أخــبـار مـحـلـيـة

معركة «المحليّات» المصيرية.. يلدرم يتخلى عن البرلمان لأجل البلدية.. فما وراء اختيار أردوغان له؟

تستعد تركيا لإجراء الانتخابات البلدية في 31 مارس/آذار 2019 القادم، وتشكل هذه الانتخابات أهمية خاصة لأسباب عدة، أبرزها أنها بعد انتقال الجمهورية التركية إلى النظام الرئاسي، وتأثيرها الكبير على الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد، في الوقت الذي أعلن فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم أنه سيخوضها بالتحالف مع حزب الحركة القومية ضمن تحالف «الجمهور» الذي خاض به الحزبان الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية الماضية في 24 يونيو/حزيران 2018.

ويبدي حزب العدالة والتنمية اهتماماً استثنائياً في هذه الانتخابات، في حين يقف الحزب أمام تحديات كبيرة، ونظراً لأهميتها، يدفع الحزب الحاكم بشخصيات بارزة ولها تأثيرها على الشارع، كـبن علي يلدرم في إسطنبول على سبيل المثال، في محاولة للسيطرة على البلديات الكبرى وحسمها، كإسطنبول وأنقرة وإزمير.

 

معركة كبرى بالنسبة للأحزاب السياسية

 

تمثل الانتخابات المحلية (البلدية) في تركيا، اهتماماً خاصاً بل مصيرياً بالنسبة للأحزاب، لأنها تتحكم في مستقبلها وتأثيرها شعبياً وفرصها في الوصول إلى السلطة لاحقاً.

يقول علي باكير الباحث والمحلل السياسي التركي لـ»عربي بوست»، إنه من الناحية السياسية، عادة ما يحظى منصب رئيس بلدية إسطنبول الكبرى على سبيل المثال بأهمية كبرى، فهي المدينة رقم واحد في تركيا وأكثرها تعداداً للسكان.

ويضيف باكير إنه بقدر ما يشكل هذا المنصب تحدياً، بقدر ما يفتح فرصاً وأبواباً سياسية أمام صاحبه الذي يُنتخب بشكل مباشر من قبل المواطنين في مدينة تضم حوالي 10.5 مليون ناخب، وبهذا المعنى، يحظى صاحب المنصب بشرعية ودعم أكثر من المناصب الرسمية الأخرى في البلاد كالوزير على سبيل المثال، صاحب هذا المنصب مؤهل بطبيعة الحال لأن يكون له طموح سياسي أكبر.

وستدخل الانتخابات المحلية التركية لأول مرة بوجود تحالف وتوافق بين حزبي العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. وسنرى ليلة 31 مارس/آذار في مصلحة أي حزب سيصب هذا التوافق. حيث بدأتْ تحضيرات أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد، لخوض الانتخابات المحلية. وفي الوقت الراهن، هم ينتظرون بشغف إلى الأول من أبريل/نيسان، ففي حال لم يحققوا النجاح في هذه الانتخابات، سيكون المصير السياسي لرئيسيْ الحزبين؛ كليتشدار أوغلو، وأكشينار، صعباً للغاية.

ووسط تكهنات بوجود منافسة شديدة في المدن الكبرى، بدأت الأحزاب تعلن ملامح برامجها وتحالفاتها لرئاسة البلديات التي تعتبر موقعاً مهماً في تركيا ويؤدي نجاحها أو فشلها في التأثير على صوت الناخبين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في البلاد. إلى ذلك، يعتبر النجاح الكبير الذي حققه رجب طيب أردوغان عندما كان رئيساً لبلدية إسطنبول خلال فترة التسعينيات، وتغييره لوجه المدينة كاملاً، وتقديمه الخدمات الحقيقية على الأرض، للمواطنين على مستوى المواصلات والنظافة والمياه والكهرباء والطرق، سبباً مباشراً وكبيراً في فوزه بانتخابات 2002 وما بعدها، إذ استمرت البلديات التي قادها حزب العدالة والتنمية بتحقيق النجاح تلو النجاح في بلدية إسطنبول الكبرى، مما حقق للمدينة نهضة شاملة لم تكن من قبل. حول ذلك، يقول باكير، إن حزب العدالة والتنمية يسيطر على أجزاء واسعة من مدينة إسطنبول منذ حوالي 24 عاماً، لكنه بات يخشى في السنوات الأخيرة مفاجآت غير متوقعة، ولذلك فهو يحرص على أن يحسم المعركة لصالحه، لا سيما لما لإسطنبول من أهمية في أية انتخابات من أي نوع كان. وتتنافس الأحزاب في برامجها ودعايتها على تغيير وجوه المدن الكبرى حضرياً لسنوات قادمة، ويحاول كل حزب التباهي بما قدمه من إنجازات للمواطنين على الأرض، مثل افتتاح المتنزهات والطرق والمدارس والمستشفيات والمشاريع الخدمية التي تسهل على الناس حياتهم.

التأثير الاقتصادي

يُعتبر الجانب الاقتصادي من أهم الجوانب التي تنتظر نتائج الانتخابات المحلية أيضاً التي ستعقد لاختيار رؤساء لـ30 مدينة كبرى و1351 منطقة، بالإضافة إلى 1251 عضو مجلس ولاية و20 ألفاً و500 عضو مجلس بلدية.

يقول وزير المالية برات البيرق إنّ الانتخابات المحلية ستعقبها فترة طويلة تمتد إلى أربعة أعوام من دون انتخابات.

لذلك، ستحمل نتائج الانتخابات انعكاسات مهمة بالنسبة للمستثمرين الأجانب. وبحسب محللين أتراك، فإذا ما حصل الحزب الحاكم على دعم كبير مجدداً من الجمهور، سيزيد هذا الأمر من حجم الاستثمارات ومن الاستقرار الاقتصادي. وإذا ما حدث العكس، سيُعيد المستثمرون الأجانب حساباتهم وسيعيدون النظر في حجم الاستثمارات التي ينوون ضخها في تركيا.

وتتمثل أهمية الانتخابات في الفترة الطويلة التي ستعقبها، تمتد إلى أربعة أعوام، وهي انعكاسات استقرار ستعطي مؤشرات إيجابية مهمة بالنسبة للاقتصاد وخاصة الاستثمار الأجنبي.

ويقول الصحفي التركي محمد سليمان لعربي بوست، إن للبلديات في تركيا وزن اقتصادي كبير جداً، إذ أن ميزانياتها السنوية التي تقدر بمليارات الدولارات، وربما تكون أكبر من ميزانية بعض الوزارات، على سبيل المثال، بلغت ميزانية بلدية إسطنبول لعام 2017، 42 مليار ليرة تركية، أي ما يعادل 14 مليار دولار.

لذا تحرص الأحزاب على الظفر بالبلديات الكبرى صاحبة الحصص الأكبر من الميزانية السنوية، كبلديات إسطنبول وأنقرة وإزمير على سبيل المثال. ويضيف سليمان، أن العامل الاقتصادي في البلديات، يعتبر مدخلاً قوياً لنجاح الأحزاب ورسم صورتها أمام الجمهور، فهي تنفق على تطوير المناطق التي تديرها بالشكل الذي تريد، وإذا نجحت في الارتقاء الحضري لتلك المناطق وأدارت أموال البلديات بنجاح، سيعود الناس لانتخابها من جديد، حتى في الانتخابات العامة أيضاً، فالانتخابات البلدية تعتبر مدخلاً لا غنى عنه للوصول لأعلى مراكز الحكم في البلاد، وأي سقوط للأحزاب في امتحان البلديات يعني سقوطها في أي انتخابات قادمة.

الحزب الحاكم يختار بن علي يلدرم مرشحاً لإسطنبول.. فما الأسباب؟

رئيس البرلمان التركي، بن علي يلدرم، أعلن الثلاثاء 19 من فبراير/شباط، تنحيه عن منصبه في رئاسة البرلمان، عقب ترشحه لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، وتولى يلدرم سابقاً منصب رئيس الوزراء في آخر حكومة برلمانية، قبل انتقال تركيا إلى النظام الرئاسي عام 2018. وبعد انتقال الجمهورية التركية إلى النظام الرئاسي، تولى بن علي رئاسة البرلمان، وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ترشيح حزب العدالة والتنمية يلدرم لبلدية إسطنبول الكبرى في الانتخابات المحلية المقبلة.

وحول أسباب الدفع بيلدرم لهذا المنصب، يقول الباحث باكير، إنه من المتوقع أن تشهد الانتخابات البلدية في اسطنبول تنافساً شديداً، لذلك فقد ارتأى الحزب الحاكم ورئيسه أردوغان أن يرمي بأقوى أوراقه في هذه المعركة.

وسبق ليلدرم أن شغل منصب وزير النقل ووزير المواصلات والاتصالات والنقل البحري في حكومات سابقة، ويشيد كثيرون بقدراته في متابعة وتنفيذ مشاريع البنى التحتية.

كما أنه في عهده، طوّرت تركيا شبكة القطار فائق السرعة بين عدد كبير من المدن، لا سيما المرتبطة بأنقرة وإسطنبول، إضافة إلى العديد من المشاريع الضخمة التي انطوت على عشرات المليارات من الدولارات.

يعلّق باكير، بهذا المعنى، فإن للرجل خبرة تنفيذية كبيرة، وبما أن أردوغان يحلم بتنفيذ مشاريع ضخمة في إسطنبول كمشروع «قناة إسطنبول»، فإنه سيكون بحاجة إلى رجل قوي في المدينة، وليس هناك أفضل من يلدرم فيما يتعلق بهذا الأمر. العامل الآخر هو أن يلدرم يؤدي بشكل جيد عادة في الانتخابات، حتى في أصعب المناطق كإزمير على سبيل المثال، وبما أنه من المتوقع للمعركة البلدية أن تكون حامية في إسطنبول، فإن حظوظه ستكون أكبر من حظوظ غيره من الأسماء التي كان من الممكن لحزب العدالة والتنمية أن يرشّحها لهذا المنصب.

 

عربي بوست

زر الذهاب إلى الأعلى