عـالـمـيـة

هل ستدخل تركيا ومصر حرباً في ليبيا؟ هذه أوراق الضغط التي يمتلكها كل منها

مساء السبت 20 يونيو/حزيران 2020، هدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالتدخل المباشر في ليبيا إذا ما أقدمت حكومة الوفاق المعترف بها دولياً والمدعومة من تركيا، على دخول مدينة سرت التي تبعد بأكثر من 900 كم عن الحدود الغربية المصرية.

السيسي قال إن مدينة سرت تعد خطاً أحمر وإنَّ تجاوزها يهدد الأمن القومي المصري، في إشارة واضحة إلى رفض القاهرة لدعم تركيا لحكومة الوفاق التي تسعى لتوحيد الأراضي الليبية بعد “انقلاب” اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الاتفاق السياسي في أبريل/نيسان 2019.

 

 

صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية تناولت في تقريرٍ التهديدات المصرية، معرِّجة على احتمالية نشوب حرب بين الجيشين المصري والتركي، في حال حدوث ذلك من ستكون له الجاهزية الأكبر؟

وقالت الصحيفة العبرية، إن تركيا عظّمت تدخلها العسكري في ليبيا خلال الأشهر الأخيرة، بعد إرسال السفن قبالة الساحل، والطائرات لنقل الأسلحة والمقاتلين والطائرات المسيرة، إلى طرابلس من أجل دعم الحكومة المعترف بها دولياً.

 

 

التدخل التركي لدعم “الوفاق” جاء بعد توقيع اتفاقية عسكرية مع حكومة السراج وعقب ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، مما يشير إلى رغبة تركيا في تأمين دورٍ أكبر لها في خطط استكشاف الطاقة بالبحر المتوسط، وسعي منها إلى إضعاف قوى الانشقاق الليبية المدعومة من مصر.

الصراع في ليبيا معقد، لكنه في أبسط صوره حربٌ بالوكالة. وهو صراع له تداعيات كبرى على المنطقة بأسرها، وسلسلة تطورات تشتغل بالتأثير فيها وبمآلاتها كل من تركيا ومصر والإمارات وروسيا.

 

 

غير أن دولاً أخرى، مثل إيران واليونان وإيطاليا وفرنسا، تراقب ما يحدث في ليبيا ونتائجه بكل حرص. ففي الوقت الذي تدعم فيه مصر والإمارات والسعودية وروسيا، وربما فرنسا وحتى اليونان، حفتر وقواته، تقدم تركيا الدعم لطرابلس. وقد أرسلت تركيا قوات للقتال في ليبيا، كما استخدمت ليبيا وساحات المعارك فيها مواقع لاختبار طائراتها المسيَّرة المسلحة. وأجرت تركيا مناورات وتدريبات بحرية مع إيطاليا مؤخراً، وخاضت ما يشبه اشتباكاً مع فرنسا بعرض البحر المتوسط في حادثة يحقق فيها الناتو حالياً.

 

 

تركيا تستعرض عضلاتها

يفترق الصراع الدائر حالياً في ليبيا إلى مسارين: سيطرة حفتر ستجلب إلى ليبيا نوعاً من الحكم العسكري المحافظ والمقاوم للتغيير ذاته الذي تمتلكه مصر ودول الخليج، أما حكومة الوفاق المدعومة من تركيا فقد تكون أمامها مشكلة تتعلق بالاستقرار الهش بعد الضربات التي قام بها حفتر، ومع ذلك، فإن تركيا أثبتت أنها أكثر مهارة فيما يتعلق بنقل الأسلحة وتكنولوجيا الدفاع إلى ليبيا. وهزمت طائراتها المسيَّرة من طراز “بيرقدار” منظومات الدفاع الجوي الروسية “بانتسير” التي جلبتها الإمارات إلى ليبيا. وهكذا استطاعت القوات المدعومة تركيّاً إجبار ميليشيات حفتر على التراجع.

 

 

ما يجري الآن، هو أن السيسي أشار صراحةً إلى خطوط حمراء محتملة لا يسمح بتجاوزها في ليبيا. الخط الأحمر الذي وضعه من المفترض أن يمنع حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا، من السيطرة على مدينة سرت ومطار الجفرة الاستراتيجي في وسط البلاد. ومن ثم، فإن ذلك يعني تقسيم البلاد إلى نصفين. وصحيح أن مصر تمتلك جيشاً ضخماً، غير أن جيشها لم يُختبر عموماً في ساحات قتال أجنبية عنه، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.

علاوة على ذلك، فإن مصر تقاتل بقايا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سيناء منذ سنوات ولم تتمكن من القضاء عليهم. أما تركيا، فترسل قوات من جيشها إلى سوريا منذ سنوات، معظمها لمحاربة قوات “حزب العمال الكردستاني”. وفي فبراير/شباط الماضي، اشتبكت القوات التركية مع النظام السوري، ودمرت عدداً كبيراً من مركباته المدرعة ومنظومات دفاعه الجوي. كما دخلت تركيا مؤخراً مناطق واقعة بشمال العراق، في عملية عسكرية جديدة. إضافة إلى أن البحرية التركية أبدت شراسة أكبر في التعامل مع الفرنسيين، الذين يُزعم أنهم يدعمون حفتر، واليونانيين الذين يعملون مع مصر. وفوق كل ذلك، فإن طائرات الـ”إف 16″ التركية وطائرات الناتو كانت أكثر عدوانية في تدخُّلها. على الجانب الآخر، متى كانت آخر مرة واجهت فيها مصر قوةً جوية حقيقية أخرى؟ ليس منذ عقود.

 

 

الجيشان متقاربان ولكن!

على الورق، تتطابق قوة الجيش التركي مع نظيره المصري إلى حد كبير. فكلاهما، يمتلك طائرات “إف 16” ومئات من الطائرات المقاتلة الأخرى. والجيش المصري هو تاسع أقوى جيش في العالم على الورق، مع آلاف الدبابات التي يمتلكها. ويُعتقد أن الجيش التركي هو الـ11 في ترتيب أقوى الجيوش بالعالم. كما يستخدم كلا البلدين أنظمة سلاح غربية مرتبطة بالولايات المتحدة أو الناتو. وعلى الأرجح فإن كون تركيا جزءاً من الناتو وعملها مع جيوشه يجعل قواتها أكثر فاعلية من مصر.

كلا البلدين متورط في حملات لمكافحة التمرد. غير أن مصر قريبة من ليبيا ويمكنها بيسر نقل لواء مدرع أو قوات إلى خط المواجهة، أما تركيا فسيتعيّن عليها نقل قواتها جواً، للقتال ضد ما يُدعى بقوات “الجيش الوطني الليبي” التابعة لحفتر والمسلحة تسليحاً خفيفاً أيضاً، مع دعمٍ من بعض القوات أو المقاتلات الجوية المصرية. كما أن روسيا تمتلك بالفعل طائرات لها في شرق ليبيا.

يوم السبت 20 يونيو/حزيران، لمّح الرئيس المصري علانية إلى أنه يمكن استخدام الجيش على أرض أجنبية. وهدفه من ذلك، هو جعل الولايات المتحدة تلتفت بجدية إلى مطلبه بوقف إطلاق النار. أما تركيا، فقالت إنها ستقيم قواعد عسكرية جديدة لها في ليبيا، وتباهت بأنه بات لديها الآن قواعد في تسع دول.

تحاول تركيا إظهار أنها تسيطر على شرق البحر الأبيض المتوسط، وأنها لها دور أيضاً في التحكم في سياسة الولايات المتحدة في سوريا وليبيا والعراق. وقد طالبت تركيا إدراة ترامب ببذل المزيد في ليبيا، وأثار الدور المتزايد لروسيا قلق الولايات المتحدة. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة في موقف حرج. فهي تريد تحجيم روسيا، لكن مصر في الوقت نفسه شريكٌ وثيق للولايات المتحدة. وفي غضون ذلك، تحاول تركيا الضغط على الولايات المتحدة للانحياز إلى جانبها.

كانت تركيا اشترت منظومات “إس 400” من روسيا وتحاول الضغط على واشنطن إن لم تتحرك لدعمها في ليبيا. أما مصر، فكل ما يمكن أن تفعله هو التدخل لجعل واشنطن تأخذ وجهات نظرها على محمل الجد. ومع ذلك، فإن ترامب أشار إلى أنه لا يريد مزيداً من المشاركة للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط أو “الأماكن البعيدة” عن الوطن.

أما مصر، فهي وإن كان سبق لها أن تدخلت تدخلاً صريحاً في ليبيا، فقد نفذت غارات جوية بعد هجمات في مصر وعلى مصريين يعملون في ليبيا، فإنها لم ترسل دبابات وقوات عسكرية ذات بال إلى ليبيا.

رسائل خطاب السيسي

ومع ذلك، بحسب الصحيفة الإسرائيلية فإن خطاب السيسي الذي وجهه وسط جنوده يوم السبت يعد خطوة كبيرة. وكان الرئيس التركي قال في 9 يونيو/حزيران أنه توصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن ليبيا، وذلك بعد أن حذرت الولايات المتحدة من التدخلات الأجنبية في ليبيا في 20 مايو/أيار. وكان بيان مايو/أيار الأمريكي قد جاء بعد سيطرة حكومة الوفاق على قاعدة الوطية الجوية المهمة في 18 مايو/أيار. أما السيسي، فقد التقى حفتر في 14 أبريل/نيسان و9 مايو/أيار و7 يونيو/حزيران، ليخرج في النهاية بإعلان يدعو إلى إصدار وقف لإطلاق النار. غير أن تركيا أعلنت في 10 يونيو/حزيران رفضها أي وقف حالي لإطلاق النار، وتعهدت بعدم الدخول في عملية تفاوضية، يشارك فيه خليفة حفتر، الذي تعتبره أنقرة “أمير حرب”، وتقول تركيا إن حفتر رفض الانصياع لتسع صفقات سابقة لوقف إطلاق النار.

وبدلاً من ذلك، تواصلت أنقرة مع إيطاليا لتحصيل الدعم لخطتها الخاصة “بعملية سلام دائمة” في ليبيا، سلام يتضمن بسيطرة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا على ليبيا. وإيطاليا معنية بذلك، لأنها تريد من حكومة الوفاق أن تمنع المهاجرين من عبور البحر الأبيض المتوسط إلى سواحلها. أما “جامعة الدول العربية”، فقد دعت في 20 يونيو/حزيران إلى إجراء محادثات للمساعدة في تجاوز ليبيا للأزمة الحالية، لكن حكومة الوفاق رفضتها.

التحرك الروسي من خلف الستار

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية فقد طلبت روسيا، وفق ما أوردته إذاعة Voice of America يوم 17 يونيو/حزيران، أن تعمل الولايات المتحدة معها على حل الأزمة في ليبيا. وألغى وزير الخارجية الروسي اجتماعاً كان مقرراً مع تركيا في 16 يونيو/حزيران، لأن روسيا أدركت على ما يبدو أن تركيا لن تتزحزح عن موقفها في ليبيا وأن اللقاء سيكون مضيعة للوقت. كما أن تركيا اتجهت مباشرة إلى ترامب والمستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، على أمل أن تتوصل ميركل مع فرنسا واليونان.

السؤال البارز الآن يتعلق بالسيسي. هل سيقدم على إرسال الجيش إلى ليبيا أم تستمع الولايات المتحدة إلى مخاوف النظام المصري وتحث الأطراف المتنازعة على إيقاف إطلاق النار. غير أن الولايات المتحدة تواجه صعوبة في إصرار أنقرة على دعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً.

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية فإن على الولايات المتحدة منحَ تركيا مزيد من التنازلات، لجعل تركيا تتوقف عن العمل المشترك مع موسكو وطهران.

وفي الختام، فإن الولايات المتحدة وإيران قد يجد كل منهما الآخر يقف إلى الجانب نفسه في ليبيا، عبر تعاون الدولتين مع تركيا. وكل هذا يتوقف على ما ستقدم عليه القاهرة الآن. بمعنى أنه إذا أصبح للقاهرة وجود عسكري مؤثر في ليبيا، فإنها يمكن أن تفعل ما فعلته تركيا بنجاح وتستفيد من ذلك للحصول على تنازلات. وفي الوقت الحالي، على مصر أن تراقب وتفكر جيداً في الخطوة التالية. في الوقت ذاته، يتطلع الجميع أيضاً إلى واشنطن للقيام بأكثر من مجرد التلميح إلى أنها تدعم كلا من اقتراح مصر بوقف إطلاق النار، ونهج أنقرة في الوقت ذاته. كما أن ما سيحدث بعد ذلك سيطال تأثيره أيضاً حلفاء واشنطن الآخرين، في تل أبيب والرياض وأبو ظبي.

 

 

عربي بوست

زر الذهاب إلى الأعلى