أخــبـار مـحـلـيـة

من المرشحة التي استفزت كلماتها أردوغان؟

يقول بعض الأتراك إن من يحكم بلدية فاتح يحكم مدينة إسطنبول، ومن يحكم إسطنبول يحكم تركيا. فطالما انطوت هذه المنطقة على مفاتيح لفهم ما يجري في تلك البلاد، ومثلت بتركيبتها الاجتماعية والاقتصادية مرآة للتحولات التي شهدتها تركيا منذ عام 2002، حين وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم.
وبلدية فاتح هي واحدة من بلديات عديدة تؤلف مجتمعة ما يعرف ببلدية إسطنبول الكبرى، أهم دائرة محلية في البلاد إلى جانب بلدية أنقرة الكبرى.
ويعيش في بلدية فاتح نحو نصف مليون شخص، ويتردد عليها سنويا ملايين السياح، إذ إن حدودها تضم ما يسمى شبه الجزيرة التاريخية التي يقع فيها قصر الباب العالي، وآيا صوفيا، وجامع السلطان أحمد.
وتحمل المنطقة اسم السلطان العثماني محمد الفاتح الذي هزم البيزنطيين وفتح القسطنطينية عام 1453، وفي تلك البقعة يوجد مسجده وقبره.
ومن الطبيعي أن تحاول أحزاب المعارضة التركية انتزاع السيطرة على بلدية فاتح، خاصة مع تلك القيمة الرمزية التي تمثلها، ببقائها تحت إدارة حزب العدالة والتنمية الحاكم لمدة 15 عاما، وقبلها خمس سنوات تحت إدارة حزب الفضيلة الذي ترأسه الراحل نجم الدين أربكان.

“لن أسلّم فاتح للسوريين”
وقد دفع تحالف المعارضة المؤلف من حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد بالمرشحة إيلاي أقصوي إلى هذه المعركة، التي قررت خوضها تحت شعار رئيسي.. “لن أسلّم فاتح للسوريين”.

تقول أقصوي -وهي من مؤسسي الحزب الجيد- إن السوريين انتشروا في بلدية فاتح وغيّروا طابعها، وسيطروا على كثير من المحلات التجارية في بعض المناطق، وأغلقوا باب الرزق أمام الأتراك حسب تعبيرها.

لكنها لا تقول ذلك في مؤتمر حزبي أو لقاء تلفزيوني، بل تتجول في شوارع فاتح وتقف أمام محلات السوريين لتصور رسائل بالفيديو تشرح فيها للناخبين تفاصيل هذا البلاء الذي أصاب بلديتهم وفق رؤيتها.

تظهر أقصوى في أحد تلك المقاطع الدعائية التي تبثها على صفحتها بموقع تويتر، وهي تقف أمام محل يبدو أنه مملوك لسوريين، وتقول إنها تجولت في تلك المنطقة وأحصت المحلات الموجودة فيها فوجدت مجموعها 84 محلا، منها 48 محلا للأتراك، و36 محلا للسوريين.

وتمضي المرشحة لتتحدث عن مشكلة أخرى في رأيها، فكل لافتات تلك المحلات باللغة العربية، وكل العاملين فيها سوريون ليس بينهم تركي.

وراحت أقصوي تعدد أوجه الظلم الذي يعانيه الأتراك جراء مزاحمة السوريين لهم في أرزاقهم حسب قولها، ومنها ارتفاع إيجارات المحلات، ثم ختمت حديثها بالقول “الأتراك أولا، والقرار سيكون في 31 مارس/آذار (موعد الانتخابات البلدية)”.

ورقة اللاجئين
وقد استخدمت المعارضة التركية بمكوناتها المختلفة ورقة اللاجئين السوريين في الاستحقاقات الانتخابية المتوالية من برلمانية ورئاسية وبلدية، منذ أن فتحت البلاد حدودها عام 2011 واستقبلت ما وصل إلى نحو أربعة ملايين لاجئ سوري.

وتعهدت قيادات المعارضة، وخاصة من حزب الشعب الجمهوري -أكبر أحزابها- بإعادة السوريين إلى بلادهم وتطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد عندما تصبح مقاليد الأمور بأيديهم.

لكن حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان أكد مرارا تمسكه بسياسة الحدود المفتوحة للاجئين السوريين، ومواصلة تسهيل سبل العمل والإقامة لهم في تركيا منذ قيام الثورة السورية عام 2011.

وتقول الحكومة في الوقت نفسه إنها تعمل على تسهيل عودة اللاجئين الراغبين إلى المناطق السورية الحدودية التي سيطرت عليها القوات التركية بالتعاون مع فصائل المعارضة السورية المسلحة.

لكن المرشحة إيلاي أقصوي ترفض سياسات الحكومة في هذا الصدد وترى أن اللاجئين السوريين ببقائهم وتجنيس عشرات الآلاف منهم يشكلون مخاطر اقتصادية واجتماعية وأمنية على تركيا. وتقول في رسالة مصورة للناخبين إن من بين كل ستة أشخاص يعيشون في فاتح، هناك أجنبي واحد.

حملة ميدانية
وفي مقطع آخر، تقف أقصوي أمام محلات للسوريين، وتقول إن الأتراك يفتحون محلاتهم في الصباح الباكر، بينما يفتح السوريون محلاتهم في ساعة متأخرة.

وتشير المرشحة إلى لافتات المحلات وتقول إنها مكتوبة بحروف عربية كبيرة ومعها حروف تركية صغيرة.

وتلتقط أقصوي كيسا من رقائق البطاطس من بين البضائع المعروضة أمام أحد المحلات وتشكو أن الأتراك لن يعرفوا شيئا من تفاصيل هذا المنتج لأنها مكتوبة بالعربية.

وقد نددت قيادات في حزب العدالة والتنمية الحاكم بحملة أقصوي، ووصفها بن علي يلدرم رئيس الوزراء السابق والمرشح لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى بأنها “شعبوية” تسعى لكسب بضعة أصوات بتأجيج هذه المشاعر.

أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس الحزب الحاكم فقد وجه كلمات شديدة اللهجة للمرشحة، إذ قال في تجمع انتخابي إن ما قالته يعبر عن “قلة أخلاق وتربية”.

وأضاف “إنهم لا ينتقدون اللافتات المكتوبة باللغتين الإنجليزية والفرنسية، لكنهم يمتعضون عندما يتعلق الموضوع باللغة العربية”، وتابع قائلا “العربية لغة دولية، وإحدى اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، لكنهم يجهلون ذلك”.

وقد يكون الجدل بشأن اللغة واللاجئين والتحديات الاقتصادية في تركيا ناتج عن الظروف التي استجدت في البلاد على مدى العقد الأخير، لكنه لا ينفصل على الأرجح عن صراع أعمق تعرفه البلاد جيدا، إنه الصراع على هوية تركيا ومدى انتمائها لتاريخها ومحيطها الجغرافي، وهو أمر لا يحسمه اقتراع واحد أو بضعة اقتراعات.

 

 الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى