذه القضية الحساسة لا تبدو مطروحة على المستوى الرسمي بين باكو وطهران.

 

وقلل حافظ أوغلو، خلال حديثه مع “عربي21″، من شأن الجدل التاريخي، ففي نهاية المطاف، بحسبه، فإن مناطق شمال غرب إيران هي تركية أذرية، من حيث التكوين الديمغرافي والثقافي الخاص بها، وفي الوقت ذاته، لا تسعى باكو أو تطالب بانتزاعها من طهران.

 

احتواء للموقف

 

أما على مستوى العلاقات التركية الإيرانية، فقد استبعد حافظ أوغلو أن يتصاعد الخلاف بين الجانبين، لا سيما وأن أنقرة لم تقم بالرد بشكل فوري على تصريحات ظريف.

 

وقال: “لا نخشى من تصاعد التوتر بين تركيا وإيران لأن علاقاتنا جيدة مع البلدين، وفي حال حدوث أي شيء فسوف نعمل على تقريب وجهات النظر، لكنني أعتقد أن الأمر سيتوقف عند مستواه الحالي، لا سيما وأن أردوغان لم يرد (على الفور)”.

وأضاف: “سينتهي الأمر بنقاش على مستوى وزارتي الخارجية في البلدين، وقد يقوم وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بالرد”.

لكنه استدرك بالقول: “الأكيد هو أن بعض الأطراف (لم يسمها) تريد تسميم الأجواء في المنطقة وخلق أزمة جديدة، ولكننا رأينا أزمات أكبر بين تركيا وإيران وقبل سنوات تصاعدت الخلافات وخرجت مظاهرات في طهران ضد أنقرة، قبل أن يتمكن الجانبان من احتواء الموقف”.

ولم يخف حافظ أوغلو، في الوقت ذاته، انزعاج باكو إزاء موقف طهران من أزمة “قره باغ”، التي استمرت لنحو ثلاثة عقود بين أذربيجان وأرمينيا.

 

وقال: “في أذربيجان، يزعجنا الموقف الإيراني، فرغم الجوار إلا أننا لم نر موقفا قويا داعما لنا (في ملف قره باغ)، وتصريح ظريف يقلقنا ويؤلمنا بشكل إضافي”.

 

وتابع: “في بداية الاشتباكات في المنطقة (مع الجانب الأرميني) كانت طهران قلقة جدا وقد رأينا هذا خاصة عندما حررنا المناطق المحاذية للحدود مع إيران وقد أعربت وسائل إعلام هناك عن ذلك صراحة”.

 

وأضاف: “من طرف باكو لا يوجد أي تعليق على تصريح ظريف، نعم، يؤلمنا الموقف، ولكن لن ننجر إلى ما تريده بعض الجهات من توتير لهذه المنطقة، ومهما حدث من سوء تفاهم بين تركيا وإيران أو أذربيجان وإيران فإنه سيتم احتواؤه”.

 

قلق في إيران

 

وتضم إيران، على محاذاة الحدود مع أذربيجان، ثلاثة أقاليم بأغلبية سكانية أذرية، هي: أردبيل، وأذربيجان الشرقية، وأذربيجان الغربية، وينشط فيها انفصاليون، يعتقد أنهم يتخذون من نهر “آراس” شعارا لهم، بحسب تقرير لموقع “طهران تايمز” الإيراني، الناطق بالإنجليزية.

 

ولفت التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن الغضب من الأبيات التي ألقاها أردوغان امتد إلى منصات التواصل الاجتماعي في إيران، حيث حذر كثيرون من “طموحات الزعيم التركي العثمانية الجديدة”، التي قد تهدد “وحدة الأراضي الإيرانية”، بحسبهم.

وأشار التقرير إلى أن استعراض باكو العسكري شهد أيضا ذكر موقعين إيرانيين، هما “أرج التبريز” وجبل “السبلان”، وذلك ضمن قصائد ملحمية تم بثها عبر مكبرات الصوت، لأهميتهما في الموروث الثقافي الأذري.

ونشر عباس أخوندي، وزير النقل الإيراني السابق، مقطع فيديو عبر تويتر لتلك اللحظات، قائلا إن هذا، بحسبه، يظهر أن جمهورية أذربيجان “تسير في اتجاه التوسع الإقليمي لتركيا”.

 

 

 

عربي21

زر الذهاب إلى الأعلى