مقالات و أراء

هل لجأ أوميت أوزداغ إلى كذبة جديدة؟

يمكن النظر إلى تاريخ تركيا السياسي في الماضي على أنه سلسلة من الانقلابات المتعاقبة. وبينما كانت انقلابات 27 مايو/أيار 1960، و12 مارس/آذار 1971، و12 سبتمبر/أيلول 1980 انقلابات فعلية، فإن انقلاب 28 فبراير/شباط 1997 من حيث التحقيق يُعدّ عملية مهمة لانقلاب ما بعد الحداثة في تاريخنا الحديث، حيث فكّ رموز الوثائق التي كانت مذيلة بتوقيعات الفاعلين المحليين والأجانب على حد سواء، وهو الانقلاب الذي قُدّر أن نشهد محاكمة مدبّريه وكبار رجاله الذين كان مصيرهم السجون.

 

أما اليوم فيبدو من الواضح بشكل لا يمكن إنكاره، كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي “الناتو” والموساد الإسرائيلي إلى جانب منظمة غولن الإرهابية؛ كانوا جميعًا المحرّك الرئيسي وراء الطغمة العسكرية والمدنية/السياسية على حد سواء خلال انقلاب 28 شباط 1997.

من جانب آخر، عمل الانقلابيون في تلك المرحلة على خلق طابع وتصوّر لدى الرأي العام لشرعنة الانقلاب وأنه جاء في إطار تصحيح المسار، ولذلك نجد الآلات الإعلامية وبإيعاز من مجلس الأمن القومي وهيئة الأركان، تولت مهمة الدفاع عن الانقلاب وشرعيته، متبعة أساليب شتى للحرب النفسية ضد التحركات الوطنية التي عارضت الانقلاب، مما أتاح لها ترسيخ قواعده وتحييد حكومة حزبَي الرفاه والطريق القويم بشكل لا يمت للديمقراطية بصلة.

 

 

في تلك الأثناء كنتُ رئيس دائرة الاستخبارات، وتعرضت لحملة إعلامية ودعاية كاذبة من قبل بعض مؤسسات الإعلام، لأنني فضحت “منظمة العمل الغربي” السرية ورفعتُ معلومات بهذا الخصوص لأصحاب القرار في الدولة. كانت الحملات الكاذبة والافتراءات بهذا الخصوص تتصدر وسائل الإعلام، وبأمر وإنتاج من قبل جنود الطغمة العسكرية بالذات.

واجهنا منذ تاريخ 2 يوليو/تموز 1997 واجهنا حملة شعواء من قبل وسائل إعلام محلية مكتوبة ومرئية، كانت عبارة عن أحكام مسبقة وإعدام خارج نطاق القانون، وافتراءات مجحفة مثل الجاسوس والخائن والعصابة وغلاديو، ودعاية سوداء موجهة ضدي وضد زملائي، وجميعها لا تعكس الحقيقة ولا قواعد القانون الموضوعية ولا الأدلة المادية.

 

في خضم انقلاب 28 شباط، صرح نواب برلمانيون في حزب الرفاه، أن الموساد الإسرائيلي أرسل مليارات الدولارات إلى مؤسسة “أبوليتلي ميديا” الإعلامية التي كانت تتولى زمام أمور الإعلام لشرعنة الانقلاب آنذاك. في الحقيقة اتضح أن الموساد هو الداعم والمخطط الأول لانقلاب 28 شباط، بدليل الاجتماعات التي عقدها الصف الأول من ضباط الانقلاب أكثر من مرة مع كبار السياسيين والعسكريين الإسرائيليين.

 

 

هل هو تعاون ضمني بين “برينجك” وأوميت أوزداغ؟

ماذا يعني أن نشاهد اليوم من جديد بعد 25 عامًا من انقلاب 28 شباط، “دعاية سوداء” جديدة تشبه تمامًا تلك التي أنتجها الانقلابيون قبل ربع قرن، نجدها اليوم حاضرة بشكل مثير في “مجلة أيدنليك”، وقناة “أولوصال”، وبعض مقالات الرأي في “أيدنليك”، ما الذي يعينه ذلك الآن؟

يمكن النظر إلى جهود ومحاولات الحفاظ على عقلية انقلاب 28 شباط حية في الأذهان، مع وضع الأساس لـ28 شباط جديد في تركيا. وهناك اعترافات أدلى بها “دوغو برينجك” رئيس الحزب الوطني في هذا الخصوص. أنصار برينجك يعيدون اليوم ترديد الافتراءات ذاتها التي أنتجها المجلس العسكري في 28 شباط، يتناقلونها اليوم في صحفهم وبعناوين كبيرة، إلى جانب تصريحات أوميت أوزداغ التي تتجاهل من جديد المزاعم والاتهامات حول الموساد، ومن المعلوم التباين الشاسع بين كلا الأيديولوجيتين، فما هو إذن سوى تعاون ضمني بينهما.

 

إن جميع ما نشره وينشره أنصار بيرنجك من افتراءات وأخبار كاذبة تستهدف شخصي وتتهمني بالانتماء لمنظمة غولن، ما هي سوى أكاذيب لا تمت للحقيقة بصلة. وإذا كان أنصار بيرنجك مخلصين للغاية بشأن مكافحة منظمة غولن، فلماذا لا يسلطون الضوء إذن على رئيس الأركان السابق، كاراداي، الذي هيأ الأجواء لمنظمة غولن داخل سلك القوات المسلحة التركية، حيث كان يحمي ويذود عن المنظمة إبان انقلاب 28 شباط؟

ألم يمهّد كاراداي الطريق بالفعل لمنظمة غولن الإرهابية داخل سلك القوات المسلحة التركية من ناحية، ويُفسح المجال أيضاً لأنصار وجماعة بيرنجك من ناحية أخرى؟

في الوقت ذاته، جاءت تصريحات أوزداغ التي تتهمني بالتجسس على جيشي، وقد أثبتت هذه المزاعم الكاذبة الشبيهة بعملية الدعاية السوداء في 28 شباط، أن أوزداغ لديه نفس عقلية الوصاية التي تشيد بالمجلس العسكري الانقلابي.

في الواقع، نفخر بقواتنا المسلحة التركية اليوم، بعد أن تخلصت من انقلابيي 28 شباط وأعضاء منظمة غولن الإرهابية، مما جعلها تتبوأ مكانة مرموقة تستحقها بين أقوى جيوش العالم اليوم.

 

يسلك أوزداغ طريقه من خلال كيل العداوة ضد وحدات استخباراتنا والصفوف الأولى في الدولة، وينظر إليهم كأعداء. وإن تصريحاته التي تأتي في سياق دعم خطاب 28 شباط، سيتم وضعها تحت المجهر القانوني وستنال ما يستحقها.

 

حين النظر لاتهامات أوميت أوزداغ الوقحة بخصوص منظمة غولن، نرى أنها مستوحاة من صحيفة أيدنليك التابعة لـ دوغو بيرنجك. وبعض التقديرات تشير إلى أن “منظمة غولن الإرهابية موجود في كل قضية دفاع بعالم الظلام. والشخصيات المظلمة التي لا يمكنها الابتعاد عن الطريق تحاول الهروب عبر عصا غولن السحرية”. لا سيما وأنه وفقًا لبيرنجك ومن والاه فإن كلّ من يصف انقلاب 28 شباط بالانقلاب فهو من أعضاء منظمة غولن! يا له من ذكاء عجيب!

يني شفق -بولنت أوراك أوغلو

زر الذهاب إلى الأعلى