مقالات و أراء

ميركل في فزع: “إننا بحاجة لتركيا!” .. لكن الناتو أصبح أكبر تهديد لتركيا، فماذا سنفعل معه؟

أعاقت تركيا خطة حلف الناتو الدفاعية في شرق أوروبا وبحر البلطيق لأنه لم يعترف بتنظيم “ي ب ك” كتنظيم إرهابيّ ولم يصادق على الوثيقة الخاصة بهذه المسألة. وأما سبب هذا المواجهة بين الطرفين قبيل قمة لندن المزمع عقدها يوم 4 ديسمبر/كانون الأول المقبل فهو إقدام الحلف على تهديد تركيا بشأن عملية نبع السلام ودعمه لمن يقاتلون ضدّها بدلًا من أن يحاول حمايتها بصفتها أحد أعضائه.

لقد بدأ الفزع ينتشر في أوروبا، وهو ما كان كابوسًا بالنسبة لبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي التي كانت تواجه التهديد الروسي، والأمر ذاته ينطبق على دول بحر البلطيق، فحركة من تركيا كانت كافية لكشف تفاصيل الثغرات الدفاعية التي تعاني منها أوروبا، بخلاف مسألة اللاجئين بطبيعة الحال.

فلننظر إلى جوانب ضعف أوروبا ولو لمرة واحدة

لن نحرز شيئا لو ناقشنا تركيا دائما، فعلينا مناقشة أوروبا ولو لبعض الوقت، فدعونا ننظر إلى جوانب ضعفها والمآزق التي وقعت فيها. لن يفيد الأمر بشيء من خلال معاملة تركيا بغرور وغطرسة وتوجيه التعليمات والأوامر والتهديدات لها ومحاولة ابتزازها؛ إذ عليهم اليوم مواجهة مشاكلهم التي يعانون منها.

لن يفيد الأمر بشيء من خلال تحريض بعض الأوساط داخل تركيا وتحريكها بالعبارات التي تتحدث عن الديمقراطية والحرية؛ إذ علينا أن نواجه الآن، ولو لقليل من الوقت، حقائق أوروبا وما تعانيه.

جبهة وحالة تفكك ممتدة من البلطيق إلى المتوسط

علينا أن نتابع قليلًا ما يشهده خط الشمال – الجنوب الممتد من البلطيق وأوروبا الشرقية إلى بحر إيجة والبحر المتوسط من حالة تفك وجبهة يجري تشكيلها وكيف تغذي الجدالات الدائرة حول انفراط عقد الاتحاد الأوروبي وهذه المخاوف الأمنية بعضها بعض.

اعتقد البعض أن الخبر الذي نشرته رويترز خبرًا متلاعبًا به، ذلك أن هذه الوكالة بدأت منذ فترة طويلة نشر أخبار لا أساس لها من الصحة حول تركيا.

ميركل: أوروبا عاجزة عن الدفاع عن نفسها، إننا بحاجة لتركيا!

لكن خلال اليوم بدأ الإعلام الأوروبي والأوساط السياسية في أوروبا تناقش الموضوع علنًا، وظهر من قال “أردوغان يبتز الناتو”.

أصدرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تصريحًا قالت فيه “تتمتع تركيا بأهمية جيوسياسية، يجب أن نبقي على عضويتها بحلف الناتو، علينا أن نبذل جهدًا في هذا الأمر. فعندما يندلع حريق بالقرب منا لم تعد الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية، كما أن أوروبا لن تستطيع الدفاع عن نفسها بمفردها”.

دعموا تنظيمًا يحارب تركيا

علينا أن نتذكر أن الناتو تخلى عن تركيا خلال الهجمات الإرهابية المستمرة منذ 40 عامًا وكل التهديدات التي تعرضت لها من سوريا في الآونة الأخيرة، بل وإنّ الدول الأعضاء بالحلف قدمت الدعم لمنظمة بي كا كا/ي ب ك الإرهابية.

لقد أقامت مجموعة من الدول بقيادة الولايات المتحدة الجبهات لمسافة مئات الكيلومترات على حدود تركيا، ودعمت بي كا كا/ي ب ك بآلاف الشاحنات ومئات الطائرات المليئة بالأسلحة والذخيرة.

كما دعمت دول الناتو علانية محاولات الانقلاب وإشعال فتيل الحرب الأهلية من خلال منظمة غولن الإرهابيّة التي حاربت تركيا، بل وفتحت أبوابها أمام من فشلوا في ذلك وفروا هاربين من تركيا وقدمتهم لهم الحماية.

الناتو يتحول لأكبر تهديد لتركيا

هناك حرب مستترة

حاولت الدول ذاتها حصار تركيا والضغط عليها في بحر إيجة والبحر المتوسط وشرقه، وأصبح الناتو الذي نمتلك عضوية به “يحارب تركيا” بشكل غير مباشر ومستتر.

نعم، لقد شُكل هذا التنظيم من أجل حماية أوروبا. وقد كان لدى تركيا قوة عسكرية كبرى داخل الحلف، وكانت تؤدي مهامها. لكن الحلف كان في كل مناسبة يتخلى عنها، ومؤخرًا تحولت مسألة التخلي هذه إلى عداء.

نبع السلام أفشت كل شيء

فهل كنا سنركع ونستسلم؟!

لقد كشفت عملة نبع السلام بشكل لا يدع مكانًا للشك النقاب عن أجندة أعضاء الناتو تجاه تركيا. لم يكونوا أبدًا حلفاء لتركيا، فكانوا يكشفون عن ذلك بتصرفاتهم، كانوا يكشفون عن ذلك بتشكيل جبهة مضادة لتركيا داخل الحلف ودعم التنظيمات الإرهابية في مواجهة تركيا.

فما كان عسى تركيا أن تفعل؟ هل كانت ستمد يدها لتتسول؟ هل كانت ستركع؟ هل كانت ستدفن نفسها تحت أنقاض المحور الأطلسي الذي بدأ ينهار وقال عنه رئيس فرنسا ماكرون “لقد مات إكلينيكيا” ووصفته أمريكا بأنه أصبح “عبئًا” بالنسبة لها؟

من وجهوا الضربات لتركيا بيد أمريكا والناتو

لم يعد هناك هذه النسخة من تركيا، ولن تكون كذلك مستقبلًا، فالعالم يعاد رسم ملامحه من جديد وتتغير خرائط القوى سريعًا وتنتهي السلطة المطلقة للمحور الأطلسي وتتشكل حلقات تحالف جديد.

بدأت القوة الاقتصادية والسياسة تنتقل للشرق، وبدأ الغرب يرى أمامه للمرة الأولى منذ مئات السنين قوى عظمى، وبدأت تصفية الحسابات العالمية تفسد محور الغرب.

لكن بالرغم من ذلك لا يزال من بيننا من يواصل محاولاته للوصول للسلطة من خلال هذه الأوساط ويسعى لضرب تركيا بيد أمريكا والناتو ويرسم ملامح عمى سياسي يحكم علينا بالسجن خلف قضبانه.

هناك من يحدوه الأمل في تركيا أن تضرب أمريكا والناتو تركيا

كن هناك من يرحب بسعادة بالغة باستهداف الولايات المتحدة لتركيا من خلال التنظيمات الإرهابية وترويجها لانقلاب من خلال منظمة غولن الإرهابيّة والمواجهة التي حدثت بعدما بادرت تركيا للدفاع عن نفسها، فترى هؤلاء وقد أصبحوا متحدثين باسم الناتو وهم يحدوهم الأمل قائلين “أمريكا ستفرض حصارًا وستسقط أردوغان وستلقن تركيا الدرس”.

يأملون أن ينشروا سيناريوهات الخوف والفزع والكوابيس، أن يقولوا “لقد انتهت تركيا الآن”، لكنهم لن يتطرقوا أبدًا للحديث عن حالة الانقسام التي يعيشها الغرب وجوانب الضعف والقصور التي تعاني منها أوروبا.

إنهم يؤيدون الولايات المتحدة أكثر من الأمريكيين أنفسهم ويؤيدون أوروبا أكثر من الأوروبيين أنفسهم، بل إنهم يشعرون أنهم ينتمون لحلف الناتو أكثر من أعضائه، فنراهم يهددون بلدهم لصالح الحلف ويستهدفون تركيا بأعنف الأشكال على شاشات التلفاز.

تركيا ليست مرتزقة أوروبا…

وبينما فعلون ذلك تراهم لا يتحدثون ولو لمرة واحدة عن أخطاء أوروبا ومشاكلها وجوانب ضعفها. تعاني أوروبا كثيرًا وترتجف في مواجهة روسيا في أوروبا الشرقية وبحر البلطيق. كما أنها تشهد انقسامًا داخليًّا، وإنّ الخوف الذي تشعر به ميركل واقعي للغاية.

إن هذه هي الرسالة التي بعثت عبر الناتو عقب التهديد الذي أطلقته تركيا بفتح أبوابها أمام اللاجئين لينتقلوا إلى الأراضي الأوروبية تبرهن على قوة تركيا وضعف أوروبا. وبطبيعة الحال لن تجد من يتحدثون باسم تركيا القديمة وأمريكا والاتحاد الأوروبي لا يقولون ذلك ولا يقبلونه، بل يواصلون الحديث بما حفظوه.

لكن على الجميع أن يعلم أنّ تركيا ليست مخفر حدودي أو قاعدة دفاع تابعة لأحد. وهل سيوجهون الضربات لنا فندافع عنهم؟ فلم يعد هناك عالم كهذا، وعلى أوروبا وأذنابها داخل تركيا أن يعرفوا ذلك جيدًا، لأنه سيجبرون على فهم ذلك…

ابراهيم قرا غل – يني شفق

زر الذهاب إلى الأعلى