أخــبـار مـحـلـيـةالجاليات في تركيا

مشكلة فتح خطوط الموبايل و إعادة بيعها .. سوريون ضحايا سرقة البيانات الشخصية في تركيا

تجارة سلاح و جنس 

تورط لاجئون سوريون مقيمون بتركيا في جرائم لم يرتكبوها، بسبب سرقة بياناتهم الشخصية عبر موزعين لشرائح الهاتف الجوال يستخدمون صور جوازات سفرهم أو بطاقات الحماية المؤقتة في فتح خطوط وإعادة بيعها عدة مرات بشكل عشوائي.

 

 

-فوجئ اللاجئ السوري حسين نصيرات برفض إدارة الحدود التركية منحه تصريح رحلة عمل في خريف عام 2014 لأسبابٍ أمنية دون توضيح ماهيتها، ليتكرر الموقف صيف عام 2016 وقت أن كان في طريقه لزيارة جزيرة قبرص عبر مطار ولاية هاتاي الواقعة جنوب تركيا، إذ مُنع من صعود الطائرة، وألغى موظف الجوازات ختم الخروج بعد منحه إياه بثوانٍ معدودة.

جرى نقل نصيرات العامل في مجال الإغاثة إلى مخفر المطار، ليكتشف أنه مطلوب في ولاية سامسون، بتهم النصب والاحتيال والخطف وطلب الفدية، وتمت إحالته إلى مبنى القصر العدلي بمدينة إسطنبول، لتعقد جلسة المحكمة عن بعد مع قاضٍ من الولاية الواقعة شمال تركيا والتي لم يسمع بها من قبل.

مخاطر عديدة لشراء خط هاتف من بائعين غير معتمدين  

بين خلال الجلسة أن سبب المشكلة رقم هاتف جوال مسجل باسمه من شركة Turkcell، ليؤكد نصيرات للقاضي أنه لا يعلم شيئاً عنه ولم يستعمله إطلاقاً، ويكمل: “نلت البراءة بعد معاناة ونفقات كبيرة، المحكمة تأكدت من استخدام صورة جواز سفري التي سبق أن اشتريت رقم هاتفي عبرها، لفتح شريحة رقم هاتفي آخر استعمل في عمليات إجرامية، تصل عقوبتها إلى 15 عاماً، في حال إثبات التهم”.

 

 

تجارة السلاح والجنس 

تعدّت ظاهرة انتهاك خصوصية مشتري خطوط الهاتف وبيع بياناتهم عبر موزعين حدود الأراضي التركية، كما يقول اللاجئ السوري المقيم في إسطنبول بشار كزبر والذي اكتشف بيع خط مقيد باسمه عام 2017 وإرساله إلى منطقة جبل الزاوية شمال سورية، وتابع: “في شهر أغسطس/ آب 2019 فحصت الخطوط المقيدة باسمي عن طريق تطبيق E-Devlet (الحكومة الإلكترونية التركية)، ووجدت خط Turkcell مقيداً منذ عام 2017، اتصلت على الرقم ليجيب شاب لا أعرفه قال لي إنه يسكن في إدلب، وبأنه قد اشتراه من محل في منطقة صفاكوي بإسطنبول، ما أثار مخاوفي من استخدام الرقم في عمليات غير مشروعة”.

بسرعة توجه كزبر إلى فرع لشركة الهاتف بعدما فوجئ باشتراك رقم الهاتف في مجموعة على تطبيق الواتساب تحمل اسم “تجارة سلاح جبل الزاوية”، قام بتصوير محتواها لتقديم شكوى لدى المدعي العام مختصماً شركة الهاتف من أجل إخلاء مسؤوليته.

تركي1

وتعرض السوري زين لجريمة أكثر إحراجاً كما يقول، رافضاً الكشف عن هويته، إذ تم تغيير مشغل خدمة شريحة الهاتف المحمول لديه من شركة Türk Telekom إلى شركة Turkcell دون تقدمه بطلب نقل الشريحة، ليتم استخدام الرقم في تجارة الجنس. يقول زين: “لدي خط هاتف جوال لا أستخدمه عادةً من شركة Türk Telekom، احتجت له بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ولكن عندما لم أجد الشريحة الإلكترونية، ذهبت إلى شركة غربتنا المتعاقدة مع شركة Türk Telekom لاستخراج شريحة جديدة، ليفاجئني موظف الشركة بأنه تم نقل خطي إلى شركة Turkcell دون أن أتقدم بطلب النقل، مضيفاً أن ما زاد الموضوع غرابةً أنه تم تفعيل الرقم على تطبيق واتساب، وظهرت صورة فتاة لا أعرفها، مع أن الخط ما زال على اسمي ضمن بيانات شركة Turkcell بعد تأكدي من خلال ظهوره ضمن قائمة الأرقام التي أملكها عبر تطبيق E-Devlet، عندها قررت الاتصال بالرقم المسروق للبحث وراء الأمر.

 

 

“اتصلت بالفتاة وسألتها عن كيفية حصولها على الشريحة فأجابت بأنها اشترتها من محل لبيع الخطوط المحمولة”، ليتوجه زين إلى شركة غربتنا مرة ثانية، ويعيد الخط إلى مشغل الخدمة Türk Telekom ويحصل على شريحة جديدة، وبعدما وردت إليه مكالمات مشبوهة، اضطر لإغلاق الخط نهائياً.

 

 

كيف يتم انتهاك خصوصية الضحايا؟ 

تواصل معد التحقيق مع موزع يعمل في بيع الخطوط، وطلب منه الحصول على شريحتي هاتف محمول مسجلتين باستخدام بيانات شخص آخر، مع عقدي البيع وصورة عن الوثيقة التي تم استخدامها لشراء الخطين، وبالفعل توجه إلى محل البائع الموجود بالقرب من محطة مترو أكسراي، وحصل على صورة من جواز سفر الضحية والذي أخفى “العربي الجديد” هويته، وهو سوري الجنسية قادم حديثاً إلى تركيا بفيزا صادرة من القنصلية التركية في بيروت بتاريخ 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 وسارية إلى تاريخ 24 مايو/ أيار 2021، مع شريحتي هاتف مفعلتين باستخدام بيانات الضحية، وعقدي البيع المسجلين لدى الشركة المشغلة Turkcell مقابل 140 ليرة للشريحة الواحد (20 دولاراً)، من دون أن يسأله البائع عن سبب شراء الخطين باسم شخص آخر، وعدم شرائهما باستخدام بياناته الشخصية.

تحقيق تركيا 222

 

 

معاناة الحالات السابقة وتجربة معد التحقيق أكدتها نتائج مشاركة 869 شخصاً في استبيان إلكتروني تم عبر مجموعتين على موقع فيسبوك تضمان 170 ألفاً من السوريين والعرب، هما “عرض وطلب” الخاصة بالسوريين، ومجموعة “كوزال خدمات” التي توجد فيها عدة جنسيات عربية، وأكد 222 شخصاً من المشاركين نقل خطوطهم من شركة إلى أخرى مرة واحدة على الأقل دون إبلاغهم بعملية النقل، بينما قال 73 مشاركاً إن أرقام هواتفهم استخدمت دون علمهم وبعضهم أكد استخدمها في أمور غير قانونية، وأجاب 489 مشاركاً بنعم، مؤكدين استخدام بياناتهم في فتح خطوط للهاتف المحمول دون موافقتهم أو معرفتهم.

عقد 

 

 

المسؤولية القانونية

يرى المحامي إبراهيم إرغين المتخصص في قضايا الأجانب واللاجئين أن الموزعين معنيون بالدرجة الأولى بصفتهم المتحكمين في بيانات العملاء، ومسؤولون عن معالجة البيانات ومراقبتها بموجب قانون حماية البيانات الشخصية رقم 6698 الصادر بتاريخ 24 مارس 2016، وينص القانون “على منع عمليات الجمع غير المحدود والعشوائي للبيانات الشخصية، وجعلها في متناول الأشخاص غير المصرح لهم، ويهدف إلى منع انتهاك الحقوق الشخصية نتيجة الإفصاح أو استخدامها خارج الهدف المطلوب أو سوء الاستخدام”، وأضاف إرغين أن كلاً من الشركة والموزع سيواجه تبعات قضائية. بحسب القانون الآنف ذكره، في حالة تقديم البيانات الخاصة بمستهلك لشخص آخر بشكل غير قانوني ونشرها والاستيلاء عليها، تقع تلك الجرائم في نطاق المواد 135. 136. 137 من قانون العقوبات التركي، ويعاقب عليها بالسجن لمدة تتراوح من سنتين إلى 4 سنوات.

 

وأشار إلى أنّه “يمكن للشخص الذي تُسرق بياناته وتُستخدم لفتح خطوط هاتف جديدة دون علمه تقديم شكوى إلى مؤسسة حماية البيانات الشخصية التابعة لوزارة العدل، نظرًا لاستخدام بياناته ومشاركتها دون إذنه”، وكشف إرغين في حديثه لـ”العربي الجديد”، عن نيته تقديم شكوى إلى المدعي العام نيابة عن 30 شخصاً كانوا قد تواصلوا مع الرابطة الدولية لحقوق اللاجئين (تركية) Uluslararası Mülteci Hakları Derneği، بعد أن تم استغلال بيناتهم من قبل موزعي شركات الاتصالات.

ازدياد الشكاوى المقدمة من الأجانب المقيمين في تركيا حول نقل خطوط هاتفهم المحمول من شركة إلى ثانية، أو فتح خطوط باستخدام بياناتهم دون إذنهم، أمر يؤكده المحامي أنس كفادار مدير قسم الاستشارات القانونية في الرابطة لـ”العربي الجديد”، موضحا أن :”هذه المشكلة عانى منها الأتراك، لكنها مؤخرا صارت مرتبطة بالأجانب أكثر”.

تركي2

 

 

 

أخطاء الشركات والعملاء

لكن ما هي مسؤولية شركات الاتصالات عن حماية البيانات التي يتاجر بها الموزعون؟ يجيب أنس حواصلي مدير مبيعات شركة غربتنا التي تستهدف العرب وتعمل مع شركة Türk Telekom أن بيع الخطوط لا يجرى عن طريق شركات الاتصالات بشكل مباشر، بل عبر وكيل يحصل على ترخيص لكن عمله منفصل عن الشركة.

غياب رقابة الشركة عن محلات بيع خطوط شرائح الهواتف المنتشرة ساعدهم على استغلال تلك الحرية الممنوحة لهم، لزيادة الأرباح، كما يرى حواصلي، والذي يرى أن الزبون يتحمّل أيضاً مسؤولية انتشار بياناته، إذ يذهب إلى محال غير مرخصة من أجل شراء خط الهاتف المحمول بأسعار رخيصة، وهو ما يعود إلى أن البائع ببيع الخط نفسه أكثر من مرة، وبعد بيعه للزبون ببضعة أشهر يقومون بنقله إلى شركة ثانية وبيعه مرة ثانية، ولهذا السبب يكون سعر الخط أقل من سعر الخط لدى المحال المرخصة.

ولاحظ حواصلي أن سماسرة يذهبون إلى الموزعين الحاصلين على تراخيص شركات الاتصالات لبيع الخطوط، ويطلبون شراء شرائح غير مسجلة لدى نظم الشركة بعد، ثم يقوم أولئك السماسرة بجلب الخطوط إلى محالهم لبيعها للزبائن من خلال طلب نسخة من هويتهم أو جواز سفرهم لتسجيل الخط على اسم صاحب الوثيقة، ولكن بما أنه لا يملك رخصة تسجيلهم، يقوم السمسار بإرسال النسخة إلى الموزعين عن طريق واتساب ليقوموا بتسجيل الشريحة على النظام وتفعيلها بناءً على طلب السمسار.

عبر هذه الدائرة من تجارة معلومات ووثائق الزبائن، يصبح لدى كلاً من السمسار والموزع والوكيل نسخة من أوراق ثبوتية تخص  الزبون أو العميل الجديد، ويسهل استغلالها في فتح خطوط جديدة دون دراية صاحب العلاقة، أو نقل خطوط العملاء إلى شركة ثانية، من خلال استخدام النسخة وتقديم طلب لدى الشركة بنقل الخط إلى الشركة الثانية، فتقوم الشركة المقدم إليها بطلب النقل بإعطائهم شريحة جديدة، وإيقاف الشريحة التي يحملها صاحب الخط الأساسي، أو استخدامها لشراء خطوط جديدة استناداً على النسخة نفسها.

وفي رده حول دور شركة Türk Telekom في حماية البيانات يقول حواصلي إن الشركة تراقب الخطوط التي تم فتحها بشكل غير نظامي بعد تقديم شكوى من قبل المتضرر في مكتب المدعي العام، وصدور قرار من المحكمة بإغلاق الخط نتيجة تسريب المعلومات من الموزع المشتكى عليه، وتابع: “لا يمكن مراقبة كل الموزعين المنتشرين في عموم تركيا، إذ يقدر عددهم بالآلاف، لذلك تتجاوب الشركة عند تقديم الشكوى لدى المدعي العام، وصدور حكم من قبل القاضي”. مضيفاً أنه خلال سنة 2020 تم فصل ثلاثة موزعين، اثنان منهم في إسطنبول أحدهما عرض بيع صور 3500 كميلك (بطاقة الحماية المؤقتة) وصور جوازات سفر مسروقة من المحل الذي كان يعمل به قبل العمل مع الشركة، والثالث في ولاية أنطاليا.

يضيف بأن تجارة البيانات أصبحت رائجة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، إذ أصبح بالإمكان شراء نسخة من الأوراق الثبوتية بمبلغ يتراوح بين الثلاث والخمس ليرات تركية (الدولار 7.32 ليرات) لقاء الوثيقة الواحدة، فالعديد من أصحاب تراخيص بيع الموبايلات والموزعين يقومون بجمع تلك الوثائق أثناء بيع خطوط الهواتف المحمولة للزبائن، ويحتفظون بنسخة عن تلك الوثيقة، أو من خلال أصحاب المحال غير المرخصة التي تجمع بيانات الزبائن الذين يشترون خطوط الهاتف المحمولة عن طريقهم بنفس الطريقة، ومن ثم يقومون ببيعها فيما بينهم بالمبالغ المذكورة، ويتم التواصل فيما بينهم لشراء تلك الوثائق أيضاً، ويقومون بفتح خطوط جديدة، عن طريق البيانات ومن ثم بيعها للزبائن ثم يقومون بتحويل الخطوط بعد عدة أشهر على شركة ثانية وبيعها من جديد.

مخاطر عديدة لشراء خط هاتف من بائعين غير معتمدين

 

 

وتواصلت “العربي الجديد” مع صامد أوزجيليك المختص بالعلاقات العامة لدى شركة İZ İletişim المسؤولة عن التنسيق الإعلامي لصالح Turkcell، وعرضت عليه النتائج التي توصل إليها معد التحقيق، وأجابت الشركة في ردها “لا يتم تنفيذ هذه العملية بمعرفة وموافقة شركتنا”، وأضافت الشركة في إجابتها المرسلة عبر البريد الإلكتروني “يشكل نقل الخط أو نقل الرقم دون موافقة عملائنا انتهاكاً للوائح الشركة. وتعتبر مثل هذه الحالات بمثابة احتيال في معاملات الاشتراكات، ويتم فحصها من قبل شركتنا ضمن هذا النطاق. فإذا تم الكشف عن أنشطة احتيالية بعد التحقق، يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة وفقاً للتشريعات المعمول بها وإجراءات شركتنا”. موضحةً أنه في حالة وجود أي شكوى أو حالة تفيد بأن بيانات المشتركين قد تمت مشاركتها/ بيعها بشكل غير قانوني مع أطراف ثالثة، يتم فحص هذه الحوادث الفردية بدقة من قبل شركتنا والتي لا تعد عملية منهجية، ويتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن الأطراف ذات الصلة. وذكرت الشركة أنها لم تتلقّ أي شكاوى عامة/ مكثفة من مشتركيها في هذا الصدد، على الرغم من أنهم يقومون بفحص جميع الشكاوى المقدمة، والتي تؤكد وجود “حالات فردية عرضية”، بحسب تعبيرهم.

 

 

حمزة خضر – العربي الجديد

زر الذهاب إلى الأعلى